جثث المحتجزين تثير الغضب في الداخل الصهيوني.. وأول مظاهر الغضب دعوة إلى إضراب عام
مرصد الأزهر: "المماطلة" سلاح نتنياهو لإفشال جهود وقف إطلاق النار
رئيس حكومة الاحتلال يعول على الدعم الأمريكي في استمرار أمد الحرب
استمرار تسليح الكيان الصهيوني السبب المباشر في عرقلة جهود وقف إطلاق النار؛ وليس تعنت نتنياهو فقط
الضغط الشعبي على نتنياهو أو "سيد الموت" - كما يلقبونه - لا يعني تأييد المجتمع الصهيوني لحل الدولتين أو رفضهم عمليات إبادة الفلسطينيين
محور صلاح الدين "فيلادلفيا" ما هو إلا ذريعة من ذرائع نتنياهو لنسف جهود إقامة دولة فلسطينية مستقلة
قدم مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، قراءة مهمة فى مسار العدوان على قطاع غزة، وتأثير الحراك الشعبى ضد نتانياهو على جهود وقف إطلاق النار، موضحاً أنه بعد دخول العدوان الصهيوني يومه رقم 331 دون تغيير يذكر في أوضاع قطاع غزة، مع استمرار القصف الممنهج وعمليات الإبادة ضد الفلسطينيين بلا هوادة، وسط تخاذل دولي ومماطلة غير مبررة؛ أعلن الاحتلال، أمس الأحد الأول من سبتمبر2024 ، العثور على جثث ستة محتجزين في أحد الأنفاق التابعة للمقاومة الفلسطينية، وهو ما أثار غضبًا واسعًا في الشارع الصهيوني ضد نتنياهو، وتعالت بسببه الأصوات الداعية إلى إضراب شامل غدًا الاثنين، أول إضراب عام منذ السابع من أكتوبر الماضي.
إذ دعا زعيم المعارضة، يائير لابيد، إلى إضراب شامل وعقد جلسة خاصة للكنيست لمناقشة صفقة تبادل المحتجزين ووقف إطلاق النار، محملًا نتنياهو ومجلس وزرائه مسئولية مقتل المحتجزين الست؛ قائلاً: «أبناؤنا وبناتنا جرى التخلي عنهم وهم يموتون في الأسر ونتنياهو منشغل بالتلفيقات، ما يهمه ليس محور (فيلادلفي) ولقاحات شلل الأطفال، بل الائتلاف والإبقاء على سموتريتش وبن غفير، وهو في طريقه لسحق عائلات المختطفين وشعب إسرائيل».
تأتي تصريحات "لابيد" وسط تصاعد التوتر داخل الكيان، حيث أعلنت عائلات المحتجزين منذ السابع من أكتوبر عن تصعيد تحركاتهم بسبب إصرار رئيس الحكومة على إفشال صفقة التبادل ووقف إطلاق النار.
جثث المحتجزين الصهاينة تشعل الغضب على "نتـنياهو"
بهذا جاء الإعلان عن العثور على جثث المحتجزين ليشكل ضربة جديدة لحكومة نتنياهو التي تفتعل الصراع على اتجاهات متعددة داخليًا وخارجيًا، إلا أن تحوّل الأوضاع في الداخل الصهيوني إلى بؤرة صراع سياسية ومجتمعية ساخنة لا يعني بالضرورة تأييد أفراد الكيان لإعلان الدولة الفلسطينية التي سبق أن صوت الكنيست بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يرفض إقامتها؛ إذ اعتبر أن إقامة دولة فلسطينية في قلب ما أسموه "أرض إسرائيل" سيشكل خطرًا وجوديًا عليهم، وأنه سيؤدي إلى إدامة الصراع وزعزعة استقرار المنطقة، وهي جميعها حجج واهية تدعم مساعي نتـنياهو والمتطرفين الإرهابيين من أمثاله لإطالة أمد العدوان على غزة، بل فتح جبهات صراع جديدة - كما نشهد حاليًا في الضفة الغربية واقتحامات المسجد الأقصى المبارك - والتمهيد لحرب إقليمية أوسع ودّ أرباب الإرهاب في هذا العصر أن لو أشعلوا فتيلها.
وثمة تحليل يرى في الصراع الداخلي إعلانَ حرب على نتنياهو "الفاسد"، ويمكن إرجاع ذلك إلى حالة الشقاق الطاغية على المعارضة الصـهيونية كما ظهر في دعوة "يائير غولان" رئيس حزب "الديمقراطيين" اليساري -المؤسس حديثًا- إلى ضرورة تغلب المعارضة على اختلافاتها وبناء ما وصفه بـ "المعارضة القوية"، من أجل مواجهة الحكومة الحالية بمكوناتها اليمينية المتطرفة والمتشددة دينيًّا؛ علمًا بأنها ما تزال قادرة على حل الخلافات التي تنشأ؛ وذلك لإدراك شركاء نتنياهو أن سقوط الحكومة الحالية يعني خسارة فرصة لن تتكرر بسهولة، وخاصة بالنسبة لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي امتلك صلاحيات واسعة غير مسبوقة.
بناءً على ذلك، فإن التعويل على سقوط حكومة الاحتـلال بقيادة نتنياهو لوقف العدوان على غـزة، أمر غير منطقي في ظل تمسك الشركاء داخل الائتلاف المكون للحكومة بالمكاسب التي تحققت حتى الآن بفضل هذه الشراكة، وكذلك عدم انسحاب الأحزاب الحريدية رغم اعتراضها على قانون التجنيد الجديد، ما يعني عدم توفر أسباب سياسية لإسقاط الحكومة إلا في حال انسحاب أي من الأحزاب المكونة لها؛ أو توحيد جبهة المعارضة؛ أو تحرك شعبي كبير يفوق ما نراه في الشارع الصهيوني حاليًا، بخلاف هذا لا يمكن ربط وقف العدوان على غزة بسقوط نتنياهو وحكومته المتطرفة.
"المماطلة" سلاح نتنياهو لإفشال جهود وقف إطلاق النار
تشير الأوضاع في الكيان الغاصب وفي الأراضي الفلسـطينية المحتلة إلى أهمية خطوة كان يجب اتخاذها منذ فترة؛ ألا وهي وقف إمداد الكيان بالأسلحة - وهو ما يُعتَبَر أيضًا أمرًا غير منطقي في ظل الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان وحكومته.
ولعل هذا الدعم الأمريكي غير المشروط لنتنياهو والكيان نراه يتجسد في انتهاك متواصل وتعمد صريح لإفشال جميع الجهود المبذولة من أجل وقف إطلاق النار، فكلما أعلن الرئيس الأمريكي "بايدن" عن قرب التوصل إلى اتفاق أعقبه نتنياهو بعمليات اغتيال في إيران ولبنان، وتوسيع الهجمات ضد الفلسطينيين من خلال تجييش المستوطنين وتسليحهم؛ أو كما نشاهد التحركات العسكرية الصهيونية في جنين والضفة الغربية ككل؛ أو كما حدث من ترتيبات سياسية وميدانية من جانب الاحتلال إزاء محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وجميعها تحركات لا هدف لها سوى تعطيل جهود وقف إطلاق النار والمماطلة، وهو السلاح الذي اعتمده نتنياهو منذ السابع من أكتوبر 2023 لضمان البقاء في السلطة، وبذلك يتلاقى مع غلاة الصهاينة في هدف مشترك يتمثل في إنفاذ مخطط الإبادة والتطهير العرقي في فلسطين لإخلائها من سكانها الأصليين كي يظهر بمظهر البطل في عيون الإرهابيين الصهاينة ويقضي على كل أمل في إقامة دولة فلسطينية.
وبفضل الدعم العسكري والدبلوماسي والمالي الذي تقدمه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الصهاينة، تُسلَب الأراضي الفلسطينية تدريجيًا وتُنتَهَك المقدسات الدينية علنًا، تنفيذًا لسياسة بناء "إسرائيل الكبرى" وللتنصل من الاتفاقيات التي أُبرمت مثل اتفاقيات أوسلو ومدريد.
ورغم تعنت نتنياهو والدعم الغربي للكيان، نجد أن الشواهد تؤكد أن الحل الوحيد لاسترجاع الاحتلال لمحتجزيه من المقاومة الفلسطينية هو التفاوض السلمي وليس العدوان والإبادة، فمنذ نحو 11 شهرًا لم تستطع قوات الاحتلال تحرير سوى ثمانية محتجزين أحياء بالقوة، بينما أمكن استرجاع 110 محتجز من خلال صفقات التبادل ووقف إطلاق النار، وهو ما يظهر النوايا الحقيقية لنتنياهو وحكومته من العدوان الوحشي الدموي ضد الفلسطينيين في غزة وكامل الأراضي الفلسطينية، فالمسألة لا تتعلق بالانتقام من المقاومة أو باسترجاع المحتجزين الصهـاينة - كما يروَّج له إعلاميًا وسياسيًا وعسكريًا - بل يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية كليًا. ولا يوجد أنسب من هذه الظروف التي تتزامن مع التوترات الإقليمية والدولية وقرب الانتخابات الأمريكية لتنفيذ المخطط الموضوع منذ اللحظات الأولى لإعلان ما يسمى بـ "دولة إسرائيل" ، وهو ما يتجسد في توسع بناء المستوطنات ومخطط البناء الذي يحيل دون ربط الضفة بقطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية موحدة تجمع كامل الأراضي الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 كما هو مقرر بمقتضى القرارات الدولية والاتفاقيات الرسمية.