نشر موقع "سكاى نيوز عربية" تقريرا عن رحلة صعود دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال رحلة طويلة بدأت قبل 17 شهرا، مستغلا فى ذلك قدراته الفائقة على الترهيب والمبالغة، وبراعته فى التعامل مع وسائل الإعلام، والتى جعلت منه واحدا من أشهر رجال الأعمال فى العالم، ومنذ أعلن ترامب خوضه سباق الرئاسة، من خلال حزبه، على المدخل المؤدى إلى السلم الكهربائى لبرجه الفخم، استطاع الجمع بين القدرة على مخاطبة النخبة والجماهير العريضة فى آن واحد، وبين فاحش الكلام والظهور بمظهر الورع.
ترامب المثير للجدل يفوز برئاسة الولايات المتحدة
اجتذب ترامب أعدادا غفيرة من المتحمسين لمؤتمراته الجماهيرية التى هلل له الناس فيها لأنه "نطق بما يدور فى أذهان الجميع".
ووصمه منتقدوه بكراهية النساء، وعدم الإلمام بمعلومات كافية عما يتحدث فيه، والفظاظة، والإتيان بتصرفات لا تليق برئيس، فضلا عن اتهامات له بالعنصرية، والرياء، وتهييج الجماهير، والتحرش بالنساء وهذه كلها اتهامات نفاها ترامب.
واستغرق ترامب (70 عاما) ما يزيد قليلا عن 10 أشهر فى التغلب على 16 مرشحا آخرين، ليصبح أول مرشح لأحد الحزبين الرئيسيين يخوض الانتخابات دون أن يمتلك أى خبرات حكومية منذ الجنرال دوايت أيزنهاور فى الخمسينيات.
واجتذب ترامب عددا قياسيا من الأصوات فى الانتخابات التمهيدية، لكنه أحدث فى الوقت نفسه صدعا فى الحزب الجمهوري، وصدم ترامب الكثيرين بقوله إنه سيأمر بالتحقيق مع منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون بسبب أسلوب تعاملها مع رسائل البريد الالكترونى إذا ما أصبح رئيسا، وتعهد بسجنها.
ترامب وتهمة التحرش الجنسى
وأخذت حملته الانتخابية منحى شائنا فى أكتوبر الماضي، بنشر مقطع فيديو صور عام 2005، يقول فيه لصحفى دون أن يدرى أن ما يقوله يتم تسجيله، إنه "يحب تقبيل النساء دون أن يبدين استعدادهن لتقبل ذلك، وإنه قد يمسك بعوراتهن دون أن يوجهن له أى اتهام لثرائه وشهرته".
وقال ترامب، إن هذه التعليقات مجرد ثرثرة عابرة، ونفى ما تلا ذلك من اتهامات وجهتها له أكثر من 10 نساء قلن إنه "تحرش بهن جنسيا".
ولد ترامب لأسرة ثرية، فى 14 يونيو عام 1946، فى حى كوينز بمدينة نيويورك، ليصبح رابع خمسة أولاد أنجبهم فريد ترامب وباعترافه هو شخصيا، لم يكن ترامب طفلا سهل التربية، وقال إن والديه أرسلاه وهو فى الصف الثامن إلى أكاديمية نيويورك العسكرية على أمل أن تغرس فيه الانضباط المطلوب.
ومن خلال التأجيل لأسباب تتعلق بالدراسة أو لأسباب طبية، لم يخدم ترامب قط فى الجيش الأمريكي، لكنه قال إن المدرسة منحته "من التدريب العسكرى ما يزيد بكثير عما حصل عليه الشباب الذين يدخلون الجيش"، وبعد التخرج من جامعة بنسلفانيا، اتجه ترامب للعمل فى شركة والده التى ركزت على أحياء كوينز وبروكلين وجزيرة ستاتن حول مدينة نيويورك، وكانت تمتلك عددا يقدر بنحو 15 ألف شقة.
هجوم نارى على مواقع التواصل الاجتماعى
وهدد صعود نجم ترامب، الذى كان فى وقت من الأوقات عضوا مسجلا فى الحزب الديمقراطي، بنسف الحزب الجمهورى وتحدت مؤسسة الحزب التزامه بالأسس التى يقوم عليها الحزب، وأخذت موقفا معاديا منه، وتحاشاه أعضاء كبار فى الحزب الجمهورى أو كان تأييدهم له فاترا، ومنهم الرئيسان السابقان جورج بوش وابنه، وعدد من قيادات الكونجرس.
واستخدم ترامب تويتر سلاحا، فراح يطلق الإهانات، ويهزأ بمن أساءوا إليه، ومن ذلك وصفه كلينتون بأنها "محتالة"، ومنافسيه الجمهوريين مارك روبيو "بالصغير"، وجيب بوش بأنه محدود الطاقة، وتيد كروز بالكاذب.
كما استهدف أسرة ضابط مسلم بالجيش الأمريكى قتل فى العراق، بعد أن انتقد والده ترامب فى المؤتمر الوطنى للحزب الديمقراطي، وظل ترامب يرد على والد الضابط على مدى أيام، رغم نصائح من حوله بتجاوز هذا الأمر، والانتقال لغيره، وحتى أواخر أكتوبر الماضي، أحصت صحيفة "نيويورك تايمز" 282 شخصا ومناسبة وجه فيها إهانات على تويتر منذ إعلان ترشيحه.
وحفل ترشيح ترامب بالمتناقضات. فبعد أن تعهد بإعادة ما نقل من وظائف للخارج إلى الولايات المتحدة، ارتدى ملابس مصنوعة فى الخارج، واستخدم قبعات لحملته مصنوعة فى الخارج أيضا، وكما أن ترامب، الذى شجب ما يجلبه المال من فساد فى عالم السياسة، تفاخر بأنه دفع مالا لشراء النفوذ لنفسه، ورغم استخدام عمالة غير مسجلة فى بناء مشروعاته العقارية، فقد تعهد وهو مرشح بإخراج المهاجرين غير الشرعيين من البلاد.
كذلك قال إنه "لا أحد يحترم النساء مثلما أحترمهن أنا"، لكنه وصف بأنه "كاره للنساء" لسخريته من مظهر منافسته المرشحة كارلى فيورينا، وإشارته على ما يبدو إلى "الدورة الشهرية" للإعلامية ميجن كيلى بقناة "فوكس نيوز".
وخلال الحملة الانتخابية، خاصة فى كلمته فى مؤتمر الحزب الجمهوري، فى يوليو الماضي، رسم ترامب صورة قاتمة لأميركا، وقد جثت على ركبتيها أمام الصين والمكسيك وروسيا وتنظيم داعش، وقال إن "الحلم الأميركى انتهى، إذ أخمدته مصالح خبيثة فى عالم الأعمال، والساسة الفاسدون"، وإنه وحده يمكنه أن يحيى هذا الحلم. وقال ترامب إنه "سيجدد عظمة أميركا" من خلال قوة شخصيته، ومهاراته التفاوضية، وبراعته فى إدارة الأعمال.
خطط غير واضحة للتعامل مع الصين
وطرح خططا "غير واضحة" للفوز بتنازلات اقتصادية من الصين، وبناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لمنع تهريب المهاجرين، وإرغام المكسيك على سداد قيمة بناء الجدار وتعهد بإلغاء برنامج الرعاية الصحية "أوباما كير"، وأن يكون "أعظم رئيس فى مجال الوظائف خلقه الله على الإطلاق"، كما اقترح منع مواطنى دول الشرق الأوسط التى تشهد حروبا من دخول الولايات المتحدة، فيما يمثل تعديلا لدعوته السابقة لحظر دخول المسلمين.
وروج ترامب لنفسه باعتباره يمثل قصة النجاح المثلى، فقد كان يواعد الجميلات، وتزوج ثلاثة منهن، وكان له برنامج تلفزيون الواقع الخاص به، وأقام ناطحات سحاب تحمل اسمه بحروف ذهبية كبيرة.
وقال إن كل شىء فى حياته كان الأعظم، وذلك رغم أن الانتقادات انهالت عليه لما مر به من إفلاس وإخفاق نوادى القمار التى أنشأها فى أتلانتيك سيتى بولاية نيوجيرسي، وما اعتبره منتقدوه تفاخرا أبداه فى غير موضعه عند مواجهته بالدليل على أنه تهرب من دفع ضرائب.
وقد سبق أن فكر ترامب فى خوض انتخابات الرئاسة، ورأى البعض فى بداية الأمر فى مسعاه شعورا لإشباع إحساسه بتضخم الذات وتلميع اسمه التجارى، وكان من المتوقع ألا تطول هذه المحاولة، غير أنه مع تقدم الموسم الانتخابى أصبح ترامب فى صدارة السباق، وفاز فى الانتخابات التمهيدية بالولاية تلو الأخرى، رغم حملته غير التقليدية التى اعتمدت على اللقاءات الجماهيرية الضخمة.
خطابات مرتجلة من الرئيس الأمريكى الجديد
وبدا أن تصرفات ترامب فى حملة الدعاية الانتخابية ما هى إلا تحصيل خبراته فى برنامج تلفزيون الواقع الذى كان يصيح فيه "أنت مفصول"، مخاطبا المتنافسين الذين يفشلون فى المسابقات، مما كان يثير إعجاب الجمهور وفى كثير من الأحيان كانت خطاباته مرتجلة، وكان يتفاخر فيها بكل شيء من أمواله إلى مستوى ذكائه. وحفلت خطبه بإعلانات مشكوك فى مصادرها وبسوء الفهم والتصريحات الزائفة.
ولمح إلى أن بوسع نشطاء حقوق حمل السلاح التحرك لمنع كلينتون من ترشيح قضاة ليبراليين فى المحكمة العليا، وهو تصريح وصفته حملة كلينتون بالخطر.
10 مليارات دولار قيمة ثروة الرئيس الأمريكى الجديد
وتباهى ترامب بثروته التى قدرها بمبلغ 10 مليارات دولار، رغم أن عدد سبتمبر من مجلة "فوربس" قدرها بمبلغ 3.7 مليارات دولار، ليحتل ترامب المركز 156 بين أثرياء أمريكا.
وأدلى ترامب بانتظام بتعليقات كان من الممكن أن تقضى على فرص مرشح تقليدى، ومنها ما صدر عنه عندما قال إن أنصاره مخلصون لدرجة أن بوسعه إطلاق النار على شخص فى الشارع الخامس فى نيويورك دون أن يخسر صوتا واحدا، وفى مايو الماضى اجتذب اتهامات بالعنصرية، لتشكيكه فى حياد قاض ولد فى الولايات المتحدة لأبوين من المهاجرين المكسيكيين كان ينظر دعوى قضائية مرفوعة عليه.
بوتين : ترامب زعيم لامع موهوب
وقد شعر بالزهو عندما وصفه الرئيس الروسى فلاديمير بوتن بأنه "زعيم لامع وموهوب"، وسخر ترامب من السناتور جون ماكين، المرشح الرئاسى الجمهورى فى عام 2008، لوقوعه فى الأسر خلال حرب فيتنام، وقال إنه يريد لكم أحد المحتجين فى وجهه خلال أحد المؤتمرات الجماهيرية.