الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 08:19 ص

أكرم القصاص يكتب: النواب والوزراء.. القاعدة والاستثناء والسياسة والمركزية

أكرم القصاص يكتب: النواب والوزراء.. القاعدة والاستثناء والسياسة والمركزية الكاتب الصحفى أكرم القصاص رئيس التحرير التنفيذى لليوم السابع
الإثنين، 09 أبريل 2018 11:20 ص

أغلب إن لم تكن كل المشكلات والتشابكات بين الوزراء والنواب ترجع إلى أن النواب يتقدمون بطلبات تحمل مطالب الناخبين أو أهالى الدائرة فى التعيين أو العلاج أو أى من الطلبات الفردية التى غالبا من تكون غير قابلة للتحقيق، الأمر الذى يغضب أهالى الدائرة من النائب ويغضب النائب من الوزير، وتتعكر الأجواء بين الحكومة والنواب وتصل فى بعض الأحيان إلى ما يشبه الصدام، والسبب هو طلبات النواب للوزراء، وهى وإن كانت طلبات ليست شخصية لكنها تتعلق إما باستثناءات، أو بمشكلات بسيطة لا تحتاج إلى توقيع الوزير.

 
وآخر مثال لهذه التعكر هو ما جرى من بعض النواب ووزير التنمية المحلية اللواء أبو بكر الجندى، كان الوزير يتحدث وقال إنه يتلقى من النواب طلبات كثيرة بتعيين أبناء الدوائر لكنه لا ينفذها. الوزير خانه التعبير وقال إنه يلقى بالطلبات فى القمامة. وهو ما أغضب النواب والذين هاجوا على الوزير وطالبوا بإقالته وتدخلت أطراف من هنا وهناك وتم تهدئة الجو باعتذارات وتطييب خواطر.
 
فيما يتعلق بطلبات النواب فهم فى الواقع يطلبون استثناءات، ويفترض أن التعيينات تتم عن طريق مسابقات وتكافؤ فرص وأن يكون الاختيار للأكفأ والأكثر استحقاقا، لكن النواب يطلبون الاستثناءات، وبالتالى فهم من يشرعون ويطلبون من الوزراء مخالفة القانون وعندما تلتزم الحكومة وترفض إلغاء الاستثناءات فإنها تتعرض للهجوم والانتقادات.
 
الواقع أنه ليست المرة الأولى التى يقع الوزير أبو بكر الجندى فى زلة لسان تقوده لصدام مع النواب أو غيرهم، كانت المرة الأولى عندما كان يتحدث عن تنمية الصعيد حتى تتوفر فرص عمل وتتراجع الهجرة وتتوقف العشوائيات، وطبعا الوزير قالها بطريقة تبدو كانه يتهم أهالى الصعيد بأنهم سبب العشوائيات. اعتذر الوزير وقال إنه يقصد كذا واحتاج إلى تفسير لكلماته وأنه لا يقصد الإهانة.
 
وفى الحالتين كان السبب هو طريقة التعبير. والوزير أبو بكر الجندى كان يرأس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو عالم يتعلق بالأرقام والإحصائيات، لكن الوزارة تحتاج إلى درجات إخرى من السياسة والمرونة والتى تعنى قول نفس الشىء بطريقة ملتوية، وهنا مربط الفرس، لأن النواب أنفسهم يطلبون استثناءات ويطلبون مخالفة القانون وتكافؤ الفرص لصالح أهالى الدائرة. 
 
كل هذا يجعل الدائرة مغلقة، النائب يتعرض لضغوط أهالى الدائرة، ويضغط على الوزير، وفى النهاية يتم تعطيل القانون لصالح الاستثناءات. وهى صيغة يشترك فيها المجتمع بكل أطرافه، وكل طرف أصبح يعرف أنه لن يحصل على حقه إلا بطريقة ملتوية وهو ما يجعل القاعدة هى البحث عن استثناءات. ويقاس مدى نجاح النائب بعدد الطلبات الشخصية التى ينهيها ويحصل لها على توقيع الوزير، وليس كون النائب يقدم استجوابات أو طلبات إحاطة أو يهتم بتقديم مشروع قانون أو تبنى قضية عامة فى دائرته.
 
وإذا استعرضنا أغلب المشكلات التى يتم ترحيلها من الدوائر فى المدن والقرى إلى مجلس النواب نكتشف أنها تتعلق بقضايا محلية، يمكن فى حالة تحرك الإدارات الهندسية والمحلية أن يتم حلها ولا تحتاج أن يتم ترحيلها إلى مجلس النواب. وأغلبها لا تحتاج إلى توقيع وزير ومع هذا فإنها تتعطل وتتكدس الطلبات ويتحول عضو مجلس النواب إلى مجرد حامل طلبات واستثناءات، وهذا لا علاقة له مباشرة بالعمل البرلمانى. وكل هذا ينتهى إلى أن يغيب النواب على الجلسات وينشغلوا بملاحقة الوزراء. 
 
وفى المقابل فإن العلاقة بين النواب والوزراء يتم تقييمها، طبقا لمدى استجابة الوزير لطلبات النواب، الوزير الذى يستجيب أكثر يصبح أقرب للنواب، وهنا نعود لفكرة البحث عن وزير سياسى أو وزير تكنوقراطى، الأمر لا يتعلق بالسياسة، بقدر ما يتعلق بالقدرة على تقديم الترضية والمرونة والتفاهم حتى لو كان على حساب المجتمع والمجلس.
 
وبالمناسبة كانت هذه العلاقات بين النواب والحكومة هى نفسها طوال فترات مختلفة، ولا يمكن الرهان على انتهائها ما لم يكون هناك قانون واضح للإدارة المحلية، ينهى المركزية التى تجعل قرار نقل موظف أو علاج مواطن مرهونا بموافقة وزير الصحة أو رئيس الوزراء. وهو أمر لا يتعلق فقط بمركزية القرار، لكن بتقاعس كبار الموظفين فى الأقاليم ممن يرفضون اتخاذ قرارات ويفضلون ترحيلها إلى الوزير المختص، وفى النهاية المواطن هو الذى يدفع الثمن.

 


print