الفيروس قادنا إلى ثورة فى سلوك المؤسسات والشركات من خلال العمل من المنزل والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة فى الاتصالات والاجتماعات بالفيديو، نحن يمكن أن نحول المحنة إلى منحة، من خلال تطوير هذه الثورة وترسيخها مؤسسياً بما يوفر على العمال والموظفين والشركات «طبعاً»، مصروفات هائلة فى انتقالات ومقار ونفقات متعددة.
كل الأعمال المكتبية ثبت إمكانية إنجازها من البيوت بنفس الكفاءة، كما أن المهام الميدانية ممكنة بتكلفة أقل فى حالة بقاء ملايين الموظفين فى البيت، مما يتيح للميدانيين وعمال الشركات الصناعية والوحدات الإنتاجية التحرك بسهولة داخل وخارج المدن. التغير الهائل فى آليات العمل اليومى يجب حتماً أن يعقبه تغيرات كبيرة فى استراتيجيات العمل الإدارى والتواصل بين الإدارات العليا والموظفين والعمال ومنطق الـHR وآليات مراقبة الكفاءة والإنتاج.
تجربتنا فى «اليوم السابع» مدهشة، التواصل بين فريق العمل الميدانى والزملاء من المنازل صار أكثر من ذى قبل، قيادات التحرير يعقدون اجتماعات الفيديو على نحو منتظم ومثمر للغاية، المحررون فى المنازل يشعرون بمسؤولية كبيرة ولا يتأخرون عن التواصل مع مصادرهم الإخبارية على مدى الساعة، الإنتاج يتضاعف، والجودة تزداد، وصحافة الفيديو واللايفات المباشرة والبث الحى الدائم تتألق بشكل غير مسبوق.
هذا الفيروس أجبرنا قهراً على أن نلتزم سلوكاً انعزالياً قاسياً، هذا صحيح، لكن هذه الظروف علمتنا مهارات رقمية جديدة، كنا نظن أن العمل من المنزل يقضى على الالتزام، ويروج التراخى بين الناس، ويحول بين الإدارات العليا وبين المتابعة الجادة لعمل الأفراد داخل المنظومة المؤسسية، لكننا اكتشفنا العكس جملة وتفصيلاً، فباستثناء شوقنا لزملائنا ولتجمعات الكافيتريا وأعياد الميلاد والغذاء الجماعى وجلسات الدردشة اللذيذة، فإن العمل يمضى بقوة وبانتظام والتزام، والأفكار الإبداعية وعمليات التطوير لا تتوقف.
لاحظ أيضاً أن الدولة المصرية لديها استراتيجية سابقة على الفيروس تؤهلها لهذه المرحلة ما بعد الجائحة «إن شاء الله»، وهى استراتيجية الرقمنة للخدمات الحكومية، وقد قطعنا فيها شوطاً كبيراً، ويمكن أن تصبح اليوم عقيدة مجتمعية لكل القطاعات والمؤسسات وللناس تساعد على نجاح هذا المسار الرسمى، كل شىء أصبح ممكنا من خلال الرقمنة، ابتداءً من حجز التذاكر وتسجيل المواليد وحتى استخراج البطاقات وجوازات السفر والدفع الإلكترونى وحركة الحسابات المصرفية، كل شىء وأى شىء صار ممكنا إلكترونيا، وبأمان كامل ودقة متناهية.
الجائحة المفاجئة جعلتنا نجرب هذا بأنفسنا، العمل من المنزل، والتعليم عن بعد، وفصول الدراسة بالفيديو من المدارس والجامعات، والدفع الإلكترونى، وإنهاء مهام كبيرة، كانت تستلزم أيام من الحركة والانتقالات، فى دقائق محدودة من شاشة الموبايل.
لكن يبقى هنا قرار استراتيجى آخر وثورة تنفيذية أخرى يجب أن تُقبل عليها الحكومة المصرية.
وهى توجيه استثمارات أكبر وأضخم فى البنية التحتية للإنترنت، وتوسيع القدرات والسعات للشبكة فى البيوت والشركات والأندية والمدارس والجوامع والكنائس، ووسائل النقل، وفى كل مكان فى البلاد، وفتح سقف المشاركة لشركات الاتصالات ومشغلى خدمات الهاتف المحمول للنهاية، لقديم خدمة الإنترنت على الموبايل، وخدمات الواى فاى، لتقاسم هذه المسؤولية الكبيرة مع الحكومة.
إن ثورة فى البنية التحتية للإنترنت وثورة فى الباقات والسعات والإمكانيات يمكن أن تغير شكل مصر وشكل العالم نهائياً، العالم الجديد بعد هذه الجائحة قد يكون أكثر التزاماً وأعظم كفاءة وأرقى صحياً دون انقطاع عن التواصل الاجتماعى والوظيفى.
يجب أن نكون مستعدين لهذه المرحلة، ولدينا من الشركات العامة والخاصة، ومن التجارب المثمرة فى مسيرتنا التكنولوجية، ومن ثقافة موظفينا، ما يساعدنا على أن نحول المحنة إلى منحة بكل تأكيد.
أتمنى أن ينصت إلى هذا الكلام وزير الاتصالات والشركات العاملة فى مجال الإنترنت وهى المصرية للاتصالات وفودافون مصر وأورنچ مصر واتصالات مصر وكل من له علاقة بمستقبل الإنترنت والاتصالات فى بلادنا.