كتب إبراهيم قاسم - هدى أبو بكر
قال المجلس الخاص فى مجلس الدولة، إن المستشار أحمد الزند، وزير العدل، تدخّل بشكل صارخ فى أعمال إحدى الهيئات القضائية المنصوص عليها فى الدستور، وهى مجلس الدولة، وذلك بعد اتهامه لقسم التشريع بترقيع القوانين.
وأضاف المجلس – فى بيان صادر عنه، اليوم الاثنين - أنه فضل الرد على اتهامات "الزند" حتى لا تتّخذ من جهود قسم التشريع وقراراته المستمدة من صحيح تفسير أحكام الدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية، تكأة لدفع المسؤولية السياسية أو إيهام الرأى العام بآراء تتجاهل المبادئ المستقرة فى شأن مبادئ العدالة والمحاكمة المنصفة.
واستطرد المجلس الخاص فى بيانه، مؤكّدًا أن المجلس اطلع على تصريحات وزير العدل فى حواره الخاص مع الإعلامى أحمد موسى، بشأن تعليقه على ما أبداه قسم التشريع بمجلس الدولة من ملاحظات بشأن التعديلات الواردة على قانون الإجراءات الجنائية، لجعل أمر الاستماع للشهود جوازيًّا لمحكمة الموضوع، متابعًا: "وإذ صادفت تلك التصريحات انزعاجًا شديدًا لدى أعضاء مجلس الدولة، بحسبانها تمثل تدخلًا صارخًا فى أعمال إحدى الجهات القضائية، وتُنبئ بذاتها عن عدم الإحاطة بما وُسد له من استقلال وتعيين دقيق لاختصاصاته، طبقًا لما نصت عليه المادة 190 من الدستور، لذا ارتأى المجلس ضرورة التدخل باستعمال حق الرد، وذلك بإيضاح الحقائق القانونية، وهى:
أولا: أن المادة 190 من الدستور تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية..."، ومؤدّى ذلك أن قسم التشريع لا يُجرى "مراجعة الصياغة" وحدها، وإنما يمتد اختصاصه لإجراء مراجعة مشروعات القوانين على ضوء أحكام الدستور والقوانين ذات الصلة، كمرحلة أولى تسبق المرحلة المتممة لعملية المراجعة، وهى ضبط الصياغة التشريعية.
ثانيًا: أنه إذا كان من المُسلَّم به أن الغاية من التشريع أو الباعث عليه، مما يستقل به المشرع، إلا أن سلطة المشرع التقديرية فى هذا الشأن تحددها المقتضيات الدستورية، فلا يسارع بإعداد مشروع قانون لم تقم بشأنه موازنة دقيقة بين أحكامه والمبادئ المستقر عليها دستوريًّا، خاصة إذا اتصل الأمر بمجال متطلبات المحاكمة العادلة والمنصفة، كما لا يسوغ التعجيل باستصدار نص قانونى تحيط به شبهات جدية بعدم الدستورية، إذا كان بالإمكان تجنب تلك الشبهات برد النصوص محل المراجعة إلى دائرة الشرعية الدستورية، وهى ضمانة مستحدثة اختص الدستور مجلس الدولة بتحقيقها، فيمد يد العون للسلطة القائمة على إعداد مشروعات القوانين وإقرارها، فإن أخذت بما خلصت إليه مراجعته اعتصمت بأحكام الدستور، وإن هى أغفلت ملاحظاته غدا التشريع مزعزعًا فى استقراره ومنبئًا عن رغبة من أعده فى تجاوز أحكام الدستور وإهدار ضماناته، ومن ثم فلا يبقى أمام الرأى العام سوى استدعاء المسؤولية السياسية لتبرير هذا التجاوز.
ثالثًا: بشأن ما تضمّنته تصريحات السيد المستشار وزير العدل، من تعليق على ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة على مشروع قانون بتعديل قانون الإجراءات الجنائية بشأن سماع الشهود، فإنه فضلًا عن أن تلك التصريحات تنطوى على تدخل غير مبرر فى أعمال إحدى الجهات القضائية، بما ينال من استقلالها المصون دستوريًّا - على الرغم من أنها صدرت ممن يفترض أنه الأحرص على صيانة استقلال الجهات والهيئات القضائية - فإنه مما لا شك فيه أن هذه التصريحات أغفلت الواقع الثابت بمكاتبات قسم التشريع، الذى رفض بوجه قاطع مخالفة أحكام الدستور بعدم تمكين المتهم من الاستماع للشهود الذين يرى فى شهادتهم منجاة له من الإدانة، ولا يغير من هذا المبدأ قولاً بأن هذا الأمر يخضع لتقدير محكمة الموضوع، ذلك أن التعديلات المشار إليها جعلت التقدير فى هذا الشأن بلا معقب عليه من محكمة الطعن، فيتحصن تقدير محكمة الموضوع فى هذا الشأن من أى نقض، وهو ما يتنافى مع كل المبادئ المستقرة قضائيًّا ودستوريًّا فى شأن المحاكمة الجنائية المنصفة.
واختتم المجلس الخاص بيانه، بأن مجلس الدولة ينوه إلى أن استدعاء حقه فى الرد ما كان إلا وضعًا للأمور فى نصابها، وحتى لا تُتّخذ من جهود قسم التشريع وقراراته المستمدة من صحيح تفسير أحكام الدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية تكأة لدفع المسؤولية السياسية، أو إيهام الرأى العام بآراء تتجاهل المبادئ المستقرة فى شأن مبادئ العدالة والمحاكمة المنصفة.