شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في أعمال القمة العربية والإسلامية المشتركة بشأن العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، استمرارًا للجهود المصرية المكثفة المبذولة منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 لاحتواء التصعيد ودعم المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة في ظل الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال عليهم، وبالإضافة إلى الكلمة التي ألقاها الرئيس خلال أعمال القمة، فإنه قد أجرى مجموعة من اللقاءات المهمة على هامش القمة مع مجموعة مع قادة وعماء الدول العربية والإسلامية؛ لتنسيق المواقف والجهود بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة وسبل وقفه.
وأكد تقرير للمركز المصري للفكرة والدراسات، أن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، حملت خلال القمة مجموعة من الرسائل المباشرة والكاشفة بشكل كبير لطبيعة العدوان الإسرائيلي على القطاع والمؤكدة على ثوابت الموقف المصري من هذا العدوان، فضلًا عن بعضها الذي مثّل استشرافًا تحذيريًا لمستقبل العدوان إذا لم يجرِ احتواؤه، وقد تمثلت هذه الرسائل في التالي:
ورصد التقرير رسائل الرئيس السيسي خلال الفمة:
-وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، التي كشفت أمام العالم ازدواجية المعايير التي تتعامل بها القوى الدولية المؤثرة مع الأوضاع في غزة وأهلها الذين يتعرضون للقتل والحصار ويعانون من ممارسات لا-إنسانية؛ مما يستلزم وقفة جادة من المجتمع الدولي إذا أراد الحفاظ على الحد الأدنى من مصداقيته السياسية والأخلاقية، في ضوء سقوط ادعاءاته الإنسانية في هذا الامتحان الكاشف؛ فسياسات العقاب الجماعي لأهالي غزة، من قتل وحصار وتهجير قسري غير مقبولة ولا يمكن تبريرها بالدفاع عن النفس وينبغي وقفها على الفور.
-تحديد الأولويات حيث استكملت كلمة الرئيس السيسي خلال القمة ما سبق وأن رسمته كلمة الرئيس في قمة القاهرة للسلام من خارطة طريق لحل الصراع؛ وذلك بدءًا بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار في القطاع بلا قيد أو شرط، ووقف كافة الممارسات التي تستهدف التهجير القسري للفلسطينيين، واضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته لضمان أمن المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني. ذلك مرورًا بضمان النفاذ الآمن والسريع والمستدام للمساعدات الإنسانية وتحمل إسرائيل مسؤوليتها الدولية باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، وصولًا إلى التوصل إلى صيغة لتسوية الصراع بناء على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها “القدس الشرقية”، انتهاءً بإجراء تحقيق دولي في كل ما تم ارتكابه من انتهاكات ضد القانون الدولي.
-استشراف تحذيري: كانت الرؤية الاستشرافية المصرية فيما يتعلق بكل جوانب القضية الفلسطينية والتصعيد الإسرائيلي المتواصل في الضفة الغربية وقطاع غزة ثاقبة وصائبة إلى حد بعيد، عندما حذرت القاهرة من أن الممارسات الاستفزازية التي تقوم بها الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل في الضفة من حيث التوسع الاستيطاني وتدنيس المقدسات واقتحام المسجد الأقصى ستقود إلى تجدد أعمال العنف، وهو ما حدث بعملية طوفان الأقصى. وبالتالي يجدر النظر بأهمية بالغة إلى تحذير مصر على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية والإسلامية المشتركة من أن التخاذل عن وقف الحرب في غزة ينذر بتوسع المواجهات العسكرية في المنطقة، وأنه مهما كانت محاولات ضبط النفس، فإن طول أمد الاعتداءات، وقسوتها غير المسبوقة كفيلان بتغيير المعادلة وحساباتها بين ليلة وضحاها.
- لقاءات مهمة
على هامش القمة، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي مجموعة من اللقاءات مع قادة وزعماء الدول العربية والإسلامية، استكمالًا لجهود التنسيق والتشاور المكثفة التي تقوم بها مصر منذ السابع من أكتوبر الماضي مع كل القوى المؤثرة في المنطقة والعالم لخفض التصعيد والتوصل إلى وقف لإطلاق النار. فنجد أن هذه اللقاءات التي عقدها الرئيس مع كل من: العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، والرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد؛ حملت مجموعة من الدلالات والرسائل، وذلك على النحو التالي:
-دفع العمل العربي المشترك: يتبين من اللقاءات التي عقدها الرئيس السيسي الحرص على دفع العمل العربي المشترك واستغلال مكانة مصر على المستوى الإقليمي لإنضاج الرؤية العربية المشتركة للتعامل مع تطورات القضية الفلسطينية بالشكل الذي يراعي المصالح العربية في هذه المرحلة الدقيقة ويتناول جوانب القضية وليس فقط جولة التصعيد الحالية، بالنظر إلى أن ما يشهده قطاع غزة الآن ستكون له تداعيات كبيرة ليس على القضية الفلسطينية فحسب وإنما على المنطقة العربية والشرق الأوسط على اتساعه.
-التنسيق مع القوى المؤثرة كافة: يتضح من لقاءات الرئيس أن هناك حرصًا مصريًا على التواصل مع كافة الأطراف التي لها علاقة بالملف الفلسطيني وتمتلك أدوات تأثير فيه بغض النظر عن أي تباينات أو خلافات سياسية ثنائية سابقة؛ وذلك انطلاقًا من جسامة التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة برمتها في الوقت الراهن؛ إذ إن التعامل المصري مع القضية الفلسطينية يرتكز على التعاون مع كافة الدول وليس الانفراد بمحاولات الحل وذلك من منطلق العمل العربي والإقليمي يصب في مصلحة القضية الفلسطينية ويحد من وجود أو تأثير التجاذبات أو التدخلات الخارجية في هذا الملف.
-تنسيق الخطوة التالية: ربما تشير اللقاءات التي عقدها الرئيس اليوم مع القادة والزعماء المؤثرين في المنطقة إلى تحضير مصري للخطوة التالية فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سواء فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية و”كسر الحصار” المفروض على القطاع، أو ما يتعلق بالتنسيق مع القوى الدولية ذات الثقل والداعمة للحقوق الفلسطينية؛ لممارسة المزيد من الضغوط لوقف العدوان.
-التحضير لمشهد اليوم التالي: تعمل مصر في الوقت الحالي على الوصول إلى رؤية عربية وإقليمية متفق عليها لمشهد اليوم التالي بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة بما يقف ضد المحاولات الإسرائيلية والغربية لفصل قطاع غزة عن مجمل القضية الفلسطينية التاريخية؛ ومن ثم تريد القاهرة تثبيت نقاط ارتكاز سياسية وميدانية أساسية يمكن من خلالها تكوين مشهد إيجابي لغزة في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، بما يحفظ الوحدة العضوية للقضية الفلسطينية.
-شمولية الرؤية المصرية للقضايا العربية: برهنت لقاءات الرئيس السيسي على هامش القمة وخاصة مع رئيس المجلس السيادي السوداني والرئيس السوري بشار الأسد على شمولية الرؤية المصرية للقضايا العربية وأن انشغال مصر بالتطورات الجارية في قطاع غزة لا يعني التوقف عن ممارسة دورها البنّاء فيما يتعلق ببقية الملفات والقضايا العربية الملحة، وتأتي في مقدمتها الأزمة السودانية الذي تشهد تطورات متسارعة خلال الآونة الأخيرة على المستويات السياسية والميدانية.