لم يشهد التاريخ النيابي لمصر غموضاً حول اسم رئيس البرلمان المقبل، كما هو الحال الآن، فمنذ دستور 1971 كان بالإمكان، وببساطة شديدة التنبؤ برئيس "مجلس الشعب"، بمجرد إغلاق باب الترشح، فيكفي أن يكون اسماً مثل حافظ بدوى، القيادي بالاتحاد الاشتراكي، ومساعد رئيس الجمهورية، والمشارك بقوة في دعم المقاومة الشعبية، مرشحاً انتخابياً، حتى يتم التوقع بسهولة أن يكون رئيساً لمجلس الشعب (1971 – 1974)، ويكفي أيضاً أن يكون السيد مرعى، الرجل الذي تولى حقبة وزارة الزراعة منذ 1956، وتولى تطبيق خطة الإصلاح الزراعي لثورة يوليو، وصهر الرئيس السادات، مرشحاً برلمانياً ليدرك الجميع أيضاً بأنه بلا شك رئيس مجلس الشعب القادم، حتى بعد ثورة يناير، كان من السهل التنبؤ بأن رئيس البرلمان سيكون شخصاً من جماعة الإخوان، بل وكان معلوماً أيضاً أن الكتاتني هو الاسم الأقرب لتولى رئاسة البرلمان، حتى قبل إتمام انتخاباته.
لكن مجلس النواب المقبل يختلف الحال فيه عن أي برلمان سابق، فغالبية الوجوه القديمة ذات الثقل السياسي، غابت عن المشهد بشكل كامل، إما لكونها محسوبة على الحزب الوطني المنحل وأقصيت عن المشهد بعد ثورة يناير 2011، أو محسوبة على تيار الإسلام السياسي أقصيت بدورها بعد ثورة 30 يونيو، لدينا اليوم وجوه جديدة تخوض الانتخابات، وتقود القوائم، ولدينا أحزاب جديدة أكثر ربما من القديمة، فضلاً عن أن المشهد السياسي ينبئ بأن المستقلين سيكونون أصحاب العدد الأكبر من المقاعد.
إذن أيام قليلة تفصلنا عن انتخابات البرلمان، والوجوه العتيقة مغيبة، ولا قوى سياسية رئيسية يتوقع أن تحسم الأغلبية، وحتى قائمة "في حب مصر" التي يعتقد البعض بأنها ستكون صاحبة حظ وفير في المنافسة، قد ينتهي كيانها الموحد بمجرد انتهاء الانتخابات، ليتفرق مزيج أحزابها إلى تحالفات جديدة ربما، ومستقلون لا أحد على وجه الدقة إلى أي كفة سيميلون.
في ظل مشهد مرتبك كهذا، يلح سؤال صعب، من يا ترى تلك الشخصية التي تستطيع أن تنال أغلبية أصوات الـ596 نائباً، ليصبح صاحب المنصب المهم والخطير ألا وهو رئيس مجلس النواب.
اسم المستشار عدلى منصور كان الاسم الأكثر طرحاً لرئاسة البرلمان المقبل، سواء من عدد من السياسيين، أو الإعلاميين، ويبدو الاسم الأكثر اتساقاً مع الظرف التاريخي، فهو الرجل الذي قاد البلاد في لحظة صعبة بعد ثورة 30 يونيو، وتميزت فترة رئاسته المؤقتة للجمهورية برضا شعبي وسياسيى واسع عنه، بالإضافة لكونه الرجل صاحب الخبرة التشريعية الكبيرة، نظراً لمنصبه كرئيس للمحكمة الدستورية، فضلاً عن كونه واحداً من قضاتها منذ عام 1992.
عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبى الديمقراطى، ونائب رئيس المجلس القومى لحقوق الانسان، أوضح في تصريحات خاصة لـ "برلمانى" أنه يفضل أن يتولى عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية، ورئيس الجمهورية السابق، رئاسة البرلمان المقبل، مشيراً إلى أنه مؤهل لهذا الدور ولديه ثقافة تشريعية بحكم عمله في المحكمة الدستورية العليا، وشدد على ضرورة تحلى رئيس مجلس النواب بالقدرة على التوازن بين الاتجاهات المتواجدة داخل المجلس.
وأضاف شكر، أن رئيس مجلس النواب المقبل، يجب أن يكون له دور فى العمل العام بالمجتمع، بالإضافة إلى خبرة كبيرة في الحياة السياسية والثقافية والقانونية.
بخلاف اسم المستشار عدلى منصور، فقد طرح العديدين أيضاً اسم، عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين لكتابة دستور 2014، والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، كأحد الأسماء المطروحة لتولى المنصب، لكن عدداً من العوائق قد تكون موجودة أمامه، كما يرى يسرى العزباوى الباحث فى مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، الذي يرى أن كبر السن قد يكون عائقاً كبيراً أمام موسى، الذي يبلغ عمره 79 عاماً، كما أن موسى المحسوب حزبياً على "المؤتمر" قد يضعف من حظوظه، في المنافسة على المقعد، في برلمان سيسوده تشرذم حزبي متوقع.
الأزمة الحقيقية في اسمي منصور وموسى أنهما ليسا مرشحان لانتخابات البرلمان، وهي سابقة لم تحدث سوى مرة واحدة في تاريخ البرلمان المصرى منذ دستور 71، حين تم اختيار العضو المعين في مجلس الشعب 1984 وقتها الدكتور رفعت المحجوب، ليصبح رئيساً للمجلس.
هو ربما ما رآه بشير عبد الفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، حين توقع أن يتولى اللواء سامح سيف اليزل المقرر العام لقائمة "في حب مصر"، منصب رئيس مجلس النواب المقبل، معللا ذلك بالدور الكبير الذي لعبه اليزل في تكوين قائمة انتخابية، استطاعت جمع عدد كبير من الأحزاب والمستقلين، بل والفرقاء السياسيين أيضاً، وهي القائمة التي يتوقع عبد الفتاح أنها تمتلك فرصة أكبر من بقية القوائم الأخرى.
الاسم لن يبقى سراً طويلاً بطبيعة الحال، فايام تفصلنا عن أول جلسات البرلمان، والتي سيتم خلالها اختيار رئيساً لمجلس النواب، فهل يا ترى يكون واحداً من الأسماء المتداولة والمطروحة، أم سيكون اسماً جديداً خارج الصندوق .. هذا ما ستجيب عليه الأيام.