هل حقا قام مينا بتوحيد القطرين وانتصر أحمس على التتار، وما الدليل على أن المصريين هم من بنوا الأهرامات وأن فاروق كان فاسدا، وأن حضارة مصر هى أول حضارة فى التاريخ وعمرها أكثر من 7 آلاف عام؟
أليست هذه هى أهم المعلومات التاريخية التى حفظتها أجيال ورا أجيال وتعلمناها من كتب التاريخ التى يتم تدريسها بالمدارس؟
أسئلة قد تتبادر إلى أذهان الكثيرين وخاصة الشباب الذين يرون حجم التغيير فى مناهج وكتب التاريخ التى يتم تدريسها للطلاب منذ ثورة يناير وحتى الآن، فكيف لهم ولنا أن نثق فى صحة المعلومات التى نحفظها من كتب التاريخ المدرسية، وكيف نضمن نزاهة وأمانة وحياد من يكتبون لنا هذه المعلومات ويحشرونها فى رؤوسنا.
"مبارك صاحب الفضل فى نصر أكتوبر، والحرب كلها تقتصر على ضربته الجوية"، هكذا تعلم وحفظ من كانوا فى المرحلة الابتدائية قبل ثورة يناير، والآن وبعد وصولهم للمرحلة الثانوية لا يجدون اسم مبارك أصلا فى المناهج التى يدرسونها، والتى أخفت 30 عاما من حكم مصر وتجاهلت دور مبارك فى حرب أكتوبر، فكيف لهؤلاء الشباب أن يصدقوا باقى منهج التاريخ وهم شهود عيان على تزييفه وتغييره طبقا للأهواء.
وبصرف النظر عن المواقف والآراء الشخصية والثورية، فإن حذف اسم مبارك ودوره فى حرب أكتوبر من أحد فصول منهج الصف الثالث الثانوى، الذى تضمن كل رموز أكتوبر هو ظلم فادح وتزييف واضح، ومن حق مبارك أن يحزن ويغضب كما أكدت مصادر مقربة منه، ولكنها ليست المرة الأولى التى يتم فيها تغيير مناهج التاريخ طبقا للهوى والميول السياسية، أو طبقا للنفاق السياسى الذى يتبرع به مسئولو وضع المناهج بوزارة التربية والتعليم للنظام الحاكم فى كل عصر، ومبارك نفسه حذف اسم سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والمشير عبد الغنى الجمسى، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، أثناء حرب أكتوبر من كتب التاريخ وبانوراما اكتوبر.
والأثر الأخطر ليس غضب مبارك أو غيره ولكن فقدان شباب هذا الجيل الثقة فى كل المعلومات التى تتناولها كتب التاريخ.
حيث شهدت مناهج التاريخ بعد ثورة يناير الكثير من التعديلات والتغييرات التى كانت تتحدث عن إنجازات مبارك وحرمه وتمجد فيه وتضخم من دوره، حتى وإن كان على حساب غيره.
وفى عهد الإخوان ومع تولى محمد مرسى الحكم شهدت أيضا نفس المناهج تعديلات لصالح الجماعة، فأضيفت عبارات «الإخوان بناة الإنسانية.. الإخوان السبيل للتقدم» لكتاب اللغة العربية للصف الأول الابتدائى، وتم حذف فصل دراسى كامل، فى مايو 2013، من كتاب «الإرهاب المعاصر»، الذى يتم تدريسه لطلاب الفرقة الثانية بأكاديمية الشرطة، لأنه كان يصف جماعة الإخوان المسلمين بالتنظيم الإرهابى، وحدثت تعديلات فى كتب التاريخ لرفع صور القيادات النسائية التاريخية "غير المحجبات"، وبعد عزل مرسى وثورة 30 يونيو تم تعديل كتاب التاريخ للصف الثالث الثانوى، ليذكر فترة حكم الإخوان بالسلطوية والاستبداد والسعى لتحقيق مصالح الجماعة.
ومن أشهر التغييرات التى حدثت بمناهج التاريخ حذف اسم الدكتور محمد البرادعى من منهج الصف الخامس الابتدائى كأحد الحاصلين على جائزة نوبل.
وعلى مر التاريخ شهدت المناهج الدراسية فى مصر تغيرات تغفل أحداثا تاريخية وتتجاهل دور شخصيات هامة، وذلك طبقا لهوى النظام السياسى أو نفاق الحاشية التى تكتب التاريخ محاولة استرضاء الأنظمة والحكام حتى وإن لم يطلبوا.
فلسنوات طويلة تم تجاهل اسم الرئيس محمد نجيب كأول رئيس لمصر، وظل جمال عبد الناصر لعقود طويلة هو أول رئيس لجمهورية مصر العربية فى المناهج المدرسية، حتى تم تعديل المناهج فى عهد مبارك ليعود نجيب كأول رئيس للجمهورية.
وقبل ثورة يوليو 1952 كانت المناهج الدراسية تمجد أسرة محمد على، وبعدها تم تعديل المناهج لتصف فاروق وأسرته بالفساد وتضع عناوين بمنهج الصف الثالث الثانوى تحمل عبارة "فضائح ونزوات الملك فاروق" حتى تم تعديلها فى عام 2005 بناء على تعليمات وزير التعليم وقتها.
تبريرات حذف اسم مبارك من مناهج التاريخ بأن هناك حكما صادرا بإزالة اسمه من محطات المترو والشوارع هو تبرير غير مقبول وغير منطقى، فذاكرة الأمة ليست محطة مترو يركبها من يتولى الحكم وينزل منها من تركه، والأحداث التاريخية يجب سردها دون خلطها بالرأى والموقف السياسى مهما اختلفنا مع من يصنعونها.
كل الأحداث التى تم تغييرها أو حذفها من مناهج التاريخ تؤكد أننا أمام جرائم لا تغتفر فى حق الوطن يرتكبها من يكتبون التاريخ، فيغيرون الأحداث طبقا لمواقف وأراء سياسية ووفقا لما يظنونه على هوى النظام الحاكم فى كل عصر، دون إدراك بأنهم يمحون ذاكرة الوطن ويفقدون الشباب الثقة فى تاريخهم، وهى جريمة تستحق أشد العقاب، وإذا وافق أو صمت عليها أى نظام سيقع غدا ضحية لها.
لذلك يجب أن نضع حدا للعبث بتاريخنا بمحاكمة من يرتكبون هذه الجرائم لأنهم يسيئون للوطن وتاريخه وليس للأشخاص الذين يسعون لطمس أو تشويه دورهم فى التاريخ.