الجمعة، 22 نوفمبر 2024 12:48 م

تعرف على فتاوى الأزهر الشريف بشأن "الطلاق الشفوى" وتحت تأثير الخمور

تعرف على فتاوى الأزهر الشريف بشأن "الطلاق الشفوى" وتحت تأثير الخمور دار الإفتاء المصرية
الأربعاء، 25 يناير 2017 08:26 م
كتب محمد صبحى
يستعرض "برلمانى" فتاوى الأزهر الشريف فى أبرز حالات الطلاق الشفوى بعد حديث الرئيس السيسى عن تزايد وارتفاع معدلات الطلاق الشفوى فى مصر، وفقًا لما نقله له اللواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء خلال لقاءهم أول أمس.

السؤال: حكم الإفتاء فى الطلاق عن طريق الهاتف؟


امرأة طَلَّقها زوجها طلقة أولى عن طريق الهاتف، وهو مُسافِر عنها فى دولة أخرى؛ لمشاكل عائلِيَّة، هل يقع هذا الطلاق، وإذا وَقَع ما هى عدَّتُها، علمًا بأنه طَلَّقها يوم 1/8/2007، وقد مرَّ عليها حَيْضَتان وليس ثلاثة؛ لأنها شرِبَت دواءً لمنع الحَيْض فى شهر رمضان، واليوم هو 29/10/2007، ماذا تفعل؟

الإجابة:


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فالطَّلاق عَبْر الهاتف نافِذ كَسائِر الطُّرق التى يَنفَذ بها الطَّلاق، وما دام الزوج قد طلَّق امرأتَه عَبْر الهاتف؛ فهذا الطلاق ماضٍ ونافِذٌ.

فإن كانت هذه هى الطلقة الأولى؛ فتُحسَب طلقة واحدة، وله أن يُراجِع خلال فترة العدة بالقول أو بالفعل، وبدون مهر ولا وَلِى ولا عقد جديد.

والمراجعة بالقول: كأن يقول لك: راجَعْتُك، أو ارتَجَعتُك إلى نكاحى.

أو غير ها من الألفاظ التى تُفهَم منها المراجَعة.

وأما الرَّدُّ بالفعل: فقد ذهب الحنفية إلى أن الجماع ومُقدَّماتِه؛ كاللَّمس والتَّقبيل ونحوهما بشَهوة تَحصُل به الرَّجعَة.

وذهب المالِكيَّة إلى صِحَّة الرجعة بالفعل؛ كالوَطْء ومقدماته؛ كالتقبيل بشهوة بشرط أن ينوى الزوج بهذه الأفعال الرَّجعة. وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَة،

وذهب الشافعيَّة إلى عدم صحة الرجعَة بالفعل مُطْلقًا سواء كان بوطء أو مقدماته، وسواء كان الفعل مَصحوبًا بِنية الزوج للرَّجعَة أو لا. وذهب الحنابلة إلى أن الرَّجعَة تَحصُل بالوطء، ولو لم يَنوِ الرَّجعَة، ولكن لا تَحصُل بمقدماته فى الرواية المعتمدة فى المذهب.

فإذا راجَع الزوج زوجته قبل انقضاء العدة قولًا أو فعلًا أصبحت زَوجتَه، وتبقى له طلقتان، فليحذر.

أما إذا انقضت العِدَّة فلا بد للرَّجعَة من عَقْد ومَهر جديدين.

هذا، ومن المعلوم أن عِدَّة المُطَلَّقة التى يمكن أن تحيض ثلاثة قروء؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، والقروء جمع قِرْء، والمراد به الحيض على الرَّاجِح من قولى أهل العلم، قال ابن القيم: "إن لفظ القُرْء لم يستعمل فى كلام الشَّارِع إلا للحيض، ولم يَجِئ عنه فى موضع واحد استعمالُه للطُّهْر".

والحيضة التى تُطَلَّق فيها لا تُحسَب من عِدَّتها بغير خلاف بين أهل العلم، كما قال ابن قُدامة فى "المغني".

وعليه فلِزوجِك مُراجَعَتُك ما دامت لم تَمُر عليك إلا حَيْضتان؛ لأن المُعتَبَر هو نزول الحيضة، وحيث إنك أخذت دواءً يُؤخِّر الدورة فلا زِلتِ مُعتَدَّة؛ لأن العِبْرة فى حَقِّ من تَحيض بمجيء الحيض، وليس بعدد الأيام أو طول المدة بين الحَيْضتَين،، والله أعلم.
2 السؤال: هل يجوز لمن علّق طلاق زوجته فى أمر ما أن يعود عن ذلك؟ وهل يقع الطلاق المعلق حتى ولو بعد مدة من الزمن؟

الإجابة:
ذهب جمهور العلماء من الحنفية(1) والمالكية(2) والشافعية(3) والحنابلة(4) وغيرهم إلى أنه ليس لمن علق طلاق امرأته على شيء أن يرجع فى ذلك، بل إنه لازم له لا يمكنه إبطاله، لا فرق فى ذلك بين ما إذا كان قاصداً وقوع الطلاق عند الشرط وبين ما إذا كان قاصداً اليمين، وذلك بأن يكون كارهاً الشرط والجزاء. وعلة ما ذهبوا إليه أن لفظ الطلاق صدر معلقاً على وصف؛ فلا رجوع فيه ولا يمكن إلغاؤه كلفظ الطلاق غير المعلق. ولأن التعليق توقيت محض لوقوع الطلاق فى الحقيقة أخره إلى الوقت المعين لحاجة، بمنزلة تأجيل الدين، وبمنزلة من يؤخر الطلاق من وقت إلى وقت لغرض له فى التأخير(5)، فحقيقة الطلاق المعلق أنه إيقاع مؤقت(6).

وقال بعض الحنابلة: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله. وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط. قال ابن مفلح فى الفروع (5-103): "ولا يبطل التدبير برجوعه فيه، وإبطاله وبيعه ثم شراؤه كعتق معلق بصفة. وفيه رواية فى الانتصار والواضح: له فسخه كبيعه، ويتوجه فى طلاق". وقد نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله القول بأن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله فى الشرط المحض قال فى الفروع نقلاً عنه (5-356):" ووافق على شرط محض، كإن قدم زيد".

وعن شيخ الإسلام رحمه الله قول بالتفريق بين التعليق الذى يقصد به إيقاع الطلاق وبين التعليق الذى يقصد به اليمين، قال فى مجموع الفتاوى (33-129): "إن التعليق نوعان: نوع يقصد به وقوع الجزاء إذا وقع الشرط، فهذا تعليق لازم. فإذا علق النذر أو الطلاق أو العتاق على هذا الوجه لزمه. فإذا قال لامرأته: إذا تطهرت من الحيض فأنت طالق، أو إذا تبين حملك فأنت طالق وقع بها الطلاق عند الصفة، وكذلك إذا علقه بالهلال، وكذلك لو نهاها عن أمر وقال: إن فعلته فأنت طالق، وهو إذا فعلته يريد أن يطلقها، فإنه يقع به الطلاق ونحو هذا. بخلاف مثل أن ينهاها عن فاحشة أو خيانة أو ظلم فيقول: إن فعلتيه أنت طالق. فهو وإن كان يكره طلاقها؛ لكن إذا فعلت ذلك المنكر كان طلاقها أحب إليه من أن يقيم معها على هذا الوجه. فهذا يقع به الطلاق. فقد ثبت عن الصحابة أنهم أوقعوا الطلاق المعلق بالشرط إذا كان قصده وقوعه عند الشرط كما ألزموه بالنذر، بخلاف من كان قصده اليمين. والذى قصده اليمين هو مثل الذى يكره الشرط ويكره الجزاء وإن وقع الشرط مثل أن يقول: إن سافرت معكم فنسائى طوالق، وعبيدى أحرار، ومالى صدقة، وعلى عشر حجج، وأنا بريء من دين الإسلام، ونحو ذلك، فهذا مما يعرف قطعا أنه لا يريد أن تلزمه هذه الأمور وإن وجد الشرط، فهذا هو الحالف. فيجب الفرق فى جميع التعليقات ومن قصده وقوع الجزاء ومن قصده اليمين. فإذا طلق امرأته طلاقا منجزاً أو معلقاً بصفة يقصد إيقاع الطلاق عندها: وقع به الطلاق إذا كان حلالا وهو أن يطلقها طلقة واحدة فى طهر لم يصبها فيه أو حامل قد تبين حملها"(7).

والذى يظهر لى أن التفريق بين صيغ التعليق فى لزوم الطلاق قول وجيه له حظ من النظر، فإن كان المقصود بالتعليق اليمين فإن الطلاق غير لازم وله الرجوع وعليه كفارة يمين، أما إن كان التعليق يقصد به وقوع الطلاق إذا وقع الشرط، فهذا تعليق لازم لا يمكن إبطاله، والله أعلم.

3 - السؤال: ما حكم من طلق امرأته غصبًا؟

الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان المقْصود بكلمة "غصبًا"؛ أي: "مكرهًا"، كما هو الظَّاهر، فلا يقع الطَّلاق فى قوْلِ جُمهور أهْلِ العِلْم؛ لقولِه صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إنَّ الله تَجاوزَ لى عن أُمَّتِي: الخطأَ، والنِّسيان، وما استكْرِهوا عليْه" (أخرجه ابن ماجه).

قال ابن قدامة فى "المغني": "ومَن أُكْرِه على الطَّلاق، لم يلْزمه، لا تختلِف الرِّواية عن أحْمد، أنَّ طلاق المُكْره لا يقع، ورُوى ذلك عن عمر، وعلى، وابْنِ عُمر، وابن عباس، وابن الزُّبير، وجابر بن سمرة.

وبه قال عبدالله بن عبيد بن عمير، وعكرمة، والحسن، وجابر بن زيد، وشريح، وعطاء، وطاوس، وعمر بن عبدالعزيز، وابن عون، وأيُّوب السخْتِيانى، ومالك، والأوزاعى، والشَّافعى، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عُبَيْد.

وأجازه أبو قلابة، والشعبى، والنَّخعى، والزُّهرى، والثورى، وأبو حنيفة، وصاحباه؛ لأنَّه طلاقٌ من مكلَّف، فى محلٍّ يملكه، فينفذ، كطلاق غير المكره.

ولنا قولُ النَّبى صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إنَّ الله وضع عن أمَّتي: الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه" (رواه ابن ماجه).

وعن عائشة رضِى الله عنْها قالت: سمِعْتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "لا طلاقَ فى إغْلاق" (رواه أبو داود، والأثرم)، قال أبو عبيد، والقُتَيْبي: معناه: فى إكراه، وقال أبو بكر: سألتُ ابنَ دُرَيْد وأبا طاهرٍ النَّحويَّين، فقالا: يُريد الإكراه؛ لأنَّه إذا أُكْرِه، انغلق عليه رأْيُه، ولأنَّه قول مَن سمَّينا من الصَّحابة، ولا مخالفَ لهم فى عصْرِهم، فيكون إجماعًا؛ ولأنَّه قولٌ حُمِل عليه بغير حق، فلم يثبت له حكم، ككلِمة الكفر إذا أُكْرِه عليها". اهـ.

وقال أبو محمَّد بن حزْمٍ فى "المحلَّى": "وطلاق المُكْره غيرُ لازمٍ له ... عن عُمر بن الخطَّاب قال: "ليس الرَّجُل بأمينٍ على نفسه، إذا أخفْتَه، أو ضربتَه، أو أوثقْتَه"، وعن عبدالملك بن قدامة الجمحى، حدَّثنى أبي: أنَّ رجُلاً تدلَّى بحبلٍ ليشْتار عسلاً، فأتتِ امرأتُه، فقالت له: "لأقطعنَّ الحبْلَ، أو لتطلِّقني"، فناشدها الله تعالى فأبت، فطلَّقها، فلما ظهر، أتى عُمر بن الخطَّاب، فذكر ذلك له، فقال له عمر: "ارجع إلى امرأتِك؛ فإنَّ هذا ليس بطلاق".

وعن الحسن: أنَّ على بنَ أبى طالب كان لا يُجِيز طلاق المُكْره، وعن ثابتٍ الأعرج، قال: سألتُ ابن عمر، وابنَ الزبير، عن طلاق المُكْرَه، فقالا جميعًا: "ليس بشيء"، وعن ابن عبَّاس قال: "ليس لمُكْرَه ولا لمضطرٍّ طلاق"، وصحَّ عن الحسن البصْريِّ: "طلاقُ المُكْرَه لا يجوز"، وهو أحدُ قوْلَى عمر بن عبدالعزيز، وصحَّ أيضًا عن عطاء، وطاوس، وأبى الشَّعْثاء جابر بن زيد، وعن الحجَّاج بن المنهال، نا أبو عوانة، عن المغيرة، عنِ إبراهيم قال: "الطَّلاق ما عُنِى به الطَّلاق".

وقال: "إنَّما الطَّلاق ما نطق به المطلِّق، مختارًا بلسانه، قاصدًا بقلبِه؛ كما أمر الله تعالى، والبُرهان على بطلان طلاقِ المكره: فمن ذلك قولُ رسول الله صلَّى الله عليْه وآلِه وسلَّم: "إنَّما الأعمال بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"، فصحَّ أنَّ كلَّ عمل بلا نيَّة فهو باطل، لا يعتدُّ به، وطلاق المُكْرَه عمل بلا نيَّة، فهو باطل، وإنَّما هو حاكٍ لما أُمِرَ أن يقوله فقط، ولا طلاقَ على حاكٍ كلامًا لم يعتَقِدْه". اهـ. مختصرًا.

وليُعلم أنَّ الإكْراه المعْتَبَر عند جمهور العُلَماء هو: التَّهديد بإتْلاف النَّفْس أو العضو، أو ما شابهَ مما يشقُّ على النَّفس تحمُّله، أمَّا مجرد التَّهديد من غير قادرٍ، أو الشَّتم والتَّشهير - فليس بِمعتبر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية فى "الفتاوى الكبرى": "ولا يقع طلاق المُكْره، والإكْراه يحصُل إمَّا بالتَّهديد، أو بأن يغلِب على ظنِّه أنه يضرُّه فى نفسه أو مالِه بلا تهديد". اهـ.

وقال ابن القيم فى "الزاد": "ومن أُكْرِه عليه بإيلامٍ له أو لولده، أو أخْذ مال يضرُّه، أو هدَّده بأحدها قادرٌ عليه، يظنُّ إيقاعه به، فطلَّق تبعًا لقوله - لم يقع". اهـ.

أمَّا إن كان المقصود بكلِمة "غصبًا"؛ أي: "حال غضبِه"، فقد سبق تفصيلُ ذلك فى الفتويَيْن: "حكم طلاق الغضبان"، "حكم وقوع الطلاق لمن كان فزعًا من نومه.

4 - السؤال: الطلاق القائم على الظن الخاطئ؟
رجلٌ طلَّق امرأته ظنًّا منه أنها فعلتْ شيئًا ما، وكان هذا الطلاقُ قائمًا على هذا الظن الخاطئ الذى كان يقينًا ساعة وقوع الطلاق، ثم تبين له بعد ذلك أنه ظلَمها، وتسرع فى الحكم عليها، وأنَّ الأمر الذى كان يظنُّ لم يحدثْ على الإطلاق، فهل فى هذه الحالة يقع الطلاق أو لا؟ وما الدليل؟

الإجابة:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن كان هذا الزوجُ قد طلَّق زوجته بلفظٍ صريحٍ فقد وقع الطلاقُ، سواءٌ قَصَدَ الطلاقَ أو لم يقصده، المهم أنه قصد إيقاع اللفظ الصريح مختارًا له، فلم يُخطِئْ فى إيقاع اللفظ الصريح، ولا كان مكرهًا، ولا ذاهلَ العقل، وسواءٌ ظنَّ أنها وقعت فى الحرام أو غير ذلك؛ لأنَّ الطلاق الصريح لا يُشتَرط له النية، وإنما المعتَبَرُ هو تلفُّظُ العاقلِ غيرِ المكره بكلمة الطلاق؛ نَوَى ذلك أو لم ينوِهِ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ؛ النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ"[1]، ولكن لا يقع الطلاق إذا كان الزوج لم يقصد اللفظ أصلًا، وإنما جَرَى على اللسان بغير اختيار.

قال ابن قدامة -رحمه الله- فى "المغني"(7/249): "صريحُ الطلاق لا يحتاجُ إلى نيَّة، بل يَقَعُ من غير قصد، ولا خلاف فى ذلك...، وسواءٌ قَصَدَ المزْحَ أو الجِدَّ، لقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ؛ النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ"؛ (رواه أبو داود، والترمذى، وقال حديث حسن)، قال ابن المنذر: أجمع كل مَن أحفظُ عنه من أهل العلم، على أن جِدَّ الطلاقِ وهزلَه سواءٌ". انتهى.

قال ابن نُجَيْم -الحنفي- فى "الأشباه والنظائر": "فلو طلق غافلًا، أو ساهيًا، أو مخطئًا وَقَعَ، حتى قالوا: إن الطلاق يَقَعُ بالألفاظ المصحَّفة قضاءً، ولكن لا بد أن يقصدَها باللفظ، قالوا: لو كَرَّرَ مسائلَ الطلاقِ بحضرتِها، ويقولُ -فى كل مرة-: أنتِ طالقٌ، لم يَقَع الطلاقُ بحضرتِها، ولو كَتَبَت: امرأتى طالقٌ، أو أنتِ طالقٌ، وقالت له: اقرأ على، فقرأ عليها: لم يَقَعْ لعَدَمِ قصدِه باللَّفظِ.

ولا ينافيه قولُهم: إن الصريح لا يَحتاجُ إلى النية، وقالوا: لو قال: أنتِ طالقٌ ناويًا الطلاقَ من وثاق، لم يَقَعْ ديانةً، وَوَقَع قضاءً، وفى عبارة بعض الكتب: أن طلاق المخطئِ واقعٌ قضاءً، لا ديانةً، فظهر بهذا أن الصريح لا يحتاج إليها قضاءً، ويحتاج إليها ديانةً، ولا يَرِدُ عليه قولُهم: إنه لو طلقها هازلًا، يَقَعُ عليه قضاءً وديانةً؛ لأن الشارع -صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ هزْلَه به جِدًّا".

قال الزركشى فى "المنثور فى القواعد" (2 /310): "الصريحُ لا يَحتاجُ إلى نيةٍ، وقد استشكل هذا بقولهم: يُشتَرط قصدُ حروفِ الطلاقِ لِمَعْنَى الطلاق؛ وعلى هذا فلا فرقَ بين الصريحِ والكناية، وقد تكلموا فى وجه الجمع بكلامٍ كثيرٍ، وأقربُ ما يقال فيه: إن معنى قولهم: الصريح؛ لا يحتاج إلى نية؛ أيْ: نيةِ الإيقاع؛ لأن اللفظ موضوعٌ له فاستغْنِىَ عن النية.

أما قصد اللفظ فيُشتَرطُ لتَخْرُجَ مسألةُ سبقِ اللسان، ومن هَا هُنا يَفْتَرِق الصريحُ والكناية، فالصريحُ يُشتَرطُ فيه أمرٌ واحدٌ؛ وهو قصدُ اللَّفظ، والكنايةُ يُشتَرطُ فيها أمرانِ: قصدُ اللفظ، ونيةُ الإيقاع، وينبغى أن يقال: أن يقصد حروف الطلاق للمعنى الموضوعِ له؛ لِيَخْرُجَ: أنتِ طالقٌ من وِثاق".

قال الإمام السيوطى فى "الأشباه والنظائر" (1/293): "قاعدَةٌ: الصرِيحُ لا يَحتَاجُ إلى نِيَّةٍ، وَالْكِنايةُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بنِيَّةٍ؛ أَمَّا الأَول: فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ ما فِى الرَّوضَةِ وَأَصْلِهَا: أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْمُكرَهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهما: لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ اللَّفظَ ساقِطٌ بِالإِكراهِ، وَالنِّيةُ لَا تَعْملُ وَحْدَها، وَالْأَصَح: يَقَعُ؛ لِقَصْدِهِ بِلَفظِهِ؛ وعلى هذا فَصَرِيحُ لَفْظ الطَّلَاقِ -عِنْد الإِكراهِ- كِنَايَةٌ؛ إنْ نَوَى وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَاستثْنَى مِنْهُ ابْنُ الْقَاصِّ صُورَةً، وَهِيَ: مَا إذَا قِيلَ لَهُ: طَلَقَتْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ: يَلْزَمهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا، وَقِيلَ: يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ".

والحاصلُ: أنه لا يمكنُ نفى الطلاقِ الصَّريحِ بعدَ التلفُّظ به إلَّا أن يكونَ الشَّخصُ مُكرهًا عليه، مغلقَ العقلِ بسُكْر، أو غضبٍ شديدٍ، أو ذُهُولٍ عن اللفظ، أو عدمِ قصدٍ للفظِ أصلًا؛ كما سَبَقَ بيانُ معنى ذلك فى النُّقول، وليس فيما استثناه العلماءُ المسألة التى ذكرتَها.

5- الطلاق غيابيًّا والطلاق الرجعى
نفيد بأن الطلاق الرجعى هو الذى يملك الزوج بعده أن يعيد المطلقة إلى الزوجية بالقول أو بالفعل من غير عقد جديد ما دامت فى العدة، فهو لا يغير شيئًا من أحكام الزوجية، فلا يزيل الملك ولا يرفع الحل، وليس له من أثر إلا نقص عدد الطلقات التى يملكها الزوج على زوجته، والطلاق الذى يوقعه الزوج يكون كله رجعيًّا إلا فى حالات ثلاث: الطلاق قبل الدخول حقيقة، والطلاق فى مقابلة مال، والطلاق المكمل للثلاث، فكل طلاق من الزوج يقع رجعيًّا إلا فى هذه الثلاث، فإذا ما طلق الزوج زوجته طلاقًا رجعيًّا فله أن يعيدها إلى عصمته ما دامت فى العدة من هذا الطلاق، ولا يشترط لصحة الرجعة رضا الزوجة ولا علمها ولا حضور شهود لها، وإنما ينبغى له أن يشهد عليها خشية أن تنكرها الزوجة بعد انقضاء عدتها فيعجز عن إثباتها، كما ينبغى له أن يعلمها بها حتى لا تتزوج بغيره بعد انقضاء مدة العدة ظنًّا منها أنها بانت بانقضائها، وكما تكون الرجعة بأى قول يصدر منه يدل على معناها مثل: راجعتك أو راجعت زوجتى، تكون بالفعل وهو الوقاع ودواعيه التى توجب حرمة المصاهرة سواء كانت منه أو منها، وإذا انقضت عدة المطلقة رجعيًّا بانت ولا تصح مراجعتها، بل لا بد لإعادة زوجته من عقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها، وأقل مدة تصدق فيها الزوجة أن عدتها قد انقضت ستون يومًا من تاريخ الطلاق، ومما تقدم يعلم حكم الطلاق الرجعى، وأنه متى صدر من المطلق فلا يجوز له شرعًا الرجوع فيه، ويحتسب من عدد الطلقات الثلاث التى يملكها الزوج على زوجته، وإنما يجوز له فقط مراجعة زوجته ما دامت فى عدته من هذا الطلاق، ويستوى فى كل ذلك ما إذا كان الطلاق محررًا أو غير محرر.

6 – الطلاق فى مرض الموت
من الضوابط المقررة فى تحديد مرض الموت أن يكون مرض الموت مما يغلب فيه الهلاك، ويشعر معه المريض بدنو أجله، وأن ينتهى بوفاته، فإذا استطال المرض لأكثر من سنة فلا يعتبر مرض موت مهما تكن خطورة هذا المرض واحتمال عدم برء صاحبه منه.

وتكون تصرفات المريض فى هذه الفترة صحيحة، ولا تعتبر من حالات مرض الموت إلا فى فترة تزايدها واشتداد وطأتها، إذ العبرة بفترة الشدة التى تعقبها الوفاة. وقيام مرض الموت أو عدم قيامه هو من مسائل الواقع التى تستقل بتقديره محكمة الموضوع.

وليس معنى مرض الموت أن يلازم المريض الفراش، فكثيرًا ما يكون الداء دفينًا ويموت الإنسان به فجأة، وكثيرًا ما يبرح الإنسان فراشه ويسير فى الطرقات والمرض ينخر فى جسمه.

ولا يشترط فى مرض الموت لزوم صاحبه الفراش على وجه الاستمرار والاستقرار، بل يكفى أن يلازمه وقت اشتداد العلة به، كما لا يشترط فيه أن يؤثر على سلامة إدراك المريض أو ينقص من أهليته للتصرف، وهذا ما جرى به قضاء محكمة النقض المصرية (طعن 1002/ 49ق ج – 8/ 2/ 1984م).

ومن شروط ميراث الزوجة: قيام الزوجية عند الوفاة، وقيامها بأن تكون الوفاة وهما زوجان أو تكون فى عدة من طلاق رجعى، فإذا توفى الزوج وهى مطلقة طلاقًا رجعيًّا ولم تكن العدة قد انتهت ورثت منه، وكذلك إذا توفى وهى فى العدة؛ وذلك لأن الطلاق الرجعى لا يزيل ملك النكاح فلا يمنع التوارث، أما إذا كان الطلاق بائنًا فإنه لا توارث ولو كانت الوفاة فى حال العدة، إلا إذا كان مَن تولى سبب الفُرقة قد اعتُبر فارًّا من الميراث.

ويُعتبر فارًّا إذا كانت الفُرقة من قِبَل من مات وهو مريض مرض الموت بغير رضا الطرف الآخر، وعلى ذلك: إذا طلق المريض مرض الموت امرأتَه، وكان طائعًا مختارًا فى طلاقها، وكان الطلاق بغير رضاها، وكانت مستحقة للميراث من وقت الطلاق إلى وقت خروجها من العدة، فإنه يعتبر فارًّا من الميراث بهذا الطلاق البائن فى مرض الموت، أما إذا كان الطلاق بطلبها، أو كان الطلاق على مال، فإنه لا يعتبر فارًّا؛ لأن طلبها أزال مظنة الفرار.

وعلى ذلك: فإذا ثبت أن هذا المرض هو مرض الموت بشروطه، فإن تصرفات هذا الزوج المطلِّق غير صحيحة، ومن ثَمَّ فإذا كان الزوج المذكور قد طلق زوجته فرارًا من الميراث وتوفى وهى فى عدتها الشرعية -إذا كانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاث حيضات، وإذا كانت آيسة فعدتها ثلاثة أشهر- استحقت ميراثًا فى تركته، فيكون لها ثُمن تركته فرضًا إن كان له أولاد، ويكون لها ربع تركته فرضًا إن لم يكن له أولاد، أما إذا لم يكن فارًّا من الميراث فلا تستحق زوجته شيئًا من الميراث.
والمرجع فى ذلك كله إلى القضاء؛ حيث إن القاضى مُخَوَّلٌ من قِبَل الشرع فى الوصول إلى حقيقة ما فى الواقع ونفس الأمر باستشهاد الشهود واستقراء القرائن، وله السلطة التامة فى تحصيل فهم وقائع الدعوى، وعليه أن يأخذ بما لاح له دليل صدقه، أو ظهرت له أمارات الحق فيه.

وهذا هو المعمول به قضاءً؛ حيث ذهبت محكمة النقض إلى ذلك بقولها: "وحيث إن محكمة الموضوع لها السلطة التامة فى تحصيل فهم الواقع فى الدعوى والأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تطمئن إليه منها، غير ملزمة فى ذلك بإبداء أسباب عدم اطمئنانها، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون تحصيلها متفقًا مع الثابت بالأوراق، وألا تخرج بأقوال الشهود عما يفيد مدلولها". (نقض 25/ 1/ 1983م، طعن 2360 س 51ق).

7 - الطلاق البدعى وطلاق الغضبان
بِاسم رئيس وأعضاء المجلس الإسلامى للإفتاء فى الداخل الفلسطينى نرفع أسمى معانى الشكر والتقدير لهيئة وإدارة وعلماء مجمعكم الكريم ونسأل الله تعالى لكم الثبات والسداد والرشاد.

وإننا -وإذ نبارك هذه الجهود الطيبة المباركة- نتوجه إليكم بطرح هذه المسألة التى عمَّت بها البلوى وشاعت فى حياتنا الاجتماعية على مختلف الأقطار والأمصار؛ وهى مسألة طلاق الغضبان والطلاق البدعي؛ حيث إنه وكما هو معلوم لديكم ونظرًا لانتشار ظاهرة التلاعب بألفاظ الطلاق على ألسنة الأزواج بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، ومعظم هؤلاء الذين يتلفظون بالطلاق لا يقفون عند حدوده وآثاره، ثمَّ يبحث بعد ذلك يلتمس الفتوى ويطرق أبواب المفتين، ولعل الذى يتوسل أمام باب المفتى عادةً هى الزوجة التى وقع عليها الطلاق.

ويقف المفتى حائرًا بين أمرين:

إمَّا أن يفتى بوقوع طلاق الغضبان ما دام أن الزوج يدرك ويعى ما يقول، وإما أن يقلد قول بعض أهل العلم ممن لا يوقعون طلاق الغضبان فى حالة الغضب الشديد ولو كان يدرك ما يقول، أو أن يقلد قول من يقول بعدم وقوع الطلاق البدعي؛ وذلك من باب لمِّ شمل الأسرة، ونظرًا لانتشار هذه الظاهرة المقيتة. وتستدعى الحاجة والضرورة تقليد هؤلاء الأئمة فى الانتهاء لا فى الابتداء؛ أى عندما تتوقف الحياة الزوجية على تقليدهم وذلك فى الطلقة الثالثة، وإلا لترتب على القول بوقوع الطلاق -عملًا بقول المذاهب الأربعة- أن تعيش آلاف البيوت بلا مبالغة فى الحرام فى بلادنا.

الأمر الذى دفع المجلس الإسلامى للإفتاء أن يبحث عن رخصة فقهية ولو مرجوحة للحفاظ على الأسرة، وإلا لتمزقت الأسر بسبب تهور الأزواج والعبث غير المسؤول.

ولمَّا كانت هذه المسألة من الحساسية بمكان، ولا يتصور أن تُبحث على نطاق مجلسنا الضيق، كما أنه لا يمكن بسبب ظروف بلادنا السياسية إجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية الذى ينص تقليدًا للمذهب الحنفى على وقوع الطلاق البدعى والطلاق فى حالة الغضب، بل إن القضاة عندما يتوصل الطرفان إلى اتفاق على استمرارية الحياة الزوجية وإغلاق ملف الطلاق يوجهونه علينا كمجلس إفتاء لاستصدار فتوى بإمكانية الاستمرار. وإننا فى المجلس الإسلامى للإفتاء نقف حائرين ومضطربين أمام هذه المسائل لأن المنهجية عندنا عدم الخروج عن المذاهب الأربعة إلا بموجب قرار صادر عن مجمع فقهى، ولذا قررنا أن نتوجه لمجمعكم الكريم بتعميم هذه المسألة على أعضاء المجمع كى نخرج برأى جماعى تطمئن النفس باتباعه وتطبيقه بخصوص هذه المسألة، ونؤكِّد سلفًا أن المجلس لن يعمم هذه الفتوى، بل ولن يفتى بها ابتداءً، وإنِّما ستكون من قبيل الإفتاء الخاص المعيَّن، وذلك فى حالة توقف الحياة الزوجية على قول من يقول بعدم وقوع الطلاق البدعى والغضب الشديد فى الطلقة الثالثة وليس فى المرتين الأوليين.

8 - طلاق السكران
اختلف أهل العلم فى طلاق السكران إذا كان سكره بتناول ما يحرم عليه من الخمر بأنواعها هل يقع أم لا ؟ على قولين:
القول الأول: أن طلاقه يقع، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك، وأحد القولين للشافعى وأحمد رحمهم الله .

قالوا: لأن عقله زال بسبب معصية، فيقع طلاقه عقوبة عليه وزجرا له عن ارتكاب المعصية.
ينظر: "المغني" لابن قدامة (7/289). واستدلوا .

القول الثانى: لا يقع طلاقه، وهو مذهب الظاهرية والقول الثانى للشافعى وأحمد، واستقر عليه قول الإمام أحمد، واستدلوا بأدلة، منها:

1 - قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) النساء/43، فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر، لأنه لا يعلم ما يقول.

2 - وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يقر بالزنا، فقال: (أشرب خمرا ؟) فقام رجل وشم فمه فلم يجد منه ريح خمر . رواه مسلم (1695) . وهذا يل على أنه لو كان شرب خمرا، فلا يقبل إقراره، فكذلك لا يقع طلاقه .

3- ولأنه قول عثمان بن عفان وابن عباس رضى الله عنهم، وليس لهما مخالف من الصحابة.

قال الإمام البخارى رحمه الله:
وَقَالَ عُثْمَانُ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ .

قال ابن المنذر رحمه الله: هذا ثابت عن عثمان، ولا نعلم أحدا من الصحابة خلافه .
4 - ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره .

5 - ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم .

6 - ولأن العقل شرط التكليف ولا يتوجه التكليف إلى من لا يفهمه .

وينظر: "مجلة البحوث الإسلامية" (32/252)، "الموسوعة الفقهية" (29/18)، "الإنصاف" (8/433) .
والقول الثانى قد رجحه جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وأفتى به الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يقع طلاق السكران ؟ وإن كان يقع فهل يحاسب على تصرفاته المتعدية الأخرى كالزنا والقتل والسرقة ؟ فإن كان كذلك فما الفرق بين الحالتين ؟.

فأجاب: " اختلف العلماء فى وقوع طلاق السكران، فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع طلاقه كما يؤخذ بأفعاله، ولا تكون معصيته عذراً له فى إسقاط الطلاق، كما أنها لا تكون عذراً له من مؤاخذته بأفعاله من قتل أو سرقة أو زنا، أو غير ذلك .

وذهب بعض أهل العلم إلى أن طلاق السكران لا يقع، وهذا هو المحفوظ عن الخليفة الراشد عثمان رضى الله عنه ؛ لأنه لا عقل له فلا يؤاخذ بأقواله التى تضر غيره، والطلاق يضره ويضر غيره فلا يؤاخذ به ؛ لأن عقوبة السكران الجلد وليس من عقوبته إيقاع طلاقه، وهكذا عتقه، وسائر تصرفاته الأخرى كالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك فكلها باطلة .

أما أعماله وأفعاله: فإنه يؤخذ بها، ولا يكون سكره عذراً له لا فى الزنا، ولا فى السرقة، ولا فى القتل، ولا فى غير هذا ؛ لأن الفعل يؤخذ به الإنسان عاقلاً أو غير عاقل، ولأن السكر قد يتخذ وسيلة إلى ما محرم الله من الأفعال المنكرة، وقد يحتج به، فتضيع أحكام هذه المعاصى، ولهذا أجمع أهل العلم على أخذه بأفعاله .

أما القول: فالصحيح أنه لا يؤخذ به، فإذا عُلم أنه طلق فى السكر عند زوال العقل، فإن الطلاق لا يقع، وهكذا لو أعتق عبيده فى حال السكر، أو تصرف بأمواله فى حال السكر، فإنه لا يؤخذ بذلك، وكذلك إذا باع أو اشترى، وكذلك جميع التصرفات التى تتعلق بالعقل لا تقع ولا تثبت ؛ لأن ذلك من تصرفاته القولية كما بينا، وهذا هو المعتمد وهو الذى نفتى به، وهو أن طلاقه غير واقع متى ثبت سكره حين الطلاق، وأنه لا عقل له .

وأما إذا كان غير آثم بأن سُقى شراباً لا يعلم أنه مسكر، أو أجبر عليه، وأسقى الشرب عمداً بالجبر والإكراه، فإنه غير آثم، ولا يقع طلاقه فى هذه الحال عند الجميع ؛ لأن سكره ليس عن قصد، فلا يؤخذ به، بل هو مظلوم، أو مغرور " انتهى من "فتاوى الطلاق" ص (29).

وانظر: "الشرح الممتع" (10/433) ط المكتبة التوفيقية .

وبناء على ذلك، فلا يقع الطلاق على زوجة المذكور.




print