أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً استعرض من خلاله الآفاق العالمية لسوق العقارات، وتأثير معدلات سعر الفائدة على السوق العقارية، وتداعيات خفض الفيدرالى الأمريكى للفائدة على هذه السوق، والفرص المتوقعة لسوق العقارات فى مصر، مشيراً إلى أنه فى ظل التقلبات الاقتصادية التى تطغى على المشهد العالمى فى عام 2024، تواجه السوق العقارية العالمية منعطفًا حاسمًا يتميز بتحديات معقدة وفرصاً استثنائية، فالقطاع الذى لطالما شكَّل ركيزة للاستثمار والاستقرار، أصبح الآن عُرضة للتأثر بتقلبات الاقتصاد الكلى، وارتفاع أسعار الفائدة، والاختلالات فى العرض والطلب، وبالتالى يكون من الضرورى إجراء تحليل لتلك العوامل لفهم التأثيرات المحتملة على مستقبل الأسواق العقارية، خصوصًا فى ظل التوقعات المتعلقة بانخفاض أسعار الفائدة فى المستقبل القريب، والذى من المتوقع أن يعيد الزخم إلى أسواق العقارات فى المراكز المالية الكبرى مثل: نيويورك، ولندن، وطوكيو؛ مما يعزز جاذبيتها للمستثمرين العالميين.
أوضح التحليل أن القطاع العقارى ظل وجهة مفضلة للاستثمارات الدولية؛ حيث يعتبر الاستثمار فى هذا القطاع أحد أكثر الاستثمارات استقرارًا وأمانًا فى ظل تقلبات الأسواق المالية؛ إذ تجذب العقارات السكنية والتجارية استثمارات ضخمة من صناديق الاستثمار العالمية، لكن تلك الاستثمارات تواجه تحديات تنظيمية وضريبية تختلف من دولة إلى أخرى، كما أن قدرة الأسواق العقارية على تقديم بيئة تنظيمية مستقرة وجاذبة تؤدى دورًا حاسمًا فى استمرار تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وتجدر الإشارة إلى أن السوق العقارية العالمية لا تتأثر فقط بالعوامل التقليدية مثل العرض والطلب، بل هناك مجموعة متداخلة من العوامل التى تعزز أو تحد من نمو هذا القطاع كتفضيلات العملاء، والاتجاهات السوقية، والعوامل الاقتصادية الكلية الأساسية.
وأشار التحليل إلى أن العوامل الاقتصادية الكلية الأساسية لها تأثيرًا كبيرًا على سوق العقارات فى جميع أنحاء العالم؛ حيث يمكن لعوامل مثل النمو الاقتصادى وأسعار الفائدة والتضخم ومستويات التوظيف، أن تؤثر على ديناميكيات الطلب والعرض فى السوق العقارية، فمثلًا: خلال فترات النمو الاقتصادى، عادةً ما يكون هناك زيادة فى الطلب على العقارات؛ حيث يتمتع المواطنين بدخل أكبر وثقة عليا فى السوق، وبالمثل، يمكن أن تجعل أسعار الفائدة المنخفضة الاقتراض فى متناول الجميع؛ مما يؤدى إلى زيادة الطلب على العقارات.
هذا، وقد شهدت الأسواق العقارية العالمية فى العديد من المدن الكبرى قيام بنوكها المركزية برفع أسعار الفائدة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، الأمر الذى أدى إلى طفرة غير مسبوقة فى أسعار العقارات؛ مما أدى إلى حدوث تصحيحات حادة فى الأسعار بعد تلك الطفرة، ففى مدن مثل: فرانكفورت وميونيخ وباريس وهونغ كونغ، انخفضت الأسعار بنسبة تجاوزت 20% مقارنةً بمستوياتها بعد الجائحة.
من ناحيةً أخرى، ازدادت المخاطر فى السوق العقارية بالولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً فى ميامى التى تصدرت Global Real Estate Bubble Index لعام 2024، ويُعزى ذلك إلى ارتفاع أسعار العقارات فى السنوات الأخيرة، كما شهدت دبى ارتفاعات قوية فى الأسعار؛ حيث ارتفعت أسعار العقارات فى دبى بنحو 17% خلال (الربع الثانى 2023/2024 - الربع الأول 2024/2025)، وتعكس هذه الزيادات الطلب القوى على العقارات مدفوعًا بالدخول المرتفعة وجاذبية السوق للمستثمرين الأجانب، ومع ذلك، تبقى هذه الأسواق عرضة للتقلبات إذا ما حدثت تغيرات فى الظروف الاقتصادية العالمية أو فى السياسات النقدية المحلية.
أضاف التحليل أن قيمة السوق العقارية السكنية والتجارية الإجمالية بلغت حوالى 460.76 تريليون دولار أمريكى (حاصل جمع العقارات السكنية والعقارات التجارية) فى عام 2017، كما بلغ نحو 608.4 تريليون دولار (حاصل جمع العقارات السكنية والعقارات التجارية) فى عام 2023، فيما يتوقع أن تصل العقارات السكنية إلى 601.2 تريليون دولار بحلول 2029، وأن تشهد العقارات التجارية نموًا محدودًا؛ لترتفع من 99.96 تريليون دولار فى 2017 إلى 126.6 تريليون دولار بحلول 2029، وهذا يشير إلى تفوق السوق السكنية فى النمو على السوق التجارية، مدفوعًا بزيادة الطلب العالمى على الإسكان، بينما يظل الطلب على العقارات التجارية أكثر استقرارًا.
وأشار التحليل إلى أن آلية أسعار الفائدة تعتبر من الأدوات المؤثرة بشكل مباشر على سوق العقارات فى أى دولة، فرفع أسعار الفائدة يزيد من تكلفة الاقتراض، ما يدفع بالتبعية إلى زيادة التكاليف على المقترض مشترى العقار، من ناحيةً أخرى، إذا اتخذ البنك المركزى فى أى دولة قراره بخفض أسعار الفائدة؛ تكون له تداعيات إيجابية على السوق العقارية من حيث خفض تكلفة الاقتراض على المشترين وكذلك تقليل تكلفة الرهن العقاري؛ مما يسمح لهم بتأمين قروض عقارية بسعر منخفض، ومن ثم زيادة عمليات الشراء ودخول سوق العقارات فى حالة رواج، والعكس صحيح.
وأوضح التحليل إلى أن بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى قد قرر تخفيض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية فى اجتماعه الذى عُقد سبتمبر المنصرم، وأوضح المحللون أن أسعار الرهن العقارى فى الولايات المتحدة الأمريكية قد لا تتأثر بشكل سريع بذلك الانخفاض؛ حيث ارتفعت أسعاره بشكل غير مسبوق بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية على العالم، وبلغت تكلفة الرهن العقارى 8% العام الماضى 2023، مقارنةً بنحو 3% خلال عامى 2020 و2021، وهو ارتفاع غير مسبوق فى أسعار الرهن العقارى فى الولايات المتحدة الأمريكية ذات الأجل الطويل الثابتة؛ نتيجة للتضخم المرتفع الذى طال معظم اقتصادات العالم.
من ناحيةً أخرى، يرى محللون أن مجرد التوقعات باتجاه الفيدرالى الأمريكى لاتباع سياسة نقدية توسعية خلال الفترة المقبلة، يدفع إلى خفض أسعار الرهن العقارى، وذلك حتى قبل أن يعلن الاحتياطى الفيدرالى قراره بخفض الفائدة؛ حيث وصلت أسعار الرهن العقارى ذات الأجل الطويل ثابتة السعر 6.2% فى الفترة الحالية، وهذه النسبة تعتبر هى الأدنى فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ فبراير 2023، وتؤثر عوامل اقتصادية أخرى على أسعار الرهن العقارى بجانب أسعار الفائدة، ولكن من المؤكد أن سعره سيتجه إلى الانكسار وفقًا لتصريحات مسؤولى السياسة النقدية فى الولايات المتحدة الأمريكية والتى أفصحت عن عزمهم على اتباع سياسة نقدية توسعية الفترة المقبلة.
أضاف التحليل أنه مع اقتراب اجتماع بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى المقبل فى شهر نوفمبر 2024، تتزايد احتمالات خفض سعر الفائدة بـحوالى 25 نقطة أساس إلى 50 نقطة أساس، وبالنظر إلى التداعيات المحتملة على تأثيرات خفض الفيدرالى الأمريكى لسعر الفائدة على الأسواق الناشئة، سنجد أن له العديد من الانعكاسات الإيجابية، منها استمرار تنافسية أسعار الفائدة فى الأسواق الناشئة، والتى ستجذب مستثمرين من السوق الأمريكية للاستفادة من الفرق فى أسعار الفائدة، وهو الأمر الذى سيُلقى بانعكاسات إيجابية على الأسواق العقارية التى لا تزال تدر عوائد جيدة وينظر إليها المستثمرون الأجانب باعتبارها ملاذ استثمار آمنًا ومربحًا.
وأكد التحليل أن مصر تمتلك العديد من الفرص الواعدة فى القطاع العقاري؛ حيث تتمتع البلاد بسوق استهلاكية كبيرة، خاصةً مع عدد سكان يزيد على 100 مليون نسمة، ومن ثَم تقدم مصر إمكانات نمو طويلة الأجل لصناعة العقارات، كما أن جهود الحكومة لجذب الاستثمار الأجنبى وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، إلى جانب تعزيز الاستثمار الحكومى فى مشروعات البنية التحتية، فضلًا عن المدن الحديثة مثل العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها، يدعم تطوير العقارات التجارية والخدمية، وهو ما جعل مؤسسة دولية مثل فيتش سوليوشنز تتوقع نمو سوق العقارات المصرية على المدى الطويل، مدفوعًا بتلك الجهود لزيادة الاستثمار الأجنبى وتعزيز نشاط القطاع الخاص.
بالإضافة إلى التطوير والبناء الجارى لـ 20 مدينة جديدة بجوار المدن القائمة بالفعل، والذى من شأنه أن يعزز الاستثمار فى قطاع العقارات التجارية؛ حيث يتركز الطلب فى المقام الأول على الأصول المكتبية والتجزئة المدرة للدخل، مع زيادة الاهتمام بالمرافق الصناعية.
كما يمكن لصناديق الاستثمار العقارى أن تساعد سوق العقارات المصرية من خلال تزويد المستثمرين بطرق متنوعة للاستثمار فى العقارات مع امتلاك مجموعة متنوعة من العقارات؛ مما يساعد على تقليل المخاطر، فلعدة سنوات لم يكن هناك سوى صندوق استثمار عقارى واحد متداول فى البورصة المصرية، وهو "صندوق المصريين للاستثمار العقاري"، ولكن فى ديسمبر 2022، أطلق بنك مصر، بالشراكة مع بنك القاهرة ومجموعة مصر القابضة للتأمين وشركة أليانز مصر، صندوق استثمار عقارى، باسم "صندوق استثمار مصر العقاري"، وهو ما جعل سوق العقارات فى مصر تحظى بإمكانات هائلة للنمو.
أشار التحليل فى ختامه إلى أن قرار تخفيض معدلات الفائدة قد يترتب عليه انعكاسات إيجابية؛ فخفض سعر الفائدة فى الولايات المتحدة سيعزز جاذبية أسعار الفائدة فى الأسواق الناشئة؛ مما سيحفز تدفقات الاستثمار إلى قطاعات رئيسة كالعقارات التى ما زالت تُعَد من بين أكثر القطاعات ربحية وأمانًا للمستثمرين الأجانب، كما أن هذا النوع من الاستثمارات يوفر فرصًا لنمو مستدام، خاصةً فى الأسواق التى تسعى إلى تنويع قاعدتها الاقتصادية وتعزيز استقرارها المالى، وبشكل عام، إن الاتجاه المتزايد للتحضر فى جميع أنحاء العالم يدفع سوق العقارات إلى النمو بشكل كبير، ومع تزايد عدد الأفراد الذين يسعون إلى فرص وظروف معيشية أفضل فى المناطق الحضرية، هناك حاجة متزايدة إلى العقارات السكنية والتجارية، الأمر الذى يمثل فرصة كبيرة للمستثمرين ومطورى العقارات.