أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول آفاق التوظيف المستقبلية، أشار خلاله إلى نشر العديد من الأبحاث المتعلقة بمستقبل العمل وذلك منذ إصدار المنتدى الاقتصادى العالمى للطبعة الأولى منه وحتى الآن، حيث تشير الاستنتاجات المستخلصة من هذه الأدبيات إلى مزيج من التفاؤل والحذر، بعد أن أحدثت القوة المزدوجة لكلا من التكنولوجيا والعولمة تحولات عميقة فى أسواق العمل على المدى القريب، ويتوقع العديد من المحللين أن التطورات التكنولوجية قد تؤدى إلى انكماش فرص العمل بشكل عام.
وأكد التحليل أنه رغم ذلك، تشير العديد من الدراسات التى جُمِعت إلى ظهور فرص عمل جديدة عبر البلدان وسلاسل التوريد، كما أثبتت الأبحاث أن هناك ارتفاعًا فى الطلب على الوظائف غير الروتينية التى تتطلب مهارات تحليلية، فى مقابل أتمتة كبيرة للوظائف اليدوية الروتينية.
وأشار التحليل إلى أنه تاريخيًّا، أدى تبنى التكنولوجيا الحديثة فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى استبدال ما يقرب من 2.6 مليون وظيفة خلال الفترة 2007 - 2018، وتتمثل أهم الوظائف التى تم استبدالها في: مشغلى الكمبيوتر، والمساعدين الإداريين، وموظفى حفظ الملفات، وموظفى إدخال البيانات وغيرها من الوظائف التى تتقادم بسرعة نتيجة التطور التكنولوجى.
وأوضح مركز المعلومات أنه وفقًا لتحليل اتجاهات التوظيف فى السنوات السابقة، فقد شهد العامان الماضيان تسارعًا ملحوظًا فى اعتماد التقنيات الحديثة بين الشركات، ولا تزال الحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة، والتجارة الإلكترونية تشكل محركات أساسية، ومع ذلك لوحظ أيضًا ارتفاع كبير فى الاهتمام بتقنيات التشفير؛ مما يعكس تزايد نقاط الضعف فى عصرنا الرقمى، بالإضافة إلى زيادة ملحوظة فى عدد الشركات التى تتوقع اعتماد الروبوتات غير البشرية والذكاء الاصطناعى، حيث بدأ فى التحول إلى ركيزة أساسية فى مختلف الصناعات.
وفيما يتعلق باتجاهات وأنماط تبنى التكنولوجيا فإنها تختلف باختلاف الصناعة والنشاط؛ فالذكاء الاصطناعى يُعتبر الأكثر تكيفًا وشمولًا فى قطاعات المعلومات الرقمية والاتصالات، والخدمات المالية، والرعاية الصحية، والنقل. بينما تشهد تقنيات البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والروبوتات غير البشرية اعتمادًا واسعًا فى صناعات مثل التعدين. وفى المقابل، تركز الحكومة والقطاع العام بشكل كبير على تقنيات التشفير.
وأفاد التحليل أن بيانات استطلاع "مستقبل الوظائف" لعام 2020، الذى أجراه المنتدى الاقتصادى العالمى، أظهرت أن الشركات تتوقع إعادة هيكلة القوى العاملة لديها استجابةً للتقنيات الجديدة. وأشارت الشركات المشاركة فى الدراسة إلى أنها تتجه نحو إعادة تشكيل سلاسل القيمة الخاصة بها بنحو 55%، وزيادة الأتمتة، وتقليص حجم القوى العاملة الحالية بنسبة 43%. وفى المقابل، تعتزم توسيع قواها العاملة بنسبة 34% نتيجة للتكامل التكنولوجى الأعمق، وزيادة الاعتماد على مقدمى خدمات التعهيد لتنفيذ مهام تخصصية بنسبة 41%.
وتوضح الأرقام الواردة فى الاستطلاع أن أصحاب العمل يتوقعون تراجعًا كبيرًا فى الوظائف الزائدة عن الحاجة بحلول عام 2025؛ حيث ستنخفض نسبتها من 15.4% إلى 9%، وفى المقابل، يُتوقَّع نمو المهن الناشئة من 7.8% إلى 13.5% من إجمالى عدد الموظفين لدى الشركات التى شملها الاستطلاع. وبناءً على هذه الأرقام، يُقدر أنه بحلول عام 2025، قد يتم استبدال 85 مليون وظيفة نتيجة للتحول فى تقسيم العمل بين البشر والآلات، فى حين ستظهر 97 مليون وظيفة جديدة تتكيف مع هذا التقسيم الجديد بين البشر والآلات والخوارزميات عبر 15 صناعة و26 اقتصادًا.
أوضح التحليل أن استطلاع عام 2020 يسلط الضوء على التشابهات بين الصناعات المختلفة فيما يتعلق بالأدوار الوظيفية ذات الطلب المتزايد. وكما ورد فى استطلاع 2018، فإن المناصب الرائدة فى الطلب تشمل: محللى البيانات والعلماء، ومتخصصى الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى، ومهندسى الروبوتات، ومطورى البرمجيات والتطبيقات، إلى جانب متخصصى التحول الرقمى. ومع ذلك، تظهر وظائف جديدة، مثل: أخصائى أتمتة العمليات، ومحللى أمن المعلومات، ومتخصصى إنترنت الأشياء كجزء من الأدوار أو الوظائف التى تشهد زيادة ملحوظة فى الطلب. يشير هذا الأمر إلى تسارع الأتمتة وزيادة التركيز على الأمن السيبرانى مع تزايُد المخاطر فى العصر الرقمى.
كما سيظهر مجموعة من الأدوار المميزة فى صناعات محددة، على سبيل المثال، يبرز مهندسو المواد فى قطاع السيارات، وأخصائيو التجارة الإلكترونية والوسائط الاجتماعية فى القطاع الاستهلاكى، ومهندسو الطاقة المتجددة فى قطاع الطاقة، ومهندسو التكنولوجيا المالية فى الخدمات المالية، وعلماء الأحياء وعلماء الوراثة فى قطاع الصحة والرعاية الصحية، إلى جانب علماء الاستشعار عن بُعد والفنيين فى مجال التعدين، وتعكس هذه الأدوار أو الوظائف المسار نحو مجالات الابتكار والنمو عبر مجموعة متنوعة من الصناعات؛ ما يعزز من أهمية اكتساب مهارات جديدة لمواكبة التحولات التكنولوجية والاقتصادية.
أضاف التحليل أنه على الجانب الآخر، تظل الأدوار -التى من المقرر أن تصبح زائدة عن الحاجة بشكل كبير بحلول عام 2025- متوافقة إلى حد كبير مع الأدوار الوظيفية المحددة فى عام 2018 وعبر مجموعة من الأوراق البحثية حول أتمتة الوظائف. وتشمل هذه الأدوار التى حلَّت محلها التقنيات الجديدة: موظفى إدخال البيانات، والأمناء الإداريين والتنفيذيين، والمحاسبة ومسك الدفاتر (تسجيل البيانات المالية وتنظيمها)، وكاتبى الرواتب والمحاسبين والمراجعين الماليين، وعمال التجميع بالمصانع، بالإضافة إلى خدمات الأعمال والمديرين الإداريين.
أفاد التحليل أن الشركات العالمية تواجه تحديات كبيرة فى تسخير إمكانات النمو المرتبطة بتبنى التكنولوجيا الجديدة، وذلك بسبب نقص المهارات. وتظل فجوات المهارات فى سوق العمل المحلية، وعدم القدرة على جذب المواهب المناسبة، من بين العوائق الرئيسة التى تحول دون اعتماد التقنيات الجديدة. هذه النتيجة تتسق مع 20 دولة من أصل 26 شملتها الدراسة.
وأفاد تحليل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن التوقعات تشير إلى أن التفكير التحليلى، والإبداع، والمرونة ستكون من بين أكثر المهارات المطلوبة بحلول عام 2025، بينما ستكون أفضل الوظائف فى مجالات تحليل البيانات، والذكاء الاصطناعى، وإنشاء المحتوى، والحوسبة السحابية.
وقد استعرض التحليل أهم وظائف المستقبل 2030 على النحو الآتي:
- العمل من المنزل Work from Home: قبل عام 2020، تشير التقديرات إلى أن أقل من 5% من الشركات لديها سياسات العمل عن بُعد. الآن، وبعد مرور عدة سنوات على جائحة كوفيد-19، أصبح العمل عن بُعد هو القاعدة. ترغب الشركات فى تطبيق الدروس المستفادة من هذه الفترة لتحسين تجربة العمل من المنزل.
- مدير تصميم المنازل الذكية Smart Home Design Manager: ستكون من بين الدروس المستفادة من الجائحة بالنسبة للكثيرين هى أن "منزل كل فرد هو قلعته". مع زيادة الطلب على منازل مخصصة للعمل من المنزل، سيزدهر دور مديرى تصميم المنازل الذكية؛ حيث سيعملون على بناء أو تعديل المنازل لتشمل مساحات مكتبية مخصصة، مزودة بأجهزة توجيه فى الأماكن المناسبة، وعوازل للصوت، ومداخل منفصلة مدفوعة بالصوت، وحتى شاشات حائط زجاجية من (Gorilla).
- مهندس بيئة أماكن العمل Workplace Environment Architect: ستخضع جميع عناصر هندسة المكاتب بعد الجائحة، بدءًا من الفحوصات الصحية إلى تنقلات المصاعد، لعملية إعادة تفكير شاملة. أصبحت أهمية رفاهية الموظف وكيفية تأثير التصميم الذى يركز على الإنسان للممتلكات العقارية على هذه الرفاهية أمرًا حاسمًا لمستقبل العمل.
- مدقق التحيز فى الخوارزمية Algorithm Bias Auditor: أدت أنماط الحياة "طوال الوقت عبر الإنترنت" للعمل والترفيه إلى تسريع الميزة التنافسية المستمدة من الخوارزميات من قبل الشركات الرقمية. لكن مع ازدياد التدقيق القانونى على البيانات، فمن المؤكد أن عمليات التدقيق ستساعد فى ضمان أن تكون القوى العاملة المستقبلية أيضًا قوة عاملة عادلة.
- محقق البيانات: تظل فرص عمل علماء البيانات هى الوظيفة الأسرع نموًّا فى مجال "الخوارزميات والأتمتة والذكاء الاصطناعي". منذ إنشائها، حققت معدل نمو بنسبة 42% فى الربع الأول من عام 2021. ومع تزايد الطلب على هذه المهارات، سيظل علم البيانات يشكل مهارة مطلوبة؛ مما يجعل محققى البيانات حاسمين فى سد الفجوة لمساعدة الشركات على استكشاف الألغاز فى البيانات الضخمة.
- متنبئ الكوارث الإلكترونية (الهجمات السيبرانية) Cyber Calamity Forecaster: بالإضافة إلى جائحة كوفيد-19، يمكن القول إن الكارثة الكبرى الأخرى كانت الهجمات الإلكترونية المتزايدة، بالإضافة إلى الأنشطة الضارة التى تنفذها جهات فاعلة فردية من خلال برمجيات الفدية، وفى هذا السياق تبرز أهمية وجود متنبئين بالكوارث الإلكترونية؛ حيث تُعَد القدرة على التنبؤ بمثل هذه الأحداث أمرًا بالغ الأهمية لتحذير المؤسسات والمجتمعات من المخاطر المحتملة.
كما يعمل متنبئو الكوارث الإلكترونية على تحليل البيانات واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى لرصد الأنماط والسلوكيات المشبوهة؛ مما يمكنهم من استشراف التهديدات قبل وقوعها. يساعد هؤلاء المتنبئون فى تعزيز أمن المعلومات، وتطوير استراتيجيات استجابة فعالة، وتقليل الأضرار المحتملة الناتجة عن الهجمات السيبرانية.
أضاف التحليل أنه مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، ستصبح وظائف متنبئى الكوارث الإلكترونية ضرورية لحماية المؤسسات والمجتمعات من المخاطر السيبرانية المتزايدة وضمان استمرارية الأعمال فى عالم يواجه تهديدات متزايدة.
وبناءً على ما سبق، من المتوقع أن يكون هناك نمو فى الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا، مثل: محللى البيانات، ومهندسى الروبوتات، ومتخصصى التحول الرقمي؛ مما يشير إلى تحول كبير فى نوعية المهارات المطلوبة بسوق العمل. وستعانى سوق العمل العالمية من نقص فى المهارات المناسبة لمتطلبات الأدوار الوظيفية الناشئة؛ مما يشكل عائقًا أمام تبنى التقنيات الجديدة، وهذا يعزز الحاجة إلى استثمارات فى التعليم المستمر والتدريب على رأس العمل، ومع تزايد التهديدات السيبرانية، ستظهر الحاجة لتوظيف مختصين فى مجال الأمن السيبرانى لضمان الحماية المستدامة للشركات والمجتمعات من المخاطر الرقمية المتزايدة.
وقد استعرض مركز المعلومات أبرز التوصيات فى هذا الشأن مشيراً إلى ضرورة:
- تقديم برامج شاملة لإعادة تأهيل وتطوير المهارات للعمالة الحالية: فمع تزايد الاعتماد على الأتمتة والتكنولوجيا، ينبغى للشركات والحكومات توسيع نطاق التدريب على التقنيات الحديثة، مثل: الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات، وهو سيساعد على ملء الفجوات فى المهارات المطلوبة.
- التوسع فى البرامج التعليمية التى تتماشى مع متطلبات سوق العمل المستقبلية: ففى ظل وجود تحليل البيانات، والذكاء الاصطناعى، والتعلم الآلى، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تُسهم فى ذلك من خلال تقديم مناهج تتضمن مهارات ناشئة، مثل أتمتة العمليات وتطوير البرمجيات.
- توسيع عمليات تأمين البيانات وحمايتها فى ظل تزايد الهجمات السيبرانية: وذلك من خلال توظيف مدققين متخصصين فى أمن المعلومات وتدقيق الخوارزميات؛ لمتابعة الثغرات وتقديم حلول وقائية.
- دعم الوظائف الناشئة فى قطاعات معينة: مثل: الرعاية الصحية، والتكنولوجيا المالية، والطاقة المتجددة، عبر تحفيز الابتكار وتشجيع الشركات على تبنى تقنيات جديدة لتطوير المنتجات والخدمات.
- تطوير شبكات الأمان الاجتماعي: فمع زيادة احتمالية تأثير التحولات الاقتصادية على العمال من الفئات المهمشة، يجب على الشركات والحكومات تطوير شبكات أمان اجتماعى فعّالة، وتعزيز ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية؛ لتقليل التفاوتات وتعزيز الاستقرار الاجتماعى.
وأكد التحليل فى ختامه أن التوصيات السابقة تسلط الضوء على ضرورة التحضير لمستقبل العمل عبر سياسات استراتيجية شاملة لضمان استدامة النمو الاقتصادى مع التطور التكنولوجى.