كتب لؤى على
قالت اللجنة الشرعية التابعة لمرصد الأزهر الشريف، إن مصطلح "التفجير" ممدوح شرعًا فى الإسلام، لأنه يستعمل للبناء والتعمير، وخلق أسباب الحياة، وهو بهذا المعنى ممدوح شرعًا، لأنه يحافظ على بقاء النوع الإنسانى ويحقق مقصود الشرع فى إحياء الخلق.
وأضافت اللجنة فى تقرير لها بعنوان "مصطلح التفجير بين ثقافة التعمير وثقافة التدمير فى ضوء الكتاب والسنة"، أن مصطلح التفجير لم يستعمل فى الإسلام قط للتدمير أو قتل الإنسان، أو إتلاف الأموال وهدم البناء، لأن ذلك لون من ألوان الفساد فى الأرض، والله لا يحب الفساد، فكان التفجير بهذا المعنى مذمومًا شرعًا.
وأكدت اللجنة أن التفجير الممدوح شرعًا إذا راجعنا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية لوجدنا أن ثقافة التفجير فيهما إنما تقوم على استخراج الطاقة من باطن الأرض للتعمير وتوفير مقومات الحياة، من مياه ومعادن وبترول.. والنصوص القرآنية خير شاهد على ذلك، إما صراحة، أو ضمنًا على النحو الآتى، فأصل التفجير فى القرآن الكريم، إخراج الماء من باطن الأرض لسقى الزرع والثمار والإنسان والحيوان انطلاقًا من قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَى أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، فأسباب الحياة بهذه الآية، إنما تعتمد على استخراج الطاقة المائية والانتفاع بها, وكذلك مضمون قوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ} فاستعمركم: أى مكنكم من طاقات الأرض ومنها عنصر الطاقة المائية؛ لديمومة التعايش وخلق أسباب الرزق لتنعموا بالحياة على أن يصاحب ذلك الصلاح فى الأرض لا الفساد فيها، اتباعًا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِى الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}، أى أن الله سخَّر الأرض لتكون موطنًا للإنسان للانتفاع بخيراتها ليستقر له المعايش فيها.
أما النوع الآخر من التفجير هو المذموم شرعًا، إذا كان مصطلح التفجير فى النص القرآنى جاء فى سياق غرس الخير، وتوفير أسباب الحياة لارتباطه باستخراج الطاقة الكامنة من ماء وبترول ومعادن لتعمير الأرض، وإحياء النفس الإنسانية، فإنه ممدوح شرعًا، فإن استخدامه للفساد فى الأرض وتدمير مقومات الحياة مذموم شرعًا؛ لأنه يناقض مقصود الشرع فى إحياء النفس، "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
فمن تفنن فى ابتكار أدوات التفجير لقتل المسلمين، أو غير المسلمين، أو عرّض حياتهم للخطر، وأتلف أموالهم، ودمّر بنيانهم، فإن فعله حينئذ من الفجور، أى الخروج عن طاعة الله، يقال: فجر، بمعنى فسق، أى خرج عن الشرع والملة، وبات منافقًا يخادع الناس فلا يؤمن جانبه.
ولقد جَرَّمَ القرآن الكريم والسنة المطهرة على من اتخذ الدين وسيلة للفساد فى الأرض، فقتل ودمّر، وأتلف وخرّب، ولم يلتفت إلى قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، ثم ينسب نفسه إلى الإسلام، وهو كذب متعمد على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل يبغض التدمير والفناء، ويحب الحياة والبقاء، ولقد سجل الله ذلك فى القرآن فقال تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} فمن استخدم أدوات التفجير لقتل النفس أو الفساد فى الأرض، فكأنه فتح الباب لقتل الناس جميعًا، وأعان على هلاك الحرث والنسل، وليس من مفردات الثقافة الإسلامية قتل الناس دون حق، أو هلاك الحرث والنسل دون مسوِّغ شرعى.
فالذى يتسلل بين الآمنين فى ديار الإسلام وغيرها فى حال السلم؛ ليقتل أو يدمر ويزعم أنه من أهل الجهاد، فهو كاذب على الله، لأن الله تعالى قال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}، وهو قد خان العهد فى المسلمين, وأفسد الأمان للمستأمنين، والله تعالى يقول: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا"، وهو قد فجر فى خصومته، فحول بنيان الإنسان إلى أشلاء، بعد أن بناه الله و قَوَّمَهُ، وحَسَّنَهُ، ورَكَّبْهُ فقوَّى بنيانه ليشد بعضه بعضًا، قال – تعالى-:"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" فمن هدمه فقدْ فَقَدَ البصيرة فاستحق اللعن "أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ".