كتب حازم حسين
معركة مشتعلة شهدتها أروقة البرلمان خلال مارس الماضى، وسط زحام وضغوط الالتزام الدستورى الذى وقع على كاهل مجلس النواب بأعضائه ولجانه وهيئة مكتبه، بمناقشة وإقرار القرارات بقوانين الصادرة فى غيبة المجلس، وفى عهدى الرئيسين: السابق عدلى منصور والحالى عبد الفتاح السيسى، والتى تخطى عددها الـ300 قرار بقانون، وكان بين هذه التلال من القوانين قانون واحد يرقبه المواطنون والمتابعون باهتمام وتركيز، القانون رقم 18 لسنة 2015، والمعروف بـ"قانون الخدمة المدنية"، الذى يمثل تعديلاً قويًّا لمسار الجهاز الإدارى للدولة بعد سنوات من العمل بقانون العاملين المدنيين بالدولة، رقم 74 لسنة 1978، وقصور القانون القديم عن مواجهة الراهن فى الجهاز الإدارى وما يحمله من مشكلات مختلفة وطبيعة عمل غير ما كان عليه الأمر فى السبعينيات.
رغم أهمية القانون وحجم ما يحمله من تأثير على العاملين بالدولة، تعامل معه القطاع الأوسع من النواب كأى قرار بقانون تحت أيديهم فى هذه الفترة، وشهدت أروقة المجلس وتصريحات النواب لوسائل الإعلام تذبذبًا وارتباكًا فى موقفهم من القانون، فتارة يصرحون باتجاههم لرفضه، وتارة يؤكدون قبوله، وأخرى يشدّدون على إدخال تعديلات عليه، بينما كان المشهد يتصاعد وتزداد سخونته واشتعاله أمام تنامى موجات رفض المواطنين والعاملين للقانون بصيغته التى أقرتها الحكومة، لينتهى الأمر وأمام الموقف الشعبى العارم، لرفض البرلمان للقانون وعودة العمل بالقانون 47 لسنة 1978، رغم إعلان ائتلاف دعم مصر وعدد من التيارات والقوى السياسية قبولهم له، وتعيد الحكومة الكرة بعد أسابيع، وترد القانون للمجلس بعد إدخال عدة تعديلات عليه.
قانون الخدمة المدنية فى صيغته الجديدة.. خلاف التسوية ونسبة العلاوة
فى الصيغة الجديدة التى قدمتها الحكومة، تلافى القانون كثيرًا من مناطق العوار والملاحظات التى سجلها العاملون والمختصون بالتشريعات العمالية، فيما يخص نظام العمل والأجور والترقيات والدرجات الوظيفية وتقارير الأداء والتقييم، ولكن ظلت هناك ملاحظات لم يتم وأد فتنتها بشكل كامل، أبرزها إلغاء القانون لتسوية الحاصلين على مؤهلات عليا خلال مدة وظيفتهم بعد صدور القانون، وهو الأمر الذى يلقى اعتراضات من قطاعات واسعة من العاملين، ويرى كثيرون أنه يصادر حقًّا دستوريًّا ويغلق فضاء الطموح والرغبة فى التطور المهنى، ولكن كانت النقطة الأكثر سخونة وإثارة هى المتعلقة بنسبة العلاوة الدورية للعاملين، والتى ربطتها الحكومة فى القانون عند نسبة 5%، بينما تشير التقارير الاقتصادية وبيانات الجهاز المركزى للمحاسبات إلى وصول معدل التضخم لأسعار المستهلكين إلى متوسط قدره 12.9% خلال مايو 2016، قياسًا على الشهر المناظر من العام السابق، يقل فى بعض القطاعات عن هذه النسبة ويزيد فى قطاعات أخرى، وبنسبة عامة تتخطى 3.5%، وأمام هذه النسبة ورفض المواطنين لها تشدّد البرلمان فى رفضه لـ5% قيمة للعلاوة، وتمسك بزيادتها إلى 7%، وهو ما رفضته الحكومة، لتبدأ جولة من الشد والجذب والمفاوضات والوعود والنقاشات والشرح والتفسير للأوضاع الاقتصادية التى تمر بها البلاد، وبعد رحلة من الحدّة والتعارض بين الحكومة والنواب، فى أروقة لجنة القوى العاملة وبحضور عدد من الوزراء، استقر الطرفان على إقرار نسبة 7% علاوة دورية للعاملين.
بين قيمة الأجور فى موازنتى 2015 و2016.. هل لم يلحظ البرلمان أو تورط فى التناقض؟
رغم موقف البرلمان الجاد والمهم خلال مناقشات قانون الخدمة المدنية، وتشدّده فى إقرار نسبة 7% علاوة دورية للعاملين، لتكافئ معدل التضخم المتزايد بشكل سنوى والذى يلتهم زيادات الدخول لأغلب الأسر المصرية، وينسف أثر أيّة علاوة أو مكافأة أو حافز، حملت الأيام نفسها وأروقة البرلمان مفارقة مثيرة، إذ فى الفترة التى صمم فيها البرلمان على رفع نسبة العلاوة الواردة فى المشروع الجديد لقانون "الخدمة المدنية" الذى قدمته الحكومة، كانت لجان المجلس تناقش مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2016/ 2017، بإجمالى مصروفات قدرها 936 مليار جنيه، منها 228 مليارًا لبند الأجور، بينما كانت قيمة البند نفسه فى العام المالى السابق 218 مليار جنيه، ما يعنى أن نسبة زيادة هذا البند 10 مليارات جنيه فقط، بما لا تزيد نسبته على 4.5% وليس 7% ولا حتى 5%.
المفارقة فى الأمر أن الحكومة قدمت الموازنة تتضمن 218 مليار جنيه للأجور بينما كان مشروعها لقانون الخدمة المدنية ينص على نسبة علاوة دورية قدرها 5%، وبعد تعديل مجلس النواب للنسبة والقفز بالعلاوة إلى 7% ظل بند الأجور على حاله دون زيادة، أى بارتفاع 10% فقط عن قيمته بموازنة العام السابق، بينما يُفترض ألا تقل نسبة الزيادة فى الموازنة الجديدة عن 15 مليار جنيه، وبالتغاضى أيضًا عمّا يقتطعه تمويل درجات مالية جديدة أو صرف مكافآت وبدلات استثنائية لكبار الموظفين من البند، ما يعنى أن البرلمان لم يهتم بمدى التحقق الفعلى للنسبة التى أقرها وقابلية تطبيقها على أرض الواقع، خاصة أن نسبة الزيادة الفعلية فى بند الأجور 4.5% فقط من إجمالى بند الأجور، هذا بتجاوز مخصصات تمويل درجات مالية جديدة ضمن البند نفسه، ما قد يهبط بالنسبة دون الـ4.5% نفسها، ويضعنا أمام سؤال جاد حول مدى اهتمام مجلس النواب بدراسة القوانين والمشروعات المعروضة عليه دراسة جادة، والتأكد من إنفاذ ما يستقر عليه النواب وتوفير الاعتمادات والتمويلات اللازمة له، وهل لم يلحظ البرلمان هذه المفارقة أم أنه التفت إليها ولم يعلّق أو يهتم، هروبًا من الالتزام الدستورى بالمسؤولية التضامنية مع الحكومة فى تدبير الموارد اللازمة لتغطية وتمويل أى بند يعدّله الحكومة، أو تسليمًا بالوقوع فى التناقض واطمأنًا إلى أن أحدًا لن يلحظ هذا التناقض البرلمانى الواضح؟