طوال شهور وأعوام مضت، مثّلت خطبة الجمعة صداعًا فى رأس وزارة الأوقاف، بسبب المجال الشاسع للمساجد عددا وجغرافيا، وتنوع الخطباء واختلاف توجهاتهم، ما سمح أحيانًا بتسرّب خطاب متشدّد أو معادٍ للدولة، ودفع الوزارة إلى البحث عن أبواب ومنافذ لإحكام سيطرتها على منابر مصر، ليتفتق ذهنا فى الفترة الأخيرة عن الاتجاه إلى تعميم خطبة مكتوبة على الأئمة والخطباء، ملزمة لهم على اتساع مصر وتعدد منابرها، وهو ما أثار قدرًا كبيرًا من الجدل خلال الفترة الأخيرة، وفتح بابًا للصراع بين المؤسسات الدينية، ودخل البرلمان على خط الخلاف فى وقت لاحق.
كانت شرارة الخلاف مع إعلان وزارة الأوقاف عن إلزام الأئمة بنص الخطبة، وهو ما أثار حوارًا واسعًا فى لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، أكد الوزير خلاله أنها مجرد تجربة استكشافية وليست ملزمة فى الوقت الحالى، قبل أن يعود مسؤولو "الأوقاف" للتأكيد على إلزامية الخطبة المكتوبة، ما أثار هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر الشريف، والتى قررت بإجماع آراء الأعضاء رفض الخطبة المكتوبة، وعادت اللجنة الدينية للدخول على خط المواجهة، فأعلن عدد من النواب دعمهم للخطبة، مؤكدين أنها تجربة تحتمل النجاح أو الفشل.
عمر حمروش: ندرس إيجابيات وسلبيات الخطبة المكتوبة لاتخاذ قرار بشأنها
فى البداية، قال النائب عمر حمروش، أمين سر لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، إن اللجنة استدعت وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، وتناقشت معه بشأن الخطبة المكتوبة، ليخرج بيان من اللجنة بهذا الشأن، مشيرًا إلى أن تلك الفترة تمثل مرحلة دراسة وتجربة للخطبة المكتوبة دون إجبار للأئمة والخطباء، وأن اللجنة قررت دراسة الإيجابيات والسلبيات حول التجربة، وإذا كانت الإيجابيات أكثر فسيتم تطبيقها، وإذا كانت السلبيات أكثر فسيتم الاستغناء عنها.
وأضاف "حمروش" فى تصريح لـ"برلمانى"، قائلاً: "أنا شخصيًّا مقتنع بالخطبة المكتوبة، لأنها تقينا شر الفتن، من خلال عدم إطالة وقت الخطبة، أو تحويلها إلى وجهة متشددة أو سياسية، خاصة أن الدولة تواجه الفتن فى الفترة الأخيرة، ولا بد من أن نكون يدًا واحدة فى مواجهة تلك الفتن.
وأشار "حمروِش" فى تصريحه، إلى أن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف لها كامل احترامها وتقديرها، وقرارها بشأن رفض الخطبة المكتوبة استشارى، ووزارة الأوقاف هى المسؤولة والمعنية بهذا الموضوع، وبأمر المساجد والخطابة والدعاة أمام الدولة.
شكرى الجندى: رفض "كبار العلماء" لها يؤكد على الحرية.. وهى تجربة قابلة للنجاح أو الفشل
فى السياق ذاته، قال النائب شكرى الجندى، عضو لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان، إن قرار هيئة كبار العلماء الرافض للخطبة المكتوبة، التى أعلنت عنها وزارة الأوقاف مؤخّرًا، يدل على أن مصر فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى تتجه فى مسارها الصحيح على طريق الديمقراطية الحقيقية، وأنها بالنسبة لموضوعا لخطبة المكتوبة لا تسير بالتوجيهات، سواء من جانب الرئيس أو من الجهاز الأمنى، كما أشاع المغرضون وبعض جهات الإعلام الخارجية.
وأضاف "الجندى" فى تصريح لـ"برلمانى": "مصر فى عهد الرئيس السيسى تتمتع بمساحة كبيرة وغير مسبوقة من الحرية، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، حسم أمر الخطبة المكتوبة، حينما قال من قبل إنها ليست فرضًا، والوزارة أقرتها ليهتدى بها الأئمة"، موضّحًا أنه تقدم باقتراح لتوحيد موضوع الخطبة وليس نصّها، مع التزام الأئمة بالحديث فى صحيح الدين، دون تشدد أو فتنة، وأن هذا الاقتراح صادف قبولاً كبيرًا لدى السواد الأعظم من أعضاء لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان.
وأكد "الجندى" فى تصريحه، أن الدكتور محمد مختار جمعة، أفاد فى اجتماعه مع اللجنة بأن الخطبة المكتوبة عبارة عن تجربة قابلة للنجاح أو الفشل، وإذا فشلت وتم رفضها فسيتم الاستغناء عنها.
محمد شيمكو يؤيد "الخطبة المكتوبة" ويعترض على تحديد مدة محددة للخطابة
من جانبه، قال النائب محمد شيمكو، عضو لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، إن الخطبة المكتوبة ضرورة، نظرًا للاعتراضات الكثيرة التى ظهرت على مستوى بعض الأئمة، فضلاً عن ضعف الخطبة التى يلقونها، متابعًا: "طالبنا كثيرًا بتطوير الخطاب الدينى، والخطبة المكتوبة تهدف لتطوير الفكر عند الأئمة، وتطوير مستوى الخطابة يحتاج إلى وقت، ولحين تطوير المستوى من الممكن اللجوء لتطبيق الخطة المكتوبة.
وأضاف "شيمكو" فى تصريح لـ"برلمانى": "تطوير وتصحيح المفاهيم الدينية يحتاج وقتًا، وتحديد موضوع الخطبة، من خلال بحث متطلبات المجتمع، أمر جيد، وهذه الخطوة لا تمنع الاجتهاد، بل تضع الخطوط الرئيسية العريضة، وتحدد الأحاديث النبوية الشريفة التى يمكن للدعاة والأئمة الاستعانة بها، بعد بحث مدى صحة تلك الأحاديث، حفاظًا على حق المواطنين فى المعرفة السليمة، والمؤكد أن الخطبة المكتوبة ستكون لفترة مؤقتة لحين تطوير الخطاب الدينى".
وتابع عضو لجنة الشؤون الدينية تصريحه بالقول: "أعتقد أن موضوع الخطبة الجمعة المقبلة سيكون عن النظافة، وتقويم سلوك المواطنين واختيار الألفاظ، وهذا شىء جيد، ولا يمكن لأحد الاعتراض على تلك الموضوعات، مؤكّدًا أن حق الاعتراض مكفول حينما يتم تحديد موضوع سياسى للخطبة، أو التمجيد والتفخيم فى الحكومة.
وانتقد "شيمكو" وضع مدة محددة لخطبة الجمعة، قائلاً: "اختلاف أساليب الدعاة فى إلقاء الخطبة يُحتّم عدم وضع مدة محددة لها، فضلاً عن اختلاف درجة استيعاب المواطنين للخطبة، فالخطبة فى المهندسين تختلف عن نظيرتها فى بولاق أو غيرها من المناطق الشعبية".