تنشط حكومة المهندس شريف إسماعيل فقط فيما يتعلق بالضرائب وترى أنه "الحل" للخروج من أى أزمة تواجهها، ورغم أن الفكرة من حيث المبدأ قانونية، لكن اختزال عقلية الحكومة فى السعى لإقرار قوانين ضرائب "مغضوب عليها شعبيًا" يمثل إخفاقاً، لأن الجهد الأكبر نحو إخراج الاقتصاد المصرى من عثرته يجب ألا يكون بفرض أعباء على المواطن البسيط، فى ظل انعدام الرقابة على الأسواق والسيطرة على جشع التجار، وإنما يكون بالدفع فى اتجاه تحريك الاقتصاد والقطاعات الإنتاجية إلى الأمام.
"ضريبة القيمة المضافة" تطفو على السطح حلًا لنقص السيولة
فى الوقت الذى تعرض فيه الاقتصاد المصرى لعدد من الضربات، أثرت على قطاع السياحة ومن ثم على سيولة "العملة الصعبة" ما دفع البنك المركزى لاتخاذ قرارات صعبة تتعلق بتخفيض سعر صرف الجنيه فى شهر مارس الماضى، ومن المتوقع تخفيضه مرة أخرى لمواجهة نقص السيولة وجذب الاستثمارات، طفت على السطح "ضريبة القيمة المضافة"، التى تعتزم الحكومة المصرية تطبيقها بداية سبتمبر المقبل، ومن المتوقع أن تدر على خزينة الدولة نحو 30 مليار جنيه بنهاية يونيو 2017، الأمر الذى قد يسهم فى سد عجز الموازنة.
حالة من الجدل أثيرت عقب طرح مشروع القانون، الذى ينظره البرلمان حاليًا، ففى ظل انعدام الرقابة على الأسواق، سيدفع إقرار القانون باتجاه ارتفاع الأسعار بشكل حاد دافعًا التضخم للارتفاع بنسبة لا تقل عن 3.5% إلى 4%، فى الوقت الذى اشتعلت فيه الأسعار خلال الفترة الماضية بشكل غير مسبوق تأثرًا بالانهيار الحاد فى قيمة الجنيه أمام الدولار.
الحكومة ممثلة فى وزارة المالية، تدافع عن القانون، بحجة أنه مطبق فى أكثر من 150 دولة حول العالم، وأن تطوير لقانون ضريبة المبيعات، وبدأ التفكير فيه عام 2007 لإزالة التشوهات فى قانون ضريبة المبيعات الحالى، وتؤكد أن هناك 52 سلعة أساسية معفية، خاصة السلع الغذائية وألبان الأطفال، كما أن الأدوية المستوردة والمحلية لن تتأثر أو يحدث عليها زيادة بعد تطبيق القانون خاصة أنها خاضعة لضريبة المبيعات حاليًا.
الحكومة مطالبة بالعمل على حل الأزمات "جذريا"
بغض النظر عن المؤيدين أو المعارضين للقانون، وحكومة شريف إسماعيل، فى هذا التوقيت الصعب الذى تمر به البلاد اقتصاديا، مطالبة بالعمل على حل الأزمات "جذريا" بما يسهم فى تقديم المحفزات للمستثمرين وتخفيف الضغوط التى يواجهها المواطنين، بدلا من إقرار ضرائب تزيد أعباء القطاعات الاقتصادية وتخلق بيئة طاردة للمستثمرين، وتدفع نحو مزيد من التراجع فى معدلات نمو الاقتصاد المصرى لكى تستطيع الحكومة تجاوز الأزمة الاقتصادية، وسد عجز الموازنة بل وملء خزائن الدولة بفائض اقتصادى حقيقى يعود بالنفع على الوطن (الدولة والمواطن)، يجب إعادة النظر فى أمورٍ عدة أبرزها:
إصلاح المنظومة التشريعية لجذب الاستثمار
الحكومة مطالبة بتهيئة وتحسين البيئة والمناخ أمام الاستثمار بقانون موحد للاستثمار، وسن تشريعات تلاحق الفساد وتقضى عليه وتحفز المستثمرين "الأجانب والمصريين"، عن طريق توفير ضمانات وتسهيلات، بالإضافة لإصدار قوانين تجرم عملية "الدولرة"، أى استخدام المصريين العملة الأجنبية بدلا من الجنيه، أو استمرار المواطنين فى "كنز" أموالها خارج النظام المصرفى.
70 مليار جنيه أموال التهرب الضريبى
الحكومة لديها مستحقات واجبة السداد قدرها خبراء الاقتصاد بما يقرب من 70 مليار جنيه هى مستحقات التهرب الضريبى سنويًا، حيث يتهرب كثير من رجال الأعمال والشركات الكبرى من دفع الضرائب المستحقة، وإذا ما قورن العائد من تطبيق ضريبة القيمة المضافة، الذى يتراوح بين 20 إلى 30 مليار جنيه، نجد أن حجم التهرب الضريبى يمثل الضعف، وكان أولى بالحكومة وضع آليات لتحصيل تلك الأموال ومحاصرة المتهربين، الأمر الذى سيسهم فى خفض عجز الموازنة العامة إلى أقل من 10% من الناتج المحلى الإجمالى.
26 مليار جنيه سنويًا حال عودة حركة السياحة
كان متوقعًا أن تعود الحركة السياحية قبل 13 شهرًا بعد حادث الطائرة الروسية فى سيناء، لكن الحكومة أخفقت فى وعودها بإعادة السياح إلى مصر عقب تراجع إيرادات السياحة بنحو 2.2 مليار جنيه مصرى شهريًا (283 مليون دولار)، بحسب تصريحات تلفزيونية لوزير السياحة السابق هشام زعزوع.
تريليون جنيه "اقتصاد غير رسمى"
تريليون جنيه (ألف مليار جنيه)، حجم الاقتصاد غير الرسمى خارج سيطرة الدولة، الأمر الذى يفرض على الحكومة ضرورة العمل على دمج هذا الاقتصاد، ووضعت دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية صدرت عام 2016، حلولا لأزمة دمج الاقتصاد غير الرسمى للاقتصاد الرسمى، وبالتالى زيادة الاستثمار، مشددة على ضرورة إعادة تعديل عدة قوانين من خلال البرلمان أبرزها (التأمينات الاجتماعية، والاستثمار، والشركات والتمويل متناهى الصغر، والرعاية الصحية، والصناعة، الإدارة المحلية)، وكذلك إنشاء جهة مسئولة بملف القطاع غير الرسمى لرسم الاستثمارات الموازية ومتابعة تنفيذ الإجراءات المتعلقة بتحسين مناخ الاستثمار وضم أكبر عدد من المستثمرين فى المساحة الرسمية.
المشروعات الصغيرة والمتوسطة
ربما لا تجلب الأعمال الصغيرة الكثير من الأموال مثل الشركات الكبرى، لكنها عنصر ضرورى بل ومساهم كبير فى دعم الاقتصاد المحلى، لأنها تقدم فرص توظيف جديدة ومن ثم تعزز حركة الأعمال وتزيد من الإنتاج والدخل، فضلا عن أنها تشكل أعمدة الشركات الكبرى فى دول متقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وتبرز المشروعات الصغيرة كأداة يمكن من خلالها تحفيز الاقتصاد الداخلى حتى وإن كان فى إطار محدود.
كان البنك المركزى المصرى قرر إطلاق مبادرة شاملة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتصبح مساهمًا رئيسيًا فى قطاع الإنتاج والاستثمار فى الاقتصاد المصرى، تنفيذًا لتكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسى، بتوفير 200 مليار جنيه مصرى لدعم هذه المشروعات لتدعم بدورها اقتصاد البلاد وتوفر فرص عمل.
دراسة نماذج دول أحدثت طفرات اقتصادية
على الحكومة المصرية الاحتذاء بالتجارب العالمية الناجحة فى التطور الاقتصادى، والتى حققت بـ"إدارتها وإرادتها" طفرة هائلة جعلتها محط أنظار مستثمرى العالم، وأبرزها مدينة دبى بالإمارات العربية المتحدة، التى بلغ ناتجها المحلى الإجمالى إلى 92 مليار دولار.
تحولت إمارة "دبى"، لنموذج فى التحول الاقتصادى الكبير، ويتمتع اقتصادها بمزيج من المزايا المتعلقة بالكلفة والسوق والبيئة ويتيح مناخًا مثاليًا وجذابًا للاستثمار سواء للشركات الوطنية أو الأجنبية.
وهذه المزايا جعلتها فى مقدمة اقتصاديات السوق المزدهرة والمستقرة حول العالم، كما أن النظام المصرفى فى دبى يتضمن تسهيلات ائتمانية واسعة وسيولة وفيرة، وتقوم أسواق رأس المال الناشئة فى الإمارة على أساس من التكنولوجيا المتقدمة والأنظمة التنظيمية السليمة، ولدى الحكومة التزام طويل الأجل وثابت بالسياسات الاقتصادية المتحررة المعززة للتجارة بما فى ذلك حماية حقوق الملكية الفكرية.
ويوجد إطار عمل قانونى راسخ وسليم للشركات ومجموعة واضحة من قواعد الملكية، يسمح للأجانب بحقوق ملكية تصل لغاية 49% من الشركات ذات المسؤولية المحدودة التى يتم تأسيسها داخل امارة دبى وحتى 100% للشركات المهنية وفروع ومكاتب التمثيل التابعة للشركات الأجنبية ومشروعات المناطق الحرة، وتنعكس كل هذه العوامل بشكل إيجابى مما جعلت دبى تحصل طبقا لتقدير مؤسسة "موديز انفسترز سيرفيز" على تصنيف "درجة استثمار" فى مجال استثمارات الدخل الثابت.
ويتميز اقتصاد دبى بأنه نظام مفتوح وحر يعمل على اجتذاب المستثمرين والشركات، وقد ظل التحكم والسيطرة الحكومية على نشاطات القطاع الخاص فى حده الأدنى.
ولا توجد ضرائب مباشرة على أرباح الشركات أو على الدخل الشخصى "عدا شركات النفط التى تدفع معدلًا ثابتًا قدره 55%، وفروع البنوك الأجنبية التى تدفع معدلًا ثابتًا قدره 20% من صافى الأرباح المتحققة داخل دبى".