فى الوقت الذى تتحدث فيه كل أجهزة الدولة عن ضرورة محاربة الفساد والقضاء على منابعه ودعم مؤسسات الرقابة، بدأت داخل البرلمان أزمة اعتبرها البعض نتيجة سير الدولة ضد هذا الاتجاه.
الأزمة سببها أن قانون الخدمة المدنية فى مادته 59 تضمن سحب اختصاص الرقابة المالية من الجهاز المركزى للمحاسبات، وجعلها بنص المادة حكرًا على النيابة الإدارية، وهو ما دفع عدد من النواب المنتمين سابقًا للجهاز من رفض تلك المادة وطلب تعديلها، وإضافة كلمة "بما لا يخل باختصاصات الجهاز المركزى للمحاسبات" فى بداية المادة، وهو ما نجحوا فيه.
إلا أن الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد، حيث حذر النائب عصام الفقى أمين سر لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان والعضو السابق بالجاهز المركزى للمحاسبات، من أن ينتصر مجلس الدولة – الذى يراجع القانون حاليًا- للنيابة الإدارية ويعيد المادة لما كانت عليه، ويحرم الجهاز من أحد أهم اختصاصاته.
الفقى: سحب الرقابة من "المركزى للمحاسبات" مصيبة ودعم للفساد
وقال الفقى، فى هذا السياق، إن ما تم خلال مناقشات قانون الخدمة المدنية الجديد، فيما يتعلق بالمادة 59 من القانون، التى قضت بسحب اختصاصات الرقابة المالية من الجهاز المركزى للمحاسبات، مصيبة ودعم للفساد، وإجراء معناه أن الدولة لن تحارب الفساد ولن تدعم أجهزة الرقابة.
وأضاف "الفقى" - فى تصريحات لـ"برلمانى"، اليوم الاثنين – قائلاً: "المادة جعلت الرقابة المالية على المؤسسات العامة من اختصاص النيابة الإدارية دون غيرها، وهو ما اعترضت عليه أنا وعدد من النواب الذين كانوا أعضاء بالجهاز المركزى للمحاسبات، واستطعنا تعديل المادة، إلا أنه بعد إرسال القانون لمجلس الدولة لمراجعته تم إعادة المادة للشكل الذى رفضناه".
وأوضح أمين سر لجنة الخطة والموازنة فى تصريحه، أنه ينتظر عودة القانون للمجلس للتأكد من ذلك، مشدّدًا على أنه لن يصمت أمام هذا الإجراء، وأنه لن يقبل سحب أهم اختصاصات الجهاز المركزى للمحاسبات منه لحساب هيئات أخرى، متهمًا بعض نواب المجلس بدعم ومجاملة النيابة الإدارية ومجلس الدولة على حساب الجهاز المركزى للمحاسبات.
وتساءل الفقى فى تصريحه: "إزاى عضو النيابة الإدارية هيكتشف المخالفة المالية من الأساس إلا بوجود الجهاز المركزى للمحاسبات؟! الطبيعى إن الجهاز يكتشف المخالفة ويحيلها للنيابة، لكن النيابة هتكتشفها من نفسها إزاى؟".
شعبان: صراعات أجهزة وراء سحب اختصاصات "المركزى للمحاسبات"
ومن جانبه قال النائب خالد عبد العزيز شعبان، عضو لجنة القوى العاملة بالبرلمان وعضو تكتل "25– 30"، إن سحب اختصاص الرقابة المالية من الجهاز المركزى للمحاسبات فى قانون الخدمة المدنية، تقف ورائه صراعات الأجهزة الذى بدأ منذ كتابة دستور 2014، موضّحًا أن كل جهاز بالدولة يسعى لأن يكون له النصيب الأكبر من الصلاحيات والاختصاصات، دون مراعاة لتوازن الأدوار والسلطات.
وأضاف العضو السابق بالجهاز المركزى للمحاسبات، فى تصريحاتٍ لـ"برلمانى" أن سعى النيابة الإدارية للانفراد بحق الرقابة المالية أمر مرفوض وغير منطقى، وتابع: "معنى كده إن الجهاز المركزى يقفل بقى أو الناس تروح تقعد على مكاتبها وتروح ولا شغلة ولا مشغلة".
وأكد شعبان، أن الدستور والقانون منح الجهاز حق الرقابة المالية لأنه الأصلح والأقدر على كشفها، ويأتى بعد ذلك دور النيابة الإدارية فى التحقيق.
عبد الواحد: لن أقبل تفريغ "المركزى للمحاسبات" من دوره وسحب سلطاته
فيما قال هشام عبد الواحد، عضو لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، إن ما تضمنته المادة 59 من قانون الخدمة المدنية من سحب لسلطة الرقابة المالية من الجهاز المركزى للمحاسبات أمر مرفوض وغير مقبول.
وتابع النائب فى تصريحات لـ"برلمانى" أنه اعترض على تلك المادة أثناء مناقشة القانون، والتى منحت النيابة الإدارية صلاحية الرقابة المالية على الأجهزة والمؤسسات دون غيرها، وأصر على إضافة جملة "بما لا يخل باختصاصات الجاهز المركزى للمحاسبات".
وأضاف عبد الواحد، أنه فى حال عودة المادة على حالها بعد مراجعة مجلس الدولة للقانون فإنه سيرفضها تمامًا، وسيسعى لاتخاذ إجراء مناسب يضمن للجهاز المركزى اختصاصه ودوره الذى كفله له القانون والدستور.
نص المادة 59 التى تسببت فى الأزمة بصيغتيها
يُذكر أن المادة 59 من قانون الخدمة المدنية الجديد، فى صورتها المرفوضة من النواب، تنص على أنه: "مع عدم الإخلال باختصاصات الجهاز المركزى للمحاسبات، تختص النيابة الإدارية دون غيرها بالتحقيق مع شاغلى الوظائف القيادية، وكذا تختص دون غيرها بالتحقيق فى المخالفات المالية التى يترتب عليها ضياع حق من الحقوق المالية للوحدة أو المساس بها، كما تتولى التحقيق فى المخالفات الأخرى التى تحال إليها، ويكون لها بالنسبة لهذه المخالفات السلطات المقررة للسلطة المختصة فى توقيع الجزاءات والحفظ، وعلى الجهة الإدارية المختصة بالنسبة لسائر المخالفات أن توقف ما تجريه من تحقيق فى واقعة ما، أو وقائع، وما يرتبط بها، إذا كانت النيابة الإدارية قد بدأت التحقيق فيها، ويقع باطلا كل إجراء أو تصرف يخالف ذلك".
وقد طالب النواب بأن تُضاف فى بدايتها جملة: "مع عدم الإخلال باختصاصات الجهاز المركزى للمحاسبات"، ومن المنتظر أن يرسل مجلس الدولة القانون خلال الأيام المقبلة إلى البرلمان بعد مراجعته للتصويت عليه فى صورته النائية بالجلسة العامة للمجلس.