575 صفحة، هى عدد صفحات التقرير الكامل الذى أصدرته لجنة تقصى الحقائق البرلمانية عن وقائع فساد منظومة القمح، فى كل صفحة منها يمكنك أن ترى الملايين المهدرة، والأموال المختلسة، والوقائع المفجعة، الألف جنيه هنا ليست رقما معترفا به، الملايين فقط تهدر وتسرق وتختلس، وقائع فساد ممنهج، وتسيب إدارى، وضعف للمنظومة بأكملها، هذا ما استطاعت أن تضع اللجنة يدها عليه، فكيف لنا بما لم تقم هذه اللجنة بجرده أو التحقيق فيه، فى السطور القليلة التالية، لن نستعرض كافة الوقائع التى ذكرتها لجنة تقصى الحقائق البرلمانية، فهو أمر يحتاج إلى عشرات وعشرات من التحقيقات، لكننا فقط سنستعرض بعضا منها.
صاحب مخبز أدخل كود (0000) لماكينة الخبز فسرق بـ11 مليون جنيه
أولى الوقائع التى سنستعرضها هى عملية اختراق ضخمة لمنظومة الخبز، عملية الاختراق تمت عبر صاحب أحد المخابز فى الإسماعيلية، حيث حصل "برلمانى" حصريًا على محضر حررته الإدارة العامة لشرطة التموين، ضد صاحب أحد المخابز بمحافظة الإسماعيلية، بعد اكتشاف اختلاسه لـ 39 مليون رغيف، قام بصرفهم بطريقة وهمية، وحاسب وزارة التموين على أنه قام ببيعهم للمواطنين ليتقاضى الفارق عن كل رغيف من الوزارة، بقيمة 30 قرشًا للرغيف، بقيمة إجمالية 11 مليون جنيه.
ووفقًا لتحريات المحضر رقم 8166 لسنة 2015 جنح الإسماعيلية، تبين أن المتهم استطاع اختراق المنظومة عن طريق إدخال كود (0000) إلى الماكينة، الأمر الذى مكنه من سحب كميات كبيرة من الخبز بطريقة وهمية، وصلت إلى 39 مليون رغيف خبز.
المحضر لا يمكن اعتباره بشكل من الأشكال عملية اختلاس فردية، فهو يدل على أن هناك ضعف رهيب فى المنظومة، مكن رجلا ما عبر إدخال كود سهل، من اختراق المنظومة، وعبر ذلك استطاع أن يسرق نحو 11 مليون جنيه، وهو قيمة 39 مليون رغيف، فى فترة هى أقل من نصف عام.
اختلس بـ 11 مليون جنيه قمح وحفظ المحضر
المشكلة الرئيسية أن هذا الرجل أفرج عنه فيما بعد، نظرا لأن السيد وزير التموين المستقيل قد أصدر توجيها، حمل رقم (1) لسنة 2014، قرر فيه إيقاف التحقيق فى كافة قضايا الفساد التى كشف عنها، بل وخاطب النائب العام، مطالبا إياه بحفظ المحاضر المحررة، وطلب تأجيل ما قدم منه إلى المحاكم الجنائية إلى أجل غير مسمى – حسب نص الخطاب - ، بل وطلب إرسال أحكام الإدانة إلى المحامى العام، للأمر بإرجاء تنفيذ العقوبة.
وهكذا أفرج عن هذا الرجل الذى اختلس 11 مليون جنيه، ولم ينل أى عقوبة، وهو أمر يعتبر تشجيعا مباشرا على الفساد، يجب الوقوف عنده طويلا.
"رئيس شعبة مخابز إسكندرية".. هذا الرجل يصرف 5 آلاف رغيف يوميًا
الفساد فى الواقعة أعلاه ربما كان ناتجا عن اختراق المنظومة الإكترونية، إلا أن هناك نوعا آخر من الفساد، الذى تم برعاية حكومية، بل بأوامر الحكومة، حصل "برلمانى" حصريًا، على مستند يفيد بقيام رئيس شعبة مخابز الإسكندرية، بصرف 5 آلاف رغيف خبز يوميًا، عن طريق ما يسمى بالكارت الذهبى، وهو الكارت الذى يسمح لصاحب المخبز بصرف خبز إلى المواطنين الذين لا يمتلكون بطاقات ذكية لمنظومة الخبز، أو المغتربين، بحد أقصى 1000 رغيف خبز.
ظهر فى المستند أن رئيس شعبة مخابز الإسكندرية، حصل على استثناء عن بقية مخابز الجمهورية لصرف 5 آلاف رغيف خبز يوميًا، دون الالتزام بالحد الأقصى، فى مخالفة صريحة للقواعد المنظمة لمنظومة الخبز.
وأشار المستند الذى أرفق بتقرير لجنة تقصى الحقائق البرلمانية، أن رئيس شعبة المخابز بالإسكندرية، قام بصرف الـ 5 آلاف رغيف كاملين، فى يوم 1 إبريل 2015، من خلال 129 عملية صرف، بمتوسط 39 رغيف فى العملية الواحدة، وهو الأمر الذى يثير العديد من الشكوك، إذ أنه من غير المعقول أن يتم صرف الحد الأقصى كاملًا للمواطنين فاقدى البطاقات والمغتربين فى يوم واحد.
جدير بالذكر أن اللجنة أشارت إلى أن الكارت الذهبى للخبز، والموزع على أصحاب المخابز، كان بمثابة بوابة خلفية للفساد وتهريب الخبز.
شركة كروت التموين للحكومة: موظفونا نفذوا تعليماتك فدخلوا السجن
ليست كل الأوامر الحكومية تسمح لأصحابها بسحب حصص تموينية مخالفة، فهناك من نفذوا تعليمات الحكومة فدخلوا السجن.
فأحد المستندات التى أرفقت بتقرير لجنة تقصى الحقائق، كانت عبارة عن خطاب موجه من شركة (smart) للكروت الذكية، إحدى الشركات الثلاثة المنتجة لبطاقات التموين الذكية، إلى وزير التخطيط، تشتكى فيه بأن مباحث التموين قاموا بالقبض على اثنين من المسؤولين فى الشركة، بعد قيامهما بتنفيذ تعليمات الوزير، بالسماح لبطاقات القائمة السوداء بصرف الخبز، وإيقاف الحظر المفروض عليها.
وبطاقات القائمة السوداء، هى البطاقات التى ثبت قيام أصحابها بالتلاعب بها، أو البطاقات المزدوجة، وهى البطاقات التى فقدت من أصحابها.
وفى لهجة تحذيرية غير معتاد توجيهها إلى الوزراء، أخبرت الشركة الوزير بأنها ستضطر إلى إلغاء تعليماته من تلقاء نفسها إذا لم يقم الوزير بإلغاء التعليمات خلال 24 ساعة.
مخبز يصرف 22 ألف رغيف فى 3 أيام لحركة "شباب عايز يعيش"
المحظوظون والسعداء الذين شملتهم التعليمات الحكومية بالرعاية، لم يكونوا فقط أصحاب المخابز، بل إن الأمر وصل إلى الحركات الشبابية، فمن بين المستندات، وفى واقعة قد تبدو طريفة لكنها محزنة، وتدل على حجم الفساد فى منظومة الخبز، انفرد "برلمانى" بالحصول على مستند يفيد بقيام أحد المخابز فى محافظة الإسكندرية بصرف 22 ألف رغيف خبز فى ثلاثة أيام لحركة تحمل اسم "شباب عايز يعيش".
وفى المستند الصادر من مديرية التموين بمحافظة الإسكندرية، طلبت الوزارة من شركة Avit، إحدى الشركات المسؤولة عن نظام الكروت الذكية إجراء التسويات اللازمة لتلك الواقعة.
وأرفق المستند فى تقرير لجنة تقصى الحقائق البرلمانية، برئاسة النائب مجدى ملك، فى إطار شكوى مقدمة من أصحاب المخابز، وجهت إلى الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، حول عدد من وقائع فساد منظومة القمح.
مواطنون أبلغوا عن واقعة استيلاء على مليونى طن قمح و"لم يتحرك أحد"
وإن كان هناك مختلسون، فهناك دوما شرفاء، ومن بين هؤلاء الشرفاء مجموعة من أصحاب المخابز، قاموا بمراسلة وزارة التموين، يستغيثون فيها من عمليات صرف وهمى للخبز، حيث حصل "برلمانى" على استغاثة تقدم بها عدد من أصحاب المخابز، للدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب، حول استيلاء عدد من المسؤولين بوزارة التموين والتجارة الداخلية على ما يعادل مليونى طن قمح، وتحويله إلى أرصدة وهمية على ماكينات صرف الخبز.
وذكر مقدمو الشكوى، أن الأمر يتم فى كل مخابز الجمهورية، ما يشير إلى شبكة فساد واسعة داخل وزارة التموين، مؤكدين أنهم حرروا محاضر حول هذه الوقائع وحركوا قضية بها، إلا أنه لم يتخذ أى إجراء بهذا الصدد، وهو ما اضطرهم لتصعيد الأمر إلى مجلس النواب.
مجلس النواب يعيد استغاثة المواطنين إلى وزير التموين من جديد !
الغريب أن مجلس النواب، أرسل الشكوى إلى وزير التموين للنظر فيها، رغم أنه هو المشكو فى حقه فعليا، قام بتحويل الشكوى إلى وزارة التموين، لاتخاذ ما يلزم بشأنها، إلا أن تقرير اللجنة لم يذكر قيام وزير التموين بالرد على الشكوى، أو فتح تحقيق فيها من عدمه.