السبت، 23 نوفمبر 2024 03:16 ص

محمود سعد الدين يكتب: كيف لم تنتفض الحكومة لأن الهجرة تضم أسرا للمرة الأولى وليس شبابا فقط؟.. كيف قصر الأمن فى ضبط السماسرة قبل الكارثة؟ ولماذا مرت 3 أيام دون خروج رئيس الوزراء معزّيًا؟

لماذا لم تعلن الدولة الحداد على ضحايا رشيد؟

لماذا لم تعلن الدولة الحداد على ضحايا رشيد؟ لماذا لم تعلن الدولة الحداد على ضحايا رشيد
السبت، 24 سبتمبر 2016 06:12 م
كاريكاتير إيهاب النوبى
بلغة الواقع، يواجه المهاجر غير الشرعى مسؤولية قانونية تتباين عقوبتها حسب قناعة القاضى، ولكن بلغة الإنسانية يستحق هذا المهاجر أن نقدم له ألف تبرير وتبرير لخطوة الإقدام نحو المجهول فى قلب البحر، أملا فى باب جديد للرزق على شواطئ أوروبا.

لم تشهد الدولة المصرية كارثة هجرة غير شرعية بقدر مركب رشيد، سواء فى العدد أو طبيعة المهاجرين، ووفقًا للمعلومات الرسمية فإن المركب كان على متنها ما لا يقل عن 450 مواطنًا من 4 جنسيات مختلفة، أغلبهم مصريون، وانتهى بنا الحال فى اليوم الثالث إلى انتشال ما يقرب من 162 غارقًا، وما زال العدّ مستمرًا حتى كتابة هذه السطور.

1


الظاهرة التى تحتاج إلى تحليل، أن مركب رشيد الغارقة لم تحمل على متنها شبابًا فى سن العشرين فقط، حالمين بحياة أفضل، بينما حملت أسرًا مصرية كاملة، أبًا وزوجة وأطفالهما، أسر مصرية قررت أن تهاجر وتركب البحر بعد أن ضاق بها الحال، أسر مصرية جميعها قادم من محافظات الدلتا والصعيد الفقيرة، المعلومات الأولية أن قرابة 10 أسر على الأقل كانوا على متن المركب، وهو أمر يزيد من غموض الحالة المصرية فى الهجرة غير الشرعية، البعض يرجعها إلى أن قوانين الهجرة واللاجئين فى أوروبا تسهل للأطفال دخول الأراضى الأوروبية، بينما الرأى الآخر أن الحالة الاقتصادية السيئة والارتفاع المتزايد للأسعار وندرة الوظائف الحكومية كانوا الدافع.

مهما كانت الأسباب، ومهما كانت الدوافع، علينا جميعا أن نعرف أن هناك وزارة فى حكومة شريف إسماعيل اسمها وزارة الهجرة، كان شعارها الأساسى طيلة الشهور الماضية التوعية ضد الهجرة غير الشرعية، ومن أجل ذلك وافق البرلمان على زيادة ميزانيتها، ولكن تأتى واقعة رشيد لتثبت أن هذه الوزارة، والسيدة نبيلة مكرم المسؤولة الأولى فيها، أخفقت فى مهمتها وحصلت علىZERO فى أهم وأخطر اختبار أمامها، لأنه بكل بساطة، أكبر واقعة هجرة غير شرعية جرى تنفيذها على الأرض المصرية بينما الوزيرة تتحدث يوميًّا فى الإعلام عن دورها البناء.

1n 3

على الجانب الثانى، من واقع الشهادات التى وردت إلينا من رشيد، على لسان الناجين من الغرق، فإن الإعداد للسفر بدأ منذ شهور، وعبر وسطاء وسماسرة واجتماعات فى أماكن مختلفة واتفاقات بسداد المبالغ نقدًا أو بإيصالات أمانة، ثم تجميع 450 شخصًا من 4 جنسيات مختلفة فى عنابر تربية الدواجن لمدة أسبوع، ثم نقلهم عبر زوارق صغيرة إلى المركب التى تبتعد عن الشاطئ 15 كيلو مترًا، ما يعنى أن هناك عملاً منظمًا من قبل عصابة هجرة غير شرعية، ولكن للأسف لم تنتبه أجهزتنا الأمنية لهذا العمل ولا للعصابة، وأفاقت بعد أن غرقت المركب فى قلب البحر، لم تنتبه للجنسيات المختلفة المترددة على رشيد، ولم تنتبه للتحركات المشبوهة لمراكب الصيد والزوارق الصغيرة على مدار 48 ساعة، لم تنتبه لكل هذا، وهنا لا تحدثونى عن أن الأجهزة الأمنية غير مقصّرة، لا تكرروا عبارات "هى الداخلية هتعمل إيه.. المواطن اللى دفع 30 ألف علشان يسافر هو اللى موّت نفسه بإيده".

أعتقد أن الداخلية كان عليها أن تفعل الكثير، مثلما خرجت علينا اليوم - فى بيان صحفى - عن إلقائها القبض على مجموعة تنشر الإحباط فى الشارع، كان من الأصل أن تخرج علينا ببيان صحفى قبل أسبوع أو اثنين أو ثلاثة، بأن معلوماتها توصلت إلى قيام أصحاب مراكب صيد باستغلال الشباب والترويج لعمليات هجرة غير شرعية بمقابل مادى، وكان الأصل أن تقوم بدورها فى مكافحة الجريمة قبل وقوعها، لا أن تفيق بعد غرق المركب.

1n 4

أخيرًا، 3 أيام متتالية وأرقام الغرقى تتزايد، والأحزان تنصب يوميًّا فى قرى أهالينا بالصعيد والفلاحين، بينما الدولة المصرية، والدولة هنا حكومة ووزارات، لم يخرج أى مسؤول رسمى فيها فى مؤتمر صحفى يقدم العزاء للضحايا، لم تعلن الدولة الحداد، ولم تشرح لنا كيف تم الترتيب للهجرة غير الشرعية، وكيف جرت وقائعها وكيف تمت بعيدًا عن أعين الأجهزة الأمنية؟ وكيف علمت الدولة بالواقعة من الأساس؟ وكيف تعاملت معها؟ وكيف انتهى بنا الحال لمشاهد مؤلمة، مثل مشهد الطفل الغريق ووالدته، ومشهد الكلبشات فى يد أحد الناجين من الغرقى، وكأننا نعاقبه على النجاة بالكلابشات؟
ويبقى السؤال الأهم.. إذا لم تعلن الدولة الحداد الآن، فمتى تعلنه؟!












print