مزيج ما بين الروتين الممل، وعدم تقدير المسؤولين للمهام الملقاة على عاتقهم، ينتج عنه معاناة يعيش المصريون بين طياتها لعقود مضت.. هذا يُعد بمثابة توصيف لمّا فعلته وزارة التضامن الاجتماعى برئاسة غادة والى قبل انطلاق العام الدراسى بعدما تسببت فى واقعة هى الأولى من نوعها بإغلاق أبواب المبيت الداخلى فى وجه طلاب من المراحل التعليمية المختلفة، ومتدربات من ذوى الإعاقة "مكفوفين"، بالمركز النموذجى للمكفوفين بجسر السويس، نظرًا لعدم تعيين "مُفوّض" لإدارة الجمعية، بسبب سفر الوزيرة للخارج مما عطل الأمور التى كادت أن تتفاقم لولا حلول ودية، وتدخل النائب خالد حنفى ومعه المدير الإدارى للجمعية، ومسؤول التربية البصرية بوزارة التربية والتعليم.
تراخى وزارة التضامن
الواقعة المذكورة أعلاه، تعود بداية تفاصيلها إلى منتصف شهر سبتمبر، بعدما بات مجلس إدارة الجمعية "المركز النموذجى للمكفوفين" فى حكم المنحل، إذ تقدم عدد من أعضاء المجلس باستقالتهم ولم يتبق سوى رئيس مجلس الإدارة، الذى كان متعنتا فى الإجراءات، وذلك وفقًا للخطابات الرسمية الصادرة من إدارة التربية البصرية بوزارة التربية والتعليم.
هذه المعضلة القانونية كانت تستلزم تحركا فوريا من قبل وزارة التضامن من أجل تعيين "مفوض" لإدارة المركز لفترة زمنية لحين الدعوة إلى جمعية عمومية تقوم بانتخاب مجلس إدارة جديد، إلا أن هذا التصرف لم يتم، وبناءً عليه فإن كافة الإجراءات التى من المفترض أن تتخذ من أجل بداية العام الدراسى الجديد كلها توقفت رغم أهميتها.
الإجراءات العاجلة المفترض اتخاذها مع بداية العام الدراسى، والتى تعثرت فى بادئ الأمر بسبب تلك الإشكالية الروتينية تمثلت فى فتح أماكن المبيت لكل من بعثة تدريبية من كافة المحافظات تتكون من فتيات وشباب يأتون للتدرب على تدريس المكفوفين لمدة عام، إضافة إلى طلاب المراحل التعليمية "الابتدائى والإعدادى والثانوى"، الذين يلتحقون بالقسم الداخلى لمدرسة المركز النموذجى للمكفوفين.
وبخلاف فتح الأقسام الداخلية، يجب فى بداية كل عام دراسى تجديد عقود المشرفين، الذين يتعاملون مع البعثة والطلاب، وكذلك العاملات والطباخين، نظرًا لأنه لا يوجد سوى 5 أفراد مثبتين فقط فى شؤون الرعاية، بينما الباقين يتم ربطهم بعقود ثانوية تُجدد مع كل عام دراسى، وهنا تمثلت الأزمة الثانية، كل هذا حدث وهناك مشكلة أخرى متعلقة بصرف رواتب الموظفين والعاملين بالمركز النموذجى أنفسهم.
الشارع مصير طلاب ومتدربات مركز المكفوفين
فى 25 سبتمبر الماضى، وصلت الأزمة ذروتها بعدما وصل الطلاب من المحافظات المختلفة، وكذلك أفراد البعثة إلى القاهرة من أجل بداية العام كالمعتاد لكن بالنسبة لأفراد البعثة وجدوا مفاجأة فى انتظارهم وهم 5 فتيات إحداهن من محافظة قنا، بأنهن لن يتمكن من الدخول إلى المبيت بسبب طلب رئيس الجمعية السابق 30 جنيهًا من كل معلم، بينما الطلاب تم إبلاغهم بأن الرعاية الداخلية مغلقة نظرًا لعدم وجود مفوض يعطى أمرا بفتحها.
ووفقًا لرواية أحد العاملين فى المدرسة رفض ذكر اسمه كان الوضع أمام المدرسة أشبه بتظاهرة بعدما تجمع الطلاب وأولياء أمورهم أمام الأبواب للدخول لكن تم إبلاغهم بعدم وجود قرار يسمح لهم بهذا، مما دفع عواطف محمود، مدير شؤون الطلبة والرعاية الداخلية بالمركز النموذجى للمكفوفين باصطحابهم لنادى المدرسة وتوضيح الموقف، وإعطائهم وعد بحل الأزمة سريعًا وبناء عليه ترك عدد من الأولياء متاعهم فى حجرات الأمن والإقامة على أن يعودوا فى اليوم التالى.
تدخل برلمانى يحل جزءا من الأزمة
تطور الأوضاع دفع النائب خالد حنفى، عضو مجلس النواب، وأحد ممثلى ذوى الإعاقة تحت القبة للتدخل، وبالفعل نجح فى عقد اتفاق مع عبد السلام شفيق خفاجى، المدير الإدارى للجمعية، ومعهم كريم عاطف بأن يتم فتح الرعاية الداخلية ومبيت البعثة على مسؤولية شخصية لـ"المدير الإدارى للمركز"، والذى قام بدوره أيضًا بالتواصل مع المشرفين والعاملات وإقناعهم بالعمل بشكل ودى لنهاية شهر سبتمبر حتى يتم حل الأزمة الإدارية.
كريم عاطف، مدير إدارة التربية البصرية بالإدارة العامة بوزارة التربية والتعليم، كشف أنه فور بداية بوادر الأزمة وتوالى الاستقالات على مجلس إدارة الجمعية، تم التواصل مع مسؤولى وزارة التضامن من أجل سرعة تعيين مفوض لإدارة الأمور لكنهم تعللوا بأن الوزير فى الخارج، ولن يتمكنوا من فعل هذا لاسيما أن هناك برتوكولا ما بين وزارة التربية والتعليم والتضامن منذ عقود مضت لاستقبال البعثة التدريبية كل عام.
وقال مدير إدارة التربية البصرية، إن حالة من القلق والتوتر سيطرت عليه تجاه مصير الفتيات القادمات من المحافظات، وكذلك الطلاب وذويهم لاسيما أنهم مكفوفين ولن يتمكنوا من تدبير مكان آخر للمبيت لحين حل الأزمة، ورغم محاولات استعجال مسؤولى التضامن لم تأت الردود على قدر التوقعات، مضيفًا: "الحمد لله تم حل الأزمة بجهود شخصية سواء النائب خالد حنفى أو المدير الإدارى للمركز الذى استجاب إلى مطالبنا".
هجوم على غادة والى.. والسفر للخارج
بينما أوضح عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان، تفاصيل الأزمة قائلا: "آخر مصائب وزارة التضامن الاجتماعى والوزير غادة والى كان عندى أطفال وفتيات هيباتوا فى الشارع بسبب أن الوزيرة مشغولة بالتجول وراء السيد الرئيس والسفر فى البلاد المختلفة، ولا تجد وقتًا حتى تُعين "مفوضا" مؤقتا لحين الدعوة لجمعية عمومية لانتخاب مجلس إدارة جديد بعد استقالة المجلس القديم، لاسيما أن موعد العام الدراسى كان قد اقترب ولابد من الإسراع فى اتخاذ القرارات الجديدة".
وتابع حنفى: "لو الوزيرة غير قادرة على إدارة التضامن الاجتماعى وغير قادرة أيضًا على اختيار شخص ينوب عنها فى أوقات غيابها، يفضل أن ترحل وتتفرغ لسفرياتها، وتنقلها فى البلاد المختلفة".
ويرى حنفى، أن وزيرة التضامن أبعد ما يكون عن الإحساس بالرحمة والشفقة حتى تترك أطفال وفتيات جاءوا من الأقاليم المختلفة للمبيت فى الشارع، ومواجهة المصير المجهول، مؤكدًا أنه لولا تدخله مع المسؤولين فى وزارة التربية والتعليم ممثل عنهم كريم عاطف المسؤول عن ملف التربية البصرية والمدير الإدارى للمركز عبد السلام شفيق الذى قام بعمل محضر وكتب تعهد على نفسه لكان الأطفال استمروا فى الشارع بدون مأوى.
ولفت عضو مجلس النواب إلى أن الأزمة الأبرز فى وجهة نظره تخص المدرسات الكفيفات اللواتى كن مهددات بالمبيت فى الشارع، لاسيما أن مجيئهن للقاهرة فى بداية العام الدراسى ليس مفاجأة إنما هن عبارة عن بعثة تخصصية تأتى للتدريب كل عام، وفقًا لاتفاق مبرم ما بين وزارة التربية والتعليم والمركز النموذجى منذ خمسينات القرن الماضى، وصدر له قرار رقم 189 لسنة 1972، ينص على استقبال المركز لفتيات وشبان يأتون كل عام من أجل تلقى التدريب حتى يقوموا بالتدريس فى المحافظات المختلفة فيما بعد.
وأكد "حنفى"، أنه تواصل مع كمال الشريف رئيس قطاع مكتب الوزيرة، وكذلك اللواء محمد درويش مستشار الوزير لشؤون الاقتصاد السياسى، ولم يحرك أحدا منهم ساكنًا فى البداية، ليتدخل من أجل تعيين مفوض لإدارة المركز، وبعد عدة أيام قاموا بالإعلان عن عقد لجنة من أجل استكشاف الوضع فى المركز.
وأوضح البرلمانى أن ما حدث فى المركز النموذجى فى بداية العام عار أن يحدث فى مصر فى وقت يناقش قانون لذوى الإعاقة، مطالبًا بضرورة إبعاد وزارة التضامن عن إدارة شؤون ذوى الإعاقة فى مصر.
الوضع الحالى.. واستمرار التعقيدات البيروقراطية
بعد تدخل النائب خالد حنفى ومعه مسؤول التربية والتعليم والمدير الإدارى، هدأت الأوضاع بشكل نسبى، لكن الأزمة مازالت مستمرة، ولم يتم التعجيل بتعيين مفوض لتسيير الإجراءات، لذا أجرى "برلمانى" زيارة لمقر الجمعية والمدرسة للتعرف على آخر الأوضاع.
بالنسبة للأوضاع فى الجمعية حاليًا يقول رامى عصام، المدير الإدارى للبعثة بالمركز النموذجى للمكفوفين، إنهم يطالبون وزارة التضامن بالنظر بعين العطف إلى 300 أسرة أحوالهم معطلة بسبب عدم وجود مفوض مؤقت لتسيير الأمور سواء رواتب شهرية أو بدلات أو حوافز أو سلف، فكل شىء متوقف، مؤكدًا أنهم توجهوا إلى الوزارة أكثر من مرة، وتم إبلاغهم بأن الوزيرة فى الخارج وغير متواجدة فى الفترة الحالية.
وكشف "رامى"، أن السماح لبعثة الفتيات كان على مسؤوليتهم الشخصية مع المدير الإدارى، لاسيما أن خطاب قد وصله فى 20 سبتمبر بمجىء البعثة لكن لم توجد تأشيرة لفتح المبيت لعدم وجود من يدير والمجلس فى حكم المُنحل، مضيفًا: "لا يمكن غلق الباب فى وجه كفيف أو كفيفة أتوا من المحافظات المختلفة رغم أن الفتح كان غير قانونى لكنها مسؤولية إنسانية".
وأشار المدير الإدارى للبعثة إلى، أن المركز يمتلك مطبعة هى الأفضل على مستوى الجمهورية فى طباعة كتب بطريقة برايل لكنها توقفت فى الفترة الحالية بسبب عدم وجود خامات، وفى نفس الوقت لا يمكن اعتماد أى مبلغ مالى من أجل شراء خامات مالية، مضيفًا أن من ينتجون تلك الكتب يحق لهم علاوات تشجيعية أو ما يسمى بالمقايسة، ويحق لهم قبض ثلاثة مقايسات حتى الآن، لافتًا إلى أنه مشرف على فريق الموسيقة العربية الذى لم يتقاض رواتب عن شهر أغسطس، والوضع نفسه مستمر بالنسبة لشهر سبتمبر.
عبد السلام شفيق خفاجى، المدير الإدارى للمركز حاليًا، أكد على أن الأمور مستقرة بشكل كبير بعد فتح مبيت البعثة والرعاية الداخلية للمدرسة التى تعمل بشكل طبيعى، وإقناع المشرفين والعاملات والطباخ بالاستمرار فى أماكنهم لحين تعيين مفوض من أجل توقيع العقود وتقاضى الرواتب فى بداية الشهر، مشيرًا إلى أن هناك لجنة جاءت من وزارة التضامن من أجل رؤية الأمور على أرض الواقع فى الأسبوع الماضى، والجميع فى انتظار القرار النهائى حتى يتم إنهاء كافة الإجراءات المعلقة فى الفترة الحالية، ومنها أزمة الرواتب التى تأخرت هذا الشهر.
وبالنسبة للمدرسة، كشفت عواطف محمود، مدير الرعاية الداخلية بالمركز النموذجى، أنها تستقبل كافة الطلاب القادمين من المحافظات فى أى توقيت بعدما حدث فى بداية العام الدراسى، مؤكدة أن لديها حاليًا 45 طالبا، فيما مايزال الباقين يتوافدون على المركز، مشيرة إلى أن الإدارة كانت جاهزة من قبل إجازة العيد لاستقبال الطلاب.
ولفتت مدير الرعاية الداخلية إلى أنه تم إقناع عدد 3 مشرفات، ودورهم المبيت مع الطلبة 24 ساعة، والحصول على إجازة أسبوعية، و4 عاملات والطباخ بالاستمرار فى عملهم لحين توقيع العقود، وبالفعل استجابوا والأمور تسير بانتظام، على أمل تحقيق وعد مدير الإدارة بالوفاء بعهوده معهم.