لا يمكن للمدقق فى قضية إثبات أو بطلان عضوية نائب حزب المصريين الأحرار، أحمد مرتضى منصور، أن يتوقف فيها عند حدود كونها إجراء شكليًّا يرتبط بنصوص تشريعية ولائحية تنظم عضوية نواب البرلمان المصرى، نظرًا لكونها تحمل عددًا من السوابق والأسس التى راهن عليها المجتمع فى إطار بداية جديدة لبرلمان ما بعد 25 يناير، وهذه الرؤية تؤكدها متابعات تفاصيل القضية، وآراء النواب فيها، ومواقف الهيئات البرلمانية، وكواليس ما دار بشأنها، بداية من منطوق حكم القاضى وحتى يومنا هذا، الذى يشهد عقد الجلسة الثانية من دور الانعقاد الثانى، دون أن تظهر على السطح أيّة بوادر حسم للقضية التى اعتبرها اكثيرون أخطر الأزمات التى يواجهها مجلس النواب منذ انعقاده حتى الآن، كونها متعلقة بحكم قضائى واجب النفاذ.
القضية سابقة.. وحالة أولى منذ إلغاء مبدأ "سيد قراره"
بداية، تمثل القضية الحالة الأولى للفصل فى صحة عضوية نائب بعد إبطال مبدأ (سيد قراره) الذى هيمن على الحياة النيابية طوال عقود، وأفقد الأحكام القضائية قدسيتها وصلاحيتها للتنفيذ، بل وتسبّب فى بعض الحالات فى النيل من مكانة وقيمة القاضى ذاته، فى إطار دوره داخل العملية الانتخابية.
ثانيًا، تختلف القضية فى ارتباطها بطريقة وعمل القاعة العامة للمجلس، بما تحويه من نواب بعضهم معرّضون لطعون وأحكام قد تأتى مشابهة فى مضمونها مع ما يتعلق بعضوية النائب أحمد مرتضى، ومن ثمّ فآلية وطريقة التصويت وتنفيذ القرار ستكون هى ذاتها متى تكرر الأمر مع أى منهم.
المواد الحاكمة لبطلان عضوية نائب وتصعيد آخر
الواقع أن المشرع حدد طريقا دستوريًّا وتشريعيًّا للفصل فى صحة عضوية الفائز بمقعد البرلمان، إذ نصت المادة 107 من الدستور على أن: "تختص محكمة النقض بالفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، وتُقدم إليها الطعون خلال مدة لا تجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخاب، وتفصل فى الطعن خلال ستين يومًا من تاريخ وروده إليها، وفى حالة الحكم ببطلان العضوية تبطل من تاريخ إبلاغ المجلس بالحكم"، وهو النص الذى شرحته المادة 384 من اللائحة الداخلية للمجلس، بتحديدها أن "يخطر الرئيس المجلس بحكم محكمة النقض بشأن بطلان عضوية أحد أعضائه فى أول جلسة تالية لورود الحكم، ويعلن المجلس خلو المكان ويخطر بذلك من صدر فى شأنه الحكم"، كما نصت المادة 392 على أن: "يبلغ وزير الداخلية رئيس المجلس بوفاة أى عضو من أعضائه خلال ثلاثة أيام من تاريخ الوفاة، ويخطر الرئيس المجلس فى أول جلسة تالية لتأبين العضو المتوفَّى، وإعلان خلو مكانه، وإذا خلا مكان أحد الأعضاء بالحكم بإبطال عضويته أو بالاستقالة أو بإسقاط العضوية أو لغير ذلك من الأسباب، يعلن رئيس المجلس خلو مكانه فى الدائرة فى الجلسة التى أخطر فيها المجلس بحكم بطلان عضوية أحد أعضائه، أو صدر فيها قرار قبول الاستقالة أو إسقاط العضوية، ويخطر رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات بخلو المكان خلال سبعة أيام من تاريخ إعلان ذلك بالمجلس، لاتخاذ الإجراءات اللازمة".
ماذا قال مرتضى منصور عن حكم إسقاط عضوية نجله؟
بوصول الحكم لمجلس النواب، أدرجه رئيس المجلس - التزامًا بالنص الدستورى - على جدول أعمال الجلسة رقم 85 بتاريخ 25 يوليو 2016، للإخطار، إلا أن المجلس فتح الباب للتعليق والتعقيب، مفتتحًا بالنائب مرتضى منصور، والد المطعون ضده ومحاميه، إذ بدأ كلمته بالقول: "أؤكد احترامنا لأحكام القضاء، لا مزايدة عليه، فأنا كنت قاضيًا، كنت رئيسًا لمحكمة، وأحمد مرتضى محامٍ، وأنا هنا لا أتحدث عن أحمد مرتضى بصفتى أبًا يتحدث عن ابن، ولا أتحدث عنه بصفته شابًا، فالسيد الرئيس يشجع الشباب، ويده دائما فى يد الشباب، ولكن أتحدث عن نائب فى البرلمان، وأتحدث عن دستور، وعن قانون، وعن تنازع السلطات، وعن حكم صدر اليوم"، ليبدأ النائب مرافعته قائلاً: "إن ما حدث بالضبط، أن لجنة الفرز الفرعية كانت تفرز، وحسبت الأصوات، هذا له 100 صوت والآخر له 50 صوتًا، ثم ذهبت للجنة العامة، هذا له 100 صوت والآخر له 50 صوتًا، ولم يتقدم الطاعن فى الحكم الوارد لحضراتكم بأى طعن أو تظلم، وهذا ليس كلامى، بل كلام المحكمة عندما سألته هل تقدمت بتظلم فى لجنة الفرز؟ فقال الطاعن نعم، ثم سألت المحكمة وقالت أين؟ قال الطاعن شفويًّا.. ما هذا؟ هل تمزح؟ شفويًّا؟
ومن يثبت أنك قدمت طعنا شفويًّا؟.. أنا يشرفنى بأن أحمد مرتضى نائب لأنه لم يسافر إلى أمريكا وقال يسقط حكم العسكر، أحمد مرتضى محترم مع بلده ومع جيش بلده، المادة 54 تقول إن على الطاعن أن يقدم تظلّمًا للجنة العامة كتابيًّا، يكون مشفوعا بالمستندات، وعلى اللجنة العامة كتابة مذكرة ترفقها إلى اللجنة العليا، وتقول لها ملاحظاتها، فإن لم يحدث هذا فإنه طبقا للمادة 55 لا يُقبل أى طعن ضد أى نائب"، مؤكدا أن اللجنة العليا أرسلت لرئيس المحكمة وقالت له إن هذا الرجل لم يقدم تظلّمًا وجوبيًّا، بالآلية المنصوص عليها فى المادة 54، و"عندما تأتى حضرتك لتقرأ الحكم تجد أن هذا الخطاب تم إقصاؤه من الورق، من أجل ذلك فأنا لا أُحمّل القاضى المسؤولية، أخفى يا سيادة الرئيس من الورق، لأن هذا الخطاب لو كان موجودًا ما كان رئيس المحكمة قد حكم إلا بعدم قبول الطعن".
على عبد العال يحذر مرتضى منصور
إزاء هذه السخونة نبه رئيس المجلس، الدكتور على عبد العال، النائب مرتضى منصور، قائلاً: "سيادة النائب، نحن نحترم ونقدر ونجل أحكام المحاكم، وعلى رأسها محكمة النقض، ونحن حاليًا لا نناقش الحكم إطلاقًا، فالحكم نحن ملزمون به، هذا ما أردت قوله"، إلا أن النائب رد بأن "القاضى أخطأ أخطاء جسيمة موجودة لدى سيادتك بالعريضة، وبينى وبينه خصومة الآن بالمحكمة، وأنا لا أجرّح فى القاضى، فى هذا الحكم لا يجوز أن تكون اللجنة العليا دون غيرها هى التى تعلن نتيجة الانتخابات ثم تأتى محكمة وتصدر قرارها بالبطلان وتعلن فوز المرشح الآخر هذا لا يجوز".
مرتضى منصور يفجر مفاجأة
وفجر النائب مرتضى منصور قنبلة بقوله: "لقد جاء المجلس اليوم خطاب للسيد الأمين العام، ولحضرة رئيس المجلس، بأن هناك طعنًا آخر كان ضد أحمد مرتضى، ورُفض هذا الطعن وحُكم بصحة عضويته، فلديك حكمان، فبأى منهما ستأخذ؟ نعم من نفس المحكمة على نفس الدائرة الانتخابية، وهو حكم، وهذا هو الغريب فى الأمر، يرتبط بنتيجة الجولة الأولى من عملية الاقتراع بالدعوى 38 لسنة 85 قضائية، من مدحت عبد الغفار الحناوى، مرشح مستقل رقم 27، ضد أحمد مرتضى منصور، طعنًا على نتيجة مجلس النواب بالدائرة الحادية عشرة، ومقرها قسما شرطة الدقى والعجوزة بمحافظة الجيزة".
وينتهى مرتضى منصور من مداخلته أو مرافعته، قائلاً: "لذا أقترح الآتى، إما أن نأخذ بحكم صحة العضوية لأنه نائب موجود، وكما ذكرت لسيادتكم أننى لا أُجرّح فى الحكم، وقد قمت برفع دعوى مخاصمة وسيادتكم علمتم اليوم، وإما يُحال الطلب إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، لتقوم بطلب الأوراق وفحصها، ونبحث كيف يصدر حكمان عن واقعة واحدة داخل دائرة واحدة، الأول بعدم الصحة والآخر بالصحة".
المصريين الأحرار يكشف موقفه من إسقاط عضوية نائبه أحمد مرتضى
يتحول (الإبلاغ) الذى نصت عليه المادة 107 من الدستور إلى عدد من طالبى الكلمة، الذين يدورون فى السياق ذاته، بداية من النائب علاء عابد، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار - الحزب الذى ينتمى إليه النائب المطعون ضده - والذي يقول: "حقيقة أرى العديد من التفسيرات، ونحن الآن بصدد سن سنة جديدة قد تكون حسنة وقد تكون سيئة، ليس للفصل التشريعى الواحد، ولكن لجميع الفصول التشريعية القادمة، ويجب أن نعلم أن مصطلح سيد قراره قد استمرّ لأكثر من ثلاثين سنة فى هذا البرلمان، وأصبحت أحكام المحكمة التى تأتى يُضرب بها عرض الحائط، ونحن لا نريد أن نحيى ذلك، ولكن نريد إرساء قواعد قانونية وقواعد تشريعية من خلال سلطتين يحتكم إليهما الشعب".
إيهاب الخولى يحذر من حكمين متناقضين فى القضية نفسها
أما النائب إيهاب الخولى، نائب رئيس حزب المحافظين، فقد تحدث عن الأمر قائلاً: "الإشكالية أن هذا الحكم قد صدر من محكمة النقض، ولدينا حكمان متناقضان كلاهما يسير فى وادٍ بعيد عن الآخر، فالرأى الأصوب فى هذا الأمر - وأناشد السادة النواب المحترمين أن يسيروا فى هذا الاتجاه - أن نعرض الأمر برمته على لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية لتتبين حقيقة الأمر".
بينما قال النائب صلاح حسب الله، ممثل الهيئة البرلمانية لحزب الحرية: "لا بد أن نتأنى فى اتخاذ القرار، لأن محكمة النقض نفسها هى من وضعتنا فى هذا الموقف، فمحكمة النقض نفسها صاحبة الاختصاص فى البت فى صحة عضوية نواب المجلس هى من أخطرتنا بحكم أنه صحيح وآخر أن عضويته باطلة".
ماذا قال حزب الوفد عن الحكم؟
أخطر ما ورد فى هذا الأمر كان فى مداخلة عيد هيكل، عضو مجلس النواب عن حزب الوفد، الذى تولى تفسير النص الدستورى حول اختصاص محكمة النقض، قائلاً: "أرى من وجهة نظرى الشخصية أن محكمة النقض، وأقول للإخوة المطعون فيهم، ليس لها الحق إلا أن تنظر فى شيئين منذ بدء التصويت، فكل ما سبق بداية عملية التصويت من اختصاص اللجنة العليا والقضاء الإدارى ومجلس الدولة، فمحكمة النقض تنظر لشيئين، هما الفرز والكشوف إذا لم تكن غير موقعة".
الغريب أنه بنهاية هذه المداخلات من قبل النواب، تعليقًا على رسالة إبلاغ المجلس بحكم محكمة النقض ببطلان صحة عضوية النائب أحمد مرتضى منصور، عرض رئيس المجلس اقتراحا باسم النائب علاء عابد - رغم كون أول من طلبه النائب مرتضى منصور - بإحالة الموضوع إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، لبحثه فى ضوء المناقشات، وإعداد تقرير عنه يعرض على المجلس، وهو ما وافق عليه النواب تأسيسًا لقاعدة يمكن أن يكون فيها الخلاص من مواقف قد تكون مشابهة قريبًا.
خناقات وسباب ووعيد داخل اللجنة التشريعية والنتيجة "صفر"
طوال مدة تجاوزت 60 يومًا، شهدت 11 جلسة عامة عقدها المجلس فى دور انعقاده الأول، وكذا خلال إجازته البرلمانية، عجزت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية عن الوصول لقرار فى القضية، خصوصًا مع تواجد وتلاسن النائب مرتضى منصور مع بعض أعضاء اللجنة، إذ دخل فى صدام كاد يصل للاشتباك بالأيدى مع النائب أحمد الشرقاوى، الذى طالب اللجنة بإصدار قرارها، ليرد عليه النائب مرتضى منصور: "استنّى واتعلّم"، وهو ما أثار الشرقاوي ليرد: "إحنا نعلّمك ونعلّم اللى زيّك"، ليرد مرتضى: "استنى واتعلّم وبعدين احترم عقلى"، ليرد الشرقاوى ثانية: "انت أساسًا مليكش وجود فى اللجنة، انت مش عضو فيها".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ اتهم مرتضى منصور أعضاء اللجنة بتقاضى رشاوى من الطاعن الدكتور عمرو الشوبكى، صارخًا: "اللى خد فلوس من الشوبكى يرجعها"، ودخل فى صدام آخر مع النائب علاء عبد المنعم، قائلاً له: "انت شوهتنا علشان الشوبكى بتاعك"، وهو ما تسبب فى رفض النائب بهاء أبو شقة، رئيس اللجنة التشريعية، الاستمرار فى نظر الموضوع، إذ قرر التنحى عن رئاسة اللجنة حال نظر حكم النقض بشأن أحمد مرتضى، قائلاً: "إزاء ما حدث فى جلسات سابقة أرى بالنسبة لنفسى أن أتنحى عن رئاسة اللجنة بالنسبة لهذا الموضوع، ونرفع الأمر لرئيس المجلس، ويُعرض غدًا عليه".
ودافع النائب منجود رشاد الهوارى، عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية عن اللجنة، قائلاً: "اللجنة لم تتباطأ فى أداء عملها سوى لبحث الأمر قانونيًّا ودستوريًّا، لأننا أمام حكمين، حكم يثبت أن النائب أحمد مرتضى عضويته صحيحة، وحكم آخر بالعكس، يثبت أنه قانونا خارج المجلس، وكل حكم فيهما من طاعن وخصم مختلف، والحكمين محتاجين دراسة قانونية متأنية".
توقيع لـ48 شخصية عامة يعيد الأزمة للسطح مع بداية دور الانعقاد الثانى
مع بداية دور الانعقاد الثانى لمجلس النواب، وفى مواجهة ما رآه البعض تباطؤًا فى التعامل مع القضية، أصدر عدد من الشخصيات العامة، على رأسهم عمرو موسى، ومجدى يعقوب، ونبيل فهمى، وزياد بهاء الدين، ومحمد غنيم، ونور فرحات ومحمد أبو الغار، وعدد من نواب تكتل "25/ 30" البرلمانى، والنواب علاء عبد المنعم ومحمد أنور السادات وأكمل قرطام، بيانًا يطالبون فيه "بتنفيذ حكم أعلى سلطة قضائية فى مصر، أى محكمة النقض الخاصة بتصعيد عمرو الشوبكى نائبًا فى البرلمان، باعتبارها قضية لا تخص مجلس النواب فقط، ولا الأشخاص الذين شملهم حكم المحكمة، إنما تتعلق بثقة المواطنين فى مجلسهم التشريعى، ومدى احترامه لأحكام القضاء، وكلها أمور تنعكس بشكل مباشر فى ثقة المواطن المصرى ومؤسساته النقابية والمهنية والسياسية فى نظامه السياسى، وفى القلب منه مجلس النواب".
وأضاف الموقعون فى بيانهم: "إن دفاعنا عن احترام الدستور ودولة القانون لا يعنى فقط ضمانة لحرية الرأى والتعبير، واحترام حقوق الإنسان وكرامته، إنما قدرة أكبر للمجتمع على المبادرة والمشاركة فى صنع قراره من خلال شعوره بالأمن، وأن حقوقه وواجباته تضمنها الدولة، بصورة لا تمييز فيها بين الغنى والفقير وصاحب الحظوة والصوت العالى والمواطن العادى، وكلها أمور تعمق من انتماء الشعب لوطنه بحفظ الحقوق لا بالشعارات، وتخلق أيضًا مناخًا آمنا للاستثمار وحركة السياحة، وصورة إيجابية لمصر أمام العالم، كبلد يحاول أن يحقق إنجازات رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وتحدى الإرهاب".