كتب مصطفى النجار
"لماذا تحارب عسكريًّا، رغم أن الحرب الاقتصادية أقل تكلفة ماليًّا وبشريُّا وأكثر أثرًا؟"... هذه المقولة العسكرية أصبحت إحدى أدوات الحرب منذ القرون الوسطى، وقد أثبتت فاعلية كبيرة فى حروب الامبراطوريات الاستعمارية فى أوروبا لاستنزاف الموارد وتدمير الحالة النفسية للشعوب، وإخضاع قادة الدول والمستعمرات الأجنبية بدون عناء، وهى الاستراتيجية نفسها التى تنتهجها جماعة الإخوان الإرهابية لكسر شوكة النظام المصرى عبر سلاح الاقتصاد، واستنزاف الموارد المالية، وزيادة أسعار السلع والخدمات بشكل غير مباشر، بالتعاون مع أجهزة مخابراتية أجنبية وشركات متعددة الجنسيات ووكلاء تجاريين دوليين.
توجه الجماعة الإرهابية يستهدف زعزعة سوق الصرف والوصول بالدولار لـ16 جنيها
يستهدف هذا التوجه أمرين، الأول زعزعة سوق الصرف والوصول بسعر الدولار لحاجز 16 جنيهًا و5 قروش فى السوق السوداء، ومن ثمّ تحميل المواطنين خسائر فادحة فى المدخرات التى سحبوها من البنوك لشراء الدولار، وإحداث توتر فى سعر صرف العملات الأجنبية، خاصة الدولار الأمريكى الأكثر طلبًا فى السوق المحلية، ما يزيد من نسب خروج المستثمرين الأجانب لعدم استقرار الاقتصاد، لأنهم بذلك لن يستطيعوا إجراء دراسات جدوى اقتصادية للمشروعات، وتقدير معدلات الإنفاق على الأصول والتشغيل أو الإنتاج والربح وكيفية تحويل الأرباح للشركات الأم، ومن ثمّ يهربون من الاستثمار فى مصر.
نشطاء الجماعة الإرهابية يروجون لتجميد المدخرات فى صورة ذهب
كانت الفترة الماضية قد شهدت ترويج نشطاء الجماعة الإرهابية لأن الذهب، وهو المعدن النفيس صاحب القيمة المتزايدة، أو الثابتة على أقل تقدير، أصبح أفضل وسيلة للاستثمار وادخار الأموال بدلًا من وضعها فى البنوك، وهو أمر صحيح عمليًا بالتأكيد، لكن الترويج لهذا الاستثمار يتسبب فى سحب كميات كبيرة من المدخرات من خزائن البنوك لشراء مجوهرات مختلفة، ما يُنشّط سوق الذهب مؤقتًا، لكن وبعد أشهر أو أسابيع قليلة جدًا من الاستجابة لهذه الدعوات، سيؤدى الأمر إلى تراجع الموارد المالية فى البنوك، ومن ثمّ اضطرار البنوك لتقليل محفظة القروض وهى الغطاء المخصص لمنح قروض لرجال الأعمال لإقامة مشروعات تجارية واستثمارية مختلفة، وكذلك تقليل الإقراض لشراء السيارات والعقارات، إلى جانب القروض الشخصية، وينعكس ذلك على الشارع فى صورة سخط شعبى على الإدارة والحكومة، فتخرج مظاهرات تطالب بعزل الحكومة وتتصاعد الاحتجاجات الاقتصادية الفئوية، لتظهر دعوات عن طريق شباب الإخوان الذين يديرون بالفعل الحرب الاقتصادية عبر مواقع التواصل الاجتماعى خاصة "فيس بوك"، عبر صفحات تجارة العملة وبعض الصفحات الشخصية للقيادات الشابة، التى تروج من عدة أشهر لعدد من الأزمات الاقتصادية، بدأت بزلزلة سعر الدولار بعد سحبه عن طريق بطاقات الائتمان وبعض التجار المعتمدين فى السجلات التجارية، ثم بدأت عملية إنعاش نشاط السوق السوداء مع الترويج للادخار فى العملة، وهو ما نجحت فيه بالفعل، لفقدان المواطنين الثقة الاقتصادية فى الحكومة، بسبب الموروثات الشعبية وعدم نجاح الحكومة إلا فى حل أقل من 20% تقريبًا من المشكلات القائمة، ما حقق استجابة كبرى لتخزين الدولار فنشط نظام "الدولرة".
الجماعة الإرهابية تواصل أزماتها المخترعة بالتلاعب بـ"الفكة"
بعد ذلك، عادت الجماعة الإرهابية لإحداث أزمة فى "الفكة"، بعد أن قامت بسحب كميات كبيرة من العملات المعدنية فئات الـ25 و50 قرشًا، والجنيه، من السوق الداخلية، وصهر المعادن الموجودة بها، وحتى استوعبت مصلحة سك العملة التابعة لوزارة المالية، وقامت بسك كميات جديدة من العملة وطرحها فى الأسواق، لكن الأزمة لم تنتهِ، فظهرت الشركات الوسيطة التى تحصل على 75 جنيهًا من كل ألف جنيه "فكة" من محلات السوبر ماركت، ما دفع البنك المركزى المصرى لضخ مخزون قديم من العملات الورقية من الفئات الثلاثة الصغيرة فى السوق، لإحداث توازن وحل الأزمة التى انعكست بالسلب على نفسية المواطنين فى التعاملات اليومية.
ما كادت أن تختفى الأزمة لتظهر أزمة نقص الأرز، قبل أن تتبعها أزمة نقص السكر، والتعامل الأمنى مع الأمر بعيدًا عن التنسيق مع وزارتى التموين والزراعة، فارتكب البعض أخطاء سببت حالة من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ما أدرى لتحول الموضوع لموجة سخرية بعد إلقاء القبض على عدد من الأشخاص معهم كميات صغيرة من السكر، بتهمة الاحتكار، كما تسببت هذه الحملات فى إغلاق عدد من مصانع الحلويات المرخصة، والتى تسدد ضرائب لخزينة الدولة، ومنها ما هو مدرج فى البورصة ويضم عمالة مصرية خالصة، ما دفع المهندس محمد السويدى، رئيس اتحاد الصناعات ورئيس ائتلاف الأغلبية تحت قبة البرلمان، ائتلاف دعم مصر، لمطالبة وزارة الداخلية بالتوقف عن هذه الحملات التى تسبب خسائر للشركات الملتزمة قانونًا.
أما فيما يخص آليات ووسائل الخروج من هذه الأزمة، فيتعيّن على مؤسسات الدولة المصرية بكل أشكالها، التنفيذية أو الأمنية أو الحكومية الخدمية، تشديد الإجراءات على المنافذ الجمركية، وعلى البنك المركزى ومباحث الأموال العامة تحديدًا، إصدار عدد من القرارات التنسيقية لضمان الحفاظ على معدلات سيولة البنكنوت فى البنوك والأسواق، لضمان انتظام ما يسمى بـ"دورة الجنيه"، التى تؤثر على الاقتصاد الداخلى والحالة النفسية للمواطنين، كذلك يجب الحذر من مخطط تهريب كميات من العملة المصرية للخارج بحجة زيادة الطلب من المصريين العاملين فى الخارج أو إمكانية مبادلته بعملات أخرى، تفيد الاقتصاد القومى، إذ إن قيمة الجنيه الآن شبه معدومة أمام سلة العملات الرئيسية (الدولار الأمريكى – اليورو – الجنيه الاسترلينى – الفرنك السويسرى – الين اليابانى – اليوان الصينى)، وذلك بسبب عدد من العوامل التنافسية الاقتصادية، التى علينا تجاوزها أولاً قبل السماح بأيّة مغامرات اقتصادية أو الصمت على عمليات التلاعب، حتى لو كانت صغيرة وتبدو غير مؤثرة.