السبت، 23 نوفمبر 2024 04:55 ص

حازم حسين يكتب: الدولار يتجاوز 18 جنيها بالسوق السوداء وفارق السعر الرسمى يسجل 10 جنيهات.. التخاذل والمضاربة والنقد المُصدر السبب ومكاسب المالية و"المركزى" المحصلة.. فهل فعلتها الحكومة؟

الدولار 18+.. هَتك عرض الجنيه برعاية الحكومة

الدولار 18+.. هَتك عرض الجنيه برعاية الحكومة الدولار 18+.. هَتك عرض الجنيه برعاية الحكومة
الأربعاء، 02 نوفمبر 2016 10:00 ص

عجز الحساب الجارى يصل 18.7 مليار دولار بزيادة 6.5 عن 2015


تقارير السياسة المالية للبنك المركزى تؤكد وصول التضخم لـ15.47%


عجز الميزان التجارى يقترب من 30 مليار دولار فى الشهور الـ9 الماضية


ارتفاع قيمة الواردات السلعية لـ60.8 مليار دولار بزيادة 6.7 عن 2010



لا حديث فى الساحة الاقتصادية إلا عن الدولار الأمريكى، وسعره وأزماته وتذبذبه ارتفاعا وهبوطًا، والحقيقة أنه لا يصح تناول المعضلة الاقتصادية التى تشهدها مصر، على مستوى عجز الموازنة واختلال الميزان التجارى، وحجم الدين وتكلفة خدمته، وحتى أسعار السلع وتصاعد معدلات التضخم، واشتعال سوق الذهب، وندرة السكر وغيره من الاحتياجات الأساسية، بعيدًا عمّا تشهده سوق الصرف من اختلال وارتباك كبيرين، ساهم البنك المركزى المصرى والسياسات المالية للحكومة فى صنع جانب كبير منها، وصنعت الجوانب الأخرى أزمة غياب الاستراتيجيات والخطط العملية، وضعف المؤسسات الرقابية وتراجع قدرتها على ضبط السوق، ما أدّى إلى تأرجح بورصة الدولار بشكل يومى، وهو ما صنع حالة عامة من الاهتزاز فى سوق الاقتصاد، تبعتها مشكلات تتعلق بالقدرة على توفير ملاءة مالية لتغطية سلة الواردات المتضخمة، أو تغذية السوق الصناعية باحتياجاتها من المواد الخام ومدخلات الإنتاج، وما بين سيطرة الحكومة على الواردات الرسمية من الدولار لتغطية نفقاتها وتكاليف الواردات السلعية الرسمية وفاتورة خدمة الدين، واحتياج القطاع الخاص لتدبير محفظة دولارية للحفاظ على عجلته دائرة، ازدهرت سوق الصرف غير الرسمية، وانحرفت - استجابة لتغيرات السوق وموازين العرض والطلب - باتجاه المضاربة على سعر الدولار، حتى وصل فى "السوق السوداء" مؤخّرًا إلى حدود 18 جنيهًا، وتجاوزها فى فترات وأماكن مختلفة، واصلاً بالفارق عن السعر الرسمى إلى 10 جنيهات كاملة، خلال الأيام الماضية، مع انفراجة بسيطة اليوم، انخفصت به إلى مستوى 16 جنيهًا تقريبًا، وفق مؤشرات وحركة السوق الموازية.

مجلس الوزراء

استمرار أزمة الدولار.. هل فعلتها الحكومة عامدة؟


القول إنه لا يمكن الانطلاق للتعاطى مع أزمات السوق الاقتصادية بعقلانية ووعى دون الدخول من بوابة الدولار، يستتبعه بالضرورة تأكيد على أنه لا يمكن تناول هذه الأزمة بمعزل عن الحكومة، ليس فقط من باب عجزها عن التحكم فى سوق الصرف وحركة الدولار وحجم تداوله وكميات تدفقه، بيعًا وشراء، وإنما يجوز فى هذا المقام أيضًا - وإذا كنا نسعى لرؤية تتسم بالمكاشفة ومحاولة فهم الأزمة والبحث عن حلول عملية لها - أن ننطلق من سؤال ساخنٍ وقاسٍ فى آن، وهو "هل اختارت الحكومة التلاعب بسوق الصرف وقيادة الدولار للتصاعد بشكل عمدى؟" بمعنى "هل فعلتها الحكومة؟" ربما يبدو السؤال غريبًا، خاصة أن الحكومة، بالمنطق السياسى أو التنفيذى، واحدة من أكثر المتضررين، ظاهريًّا، من مدى الاختلال الذى وصلت إليه سوق الصرف، ولكن النظر العميق فى الأزمة يحمل كثيرًا من علامات الاستفهام التى تمنح هذا السؤال متّسعًا للطرح والإثارة، حتى لو حصدنا إجابة سلبية عليه، تبرئ الحكومة وتكشف عن مستويات أكبر تعقيدًا للأزمة، وهو أمر غير مؤكد فى الحقيقة.

المدخل الأساسى يتصل بحقيقة أن مصر ما زالت حتى الآن دولة مركزية للغاية، على الأقل فيما يخص السياسات المالية والمصرفية، وأن سوق الدولار بشكل خاص تخضع لرقابة وسيطرة كبيرتين من البنك المركزى والمؤسسات المالية الرسمية طوال الوقت، ووفق هذا المنطق فلا توجد شركات صرافة تعمل خارج الرقابة، أو تتمتع بهامش حركة حر خارج الضوابط والأطر الرسمية، كما أن كل المنافذ المتاحة لتدفق الدولار تقع تحت سمع وبصر الجهات الرسمية، وحتى السوق السوداء لا تخرج عن يد الحكومة، وخلال سنوات عملها منذ اتجاه مصر للانفتاح فى عهد الرئيس السادات مرورًا بتقنينها قبل ربع القرن تقريبا، وحتى الآن، تعرف الدولة كبار اللاعبين فى سوق الصرف، وتحتفظ بقائمة يتم تحديثها دوريًّا لأباطرة هذه السوق، وقد لا نتجاوز إن قلنا إن سوق الصرف الموازية، بيضاء كانت أو سوداء، ربما لا تكون محكومة بأكثر من ستين أو سبعين اسمًا، من الكبار المسيطرين، تعرفهم الدولة بشكل وافٍ وشامل، ولا يملكون هامشًا حرًّا للحركة خارج وصايتها أو متابعتها، وهو ما يثير أسئلة واجبة الإثارة فيما يخص المدى الذى وصل إليه أباطرة السوق فى هذه المرحلة تحديدًا، من قدرة على الحركة وقيادة بورصة الدولار، وصولاً إلى التلاعب الحر والكامل بأسعاره ومستويات تدفقه وحركة دخوله للسوق وخروجه منها.

البنك المركزى

كل هذه المؤشرات تدفع فى اتجاه المسؤولية المباشرة للحكومة عن الأزمة، ليس فقط وفق الافتراض التقليدى المتصل بعجزها عن السيطرة على سوق الصرف ووضع أطر وضوابط حاكمة لها، ولكن ربما عبر التغاضى عن تنازع القوى المسيطرة على السوق وشجارها على مناطق النفوذ وحجمه ومغانمه، والدفع العمدى فى اتجاه تصعيد الأمر، وهذا الافتراض يحتاج إلى أدلة، أو على الأقل إلى شواهد ومؤشرات كاشفة عن الغاية التى قد تقود الحكومة للسير فى هذا الاتجاه، والناظر فى الأمر سيجد كثيرًا من هذه الشواهد تطل برأسها، سنحاول الاقتراب منها بقدر.

السياسات المالية للحكومة.. صراع إرضاء المؤسسات الدولية وخوف الغضب الشعبى


الأمر فيما يتصل بالدولار يحمل قدرًا من التعقيد، إذ إنه ليس مجرد عملة من سلة العملات المتداولة، فخلال سنوات متتابعة من التراجع الاقتصادى، وضعف السياسات المالية للحكومة والبنك المركزى، بما أدّى لارتفاع معدل التخضم وتراجع قيمة الجنيه، ووصول معدّل الفائدة الحقيقى إلى مستويات سلبية، بتفوق نسبة التضخم على قيمة الفائدة التى توفرها المؤسسات المصرفية، تحول قطاع من المواطنين إلى الادخار عبر الدولار، أو الاستثمار فيه، ما دفعه ليصبح سلعة فى ذاته، بدلاً من دوره التقليدى كضمان مصرفى لحجم ما يؤمّنه من سلع وخدمات.

على الجانب الآخر، مثّل الضغط الاقتصادى الذى تشهده مصر على خلفية تراجع مؤشرات السياحة، واهتزاز موارد قناة السويس لاعتبارات تتعلق بانكماش التجارة العالمية وتراجع سعر النفط، أزمة كبيرة للحكومة فى تدبير موارد كافية من الدولار، ليتصاعد عجز ميزان الحاسب الجارى إلى 18.7 مليار دولار فى العام 2015/ 2016، قياسًا على 12.2 مليار دولار فى العام السابق عليه، و2.7 مليار دولار فى العام 2013/ 2014، وفق بيانات البنك الدولى، وهو ما اضطرت الحكومة بسببه إلى طلب قروض وتسهيلات ائتمانية من مؤسسات دولية، وهى تعلم أن الإجراء الأبرز الذى سيُطلب منها اللجوء إليه، هو التخلى عن موقف الحماية الجزئية للجنيه المصرى فى سوق الصرف، وتحرير سعره وتركه لقوى السوق وديناميكية العرض والطلب، وفى ظرف اجتماعى وسياسى كالذى تشهده مصر، كان من الصعب على الحكومة اللجوء لهذا الإجراء بشكل مباشر، ما يغذّى احتمالاً مهمًّا بأنها قد تكون لجأت لسياسات تكتيكية تدفع فى اتجاه زيادة سعر الدولار، وتدعم السوق غير الرسمية فى القفز بمستواه، وصولاً إلى مرحلة التعادل بين السعر السائد والقيمة الحقيقية التى تراها المؤسسات الدولية، وهو ما يُسهل عليها اللجوء فى مرحلة لاحقة لقرار التعويم دون أن تظهر أى آثار جانبية له، باعتبار أن قوى السوق ومستويات الأسعار وأعباء الإنفاق ستكون قد دارت عجلتها طوال شهور وفق القيمة الحقيقة التى فرضتها السوق الموازية/ السوداء للدولار.

الافتراض السابق تدعمه أرقام وحقائق عديدة، أولها وأكثرها إحسانًا للظن، تخلّى الحكومة عن تقدير استثنائى وطارئ للظرف الراهن، فيما يخص السياسات المالية والاقتصادية، والذى كان يفرض استراتيجية للتقشف والسيطرة على حجم الواردات السلعية، سواء فى السلع الاستراتيجية أو الكمالية، وصولاً إلى تقليل نسبة العجز التجارى وعجز ميزان المدفوعات، ما يساعد على رفع مستوى الاحتياطى النقدى، أو يقلل من تآكل مستوياته المتحققة، ولكن الحكومة لم تعمل وفق هذه الخطة، ولا حافظت حتى على العجز فى مستوياته السابقة، إذ نجد أن الميزان التجارى قد زاد اختلاله بشكل طردى مع استفحال الأزمة، فبينما كان عند مستوى 30.7 مليار دولار فى العام 2012/ 2013، تصاعد إلى 34.1 فى العام 2013/ 2014، ثمّ إلى 39.1 مليارًا فى العام 2014/ 2015، بينما بلغت قيمته فى الشهور التسعة الأولى من العام 2015/ 2016 حوالى 29.3 مليار دولار، ما يعنى أنه قد يتجاوز 40 مليار دولار بنهاية الحساب الختامى للموازنة، قافزًا بنسبة 17.3% عن مستواه قبل سنتين، أما عن الواردات السلعية فقد قفزت من 54.1 مليار دولار فى 2010/ 2011 إلى 60.8 مليار دولار فى 2014/ 2015، بنسبة زيادة 12.38%، وذلك وفق بيانات البنك الدولى، وهو ما يُعمّق من التصور الدافع فى اتجاه أن الحكومة كانت لديها رغبة لدفع الدولار للتصاعد واستمرار استفحال الأزمة، أو على الأقل لم تكن لديها رغبة فى السيطرة عليه.

الجانب الأكثر خطورة فى الأزمة، أن الحكومة ومن حيث أرادت تدبير موارد دولارية لدعم الاحتياطى وميزان الحساب الجارى، أو هكذا تم تسويق الصورة، زادت من فداحة المشكلة، عبر إصدار شهادات "بلادى" الدولارية بمستويات فائدة مرتفعة للغاية، تراوحت بين 3.5% و5.5% وفق الآجال المختلفة للشهادات، بينما لا تتجاوز الفائدة فى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها 1.8%، وهو ما ساعد على تسريع عجلة تحول الدولار إلى سلعة لها قيمة سوقية فى ذاتها، بعيدًا عن دورها النقدى، وخلق سوقًا للمضاربة على الدولار فى مقابل الجنيه داخليًّا وخارجيًّا، خاصة أن الشهادات توفر عائدا بالدولار وتسمح بمدد استرداد قريبة نوعا ما، ما مثّل فى النهاية دعمًا من الحكومة للدولار أكثر من كونه دعمًا للجنيه أو للمحفظة الدولارية للبلاد.

وسط كل هذه التداخلات لم تلتفت الحكومة للانفلات المتصاعد فى مستويات التضخم، فمن 6.9% فى 2013، إلى 10.1% فى 2014، ثمّ 11% فى 2015، ظلت الحكومة على موقفها وسياساتها، بل وتوسّعت فى طباعة النقد بشكل يرى البعض أنه غير محسوب، وتشير مؤشرات عديدة إلى أنه ربما يكون على المكشوف، إذ بنظرة فاحصة لأقفال فاروق العقدة، ثمّ أقفال هشام رامز من "برفكس" كل فئات العملات، وصولاً إلى ما وصل إليه طارق عامر من أرقام، سنكتشف أن سوق البنكنوت قد شهدت طباعة عشرات المليارات من الجنيهات خلال السنتين الماضيتين، وربما تم ضخ الجانب الأكبر منها فى السوق، وربما يكون من الصعب على الحكومة أن تفى بغطاء ذهبى بنسبة 6.5% من حجم البنكنوت المطبوع حسبما ينص قانون البنك المركزى، أو بنسبة 29.1% من النقد الأجنبى، وسط الأزمة الدولارية المستفحلة وعدم استقرار مستويات الاحتياطى والعجز الحاد فى ميزان الحساب الجارى ومعاناة الحكومة لتوفير محفظة دولارية لدفع فاتورة واردات السلع والخدمات، وكل هذه العوامل دفعت فى اتجاه تصاعد التضخم لمستويات مزعجة، فوفقًا لتقارير السياسة النقدية الصادرة عن البنك المركزى المصرى فى يونيو ويوليو وسبتمبر 2016، وصلت مستويات التضخم إلى 12.3%، و13.97%، و15.47% لشهور مايو ويونيو وأغسطس على التوالى، وهو ما تم فى جانب منه بفعل أزمة الدولار، وساعد على تفاقمها فى الوقت ذاته.

استغلال الدولار.. هل سعت الحكومة لتوظيف الأزمة لصالح تغطية العجز؟


وسط كل هذه المشكلات، لم تتجه الحكومة لسياسات مالية ومصرفية داعمة للجنيه بشكل حقيقى، ربما أبرزها السيطرة على سوق الصرف، وإخضاع شركات الصرافة للرقابة الفاعلة، أو إغلاقها مرحليًّا، والتقليل من الواردات وفاتورتها سعيًا لتخفيض العجز فى موازين الحساب الجارى والتجارى والسلع والخدمات، والضغط على التجارة السوداء "المخدرات والسلاح" وما تستنزفه من عملات، والرقابة على سوق الاستيراد غير الرسمية وعمليات التهريب والتلاعب بالجمارك والسوق الحرة، وصولاً إلى دعم سيادة الجنيه فى السوق المصرية عبر منع التعامل بالدولار أو غيره من العملات الأجنبية، وأن يقتصر تداول الدولار على التحويلات الخارجية والاعتمادات البنكية دون إتمام أيّة تعاملات استثمارية داخلية من خلاله، وهو الإجراء الذى كان يمكنه توفير فرصة جيدة لإحكام الرقابة على فوائض الدولار فى السوق المصرية، وربما القضاء على فترة الازدهار التى شهدها كسلعة، والتقليل من مستويات الادخار السلبى فيه.

السؤال الأهم الآن لا يجب أن يدور إلا حول كيفية الخروج من الأزمة، والآليات العملية التى يمكنها إصلاح ما أفسدته الحكومة والأيام، والحقيقة أنه لا بديل الآن، ودون أية مواربة أو تفكير، عن الاتجاه إلى التقشف بشكل حقيقى وجاد، لتخفيض عجز ميزان الحساب الجارى قدر الإمكان، وفرض قدر من السيطرة على الواردات السلعية، خصوصًا الرفاهية منها، والتوقف عن زيادة المعروض النقدى من العملة المحلية فى الأسواق، وتقديم حوافز لزيادة تدفق الاستثمارات المباشرة، والبحث عن إجراءات عملية للتحكم فى مستويات تدفق الدولار فى السوق المحلية، واعتبار الأمر مسألة وجود بالنسبة للاقتصاد المصرى، خاصة مع ارتفاع مستويات التضخم وتراجع قيمة الجنيه، وهو ما يبشّر باستفحال الأزمة وآثارها مع اللجوء لتعويم الجنيه، سواء كان حرًّا أو مدارًا، طالما لم تسيطر الحكومة على سوق الصرف، وطالما ظل الدولار سلعة ذات قيمة اقتصادية فى ذاتها، ما يعنى أن السوق السوداء لن تنتهى بالتعويم، وربما تقلّص الفارق بين السوقين الرسمية والسوداء، ولكن ستظل لدينا سوقان للدولار، وستظل الفوارق كبيرة ومثيرة للدهشة، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لقيمة الجنيه مصرفيًّا وتقدير المؤسسات الدولية له، وبين قوته الشرائية، إذ بينما يقول البنك الدولى فى تقديراته للاقتصاد المصرى، إن الناتج المحلى الإجمالى لمصر فى 2014 يبلغ 273 مليار دولار وفق مستويات سعر الصرف، يقدره فى باب آخر بـ919 مليار دولار وفق تقويم العملة فى سوقها، أى وفق قوتها الشرائية فى سوقها الأصلية، ما يعنى أن الجنيه يساوى مصرفيًّا وأمام العالم حوالى 8 جنيهات تقريبا، بينما يساوى فى السوق المحلية وأمام السلع والقوة الشرائية جنيهين لا أكثر، وهو الانعكاس الأبرز لفداحة الفارق وأثره حاليًا، بين السوق المصرفية الرسمية، والسوق السوداء المسيطرة.

المثير للسؤال فيما يخص الغطاء الدولارى لطباعة البنكنوت، هو هل تعاملت الحكومة مع الاحتياطى وفق تقويمه الكمّى بالمستوى الرسمى لسعر الصرف؟ أم تعاملت معه وفق القوة الفعلية على الأرض وتغيرات السوق الموازية؟ خاصة أن هذا الفارق فى التعامل يؤمِّن ضعف الغطاء الحالى ويسمح بمزيد من عمليات الطباعة، وربما يدعم هذا عدم إصدار البنك المركزى لتقرير السياسة النقدية فى أغسطس، عن أعمال وخطط وتقديرات شهر يوليو، وهى الفترة التى شهدت انفلاتًا كبيرًا فى سعر الصرف، وربما انفلاتًا موازيًا فى طباعة النقد، وترتبط بهذه النقطة المهمة تفصيلة أخرى لا تقل أهمية، هل تورّطت الحكومة فى المضاربة على الدولار؟ وهل استغلت فوائض البنكنوت أو النقد المصدر خلال هذه الفترة فى تدبير موارد دولارية من السوق الموازية؟ أى هل اتجهت الحكومة للمضاربة على الدولار مع المضاربين؟ وهو ما أحدث حالة من الندرة فى المعروض الدولارى وزاد من سعره، ودفع فى اتجاه تصاعد مستوى التضخم، مع خروج كثير من أموال الادخار السلبى للاستثمار فى الدولار، أو لتأمين المدخرات من خلاله، وهذه النقطة نفسها تتصل بمبرر لجوء الحكومة والبنك المركزى لطباعة مزيد من النقد، خاصة مع ما امتصته شهادات قناة السويس قبل عامين تقريبًا من أموال الادخار السلبى، التى بلغت 68 مليار جنيه، لم تقل البنوك إن فيها عمليات إعادة تدوير بين الأوعية الادخارية المختلفة، ما يعنى أنها كلها أموال وافدة على القطاع المصرفى، وهو ما ينقض اتجاه الحكومة لطباعة مزيد من النقد، وسط هذا التراجع فى الادخار السالب ودوره فى زيادة المعروض النقدى، وبينما كان يُفترض أن تتدخل الدولة لموازنة المعروض النقدى مع حالة السوق وقدرة الاقتصاد، وفق حسابات معدل النمو ومستويات التخضم، سمحت لكل هذه الأموال، وغيرها من المطبوع الجديد، بالتدفق فى السوق لإشعال التضخم أكثر مما هو مشتعل، وإشعال سوق الدولار أيضًا، ولكن رغم كل هذه المؤشرات والتحليلات ربما لا نجد نفيًا أو تأكيدًا لمسألة مضاربة الحكومة على الدولار بشكل مباشر، ولكن ندرته أحيانًا فى السوق الموازية، وحجم العطاءات الأسبوعية التى وفرها البنك المركزى منه بشكل منتظم طوال الشهور الماضية، ربما يدفعان فى اتجاه التفكير المختلف فى هذه النقطة.


الشواهد القوية من كل ما سبق، تدفع فى اتجاه أن الحكومة متورطة بدرجة كبيرة، وربما بسوء نية وليس فقط بحسن نية، فى دفع أزمة الدولار باتجاه التصاعد والحدّة، ربما سعيًا إلى معادلة سعره فى السوق الرسمية مع المستويات التى تراها المؤسسات الدولية طبيعية لسعره فى سوق الصرف، وصولاً إلى التحرير الكامل لسعره بالتعويم الحر أو المُدار، وربما رغبة فى توفير غطاء نقدى لمزيد من مطبوع البنكنوت الذى قطع البنك المركزى شوطًا كبيرًا خلال الشهور الماضية على طريق إنتاجه، باعتبار أن نسبة العملات الأجنبية من غطاء الجنيه تقترب من 30%، وأن من يلجأ لطباعة نقد يعلم أنها على المكشوف لن يعدم طريقة لتقويم غطائه الدولارى بمستويات السوق الموازية، التى يرى البعض أنها المستويات الحقيقية أو القيمة السوقية للدولار، وذلك إضافة إلى دعم الحكومة لحالة الانفلات بإصدار شهادات دولارية لتغطية احتياجاتها، وما أدت إليه هذه الشهادات من دعم سوق المضاربة والدفع فى اتجاه تحويل الدولار لسلعة، وطرح مزيد من السندات وأذون الخزانة لتدبير موارد مالية لتغطية عجز الموازنة المتصاعد مع تصاعد أزمة الدولار، والتى بدورها ستُستخدم كغطاء لطبع مزيد من البنكنوت، باعتبار أن سندات الحكومة تمثل نسبة 64.4% من الغطاء المطلوب لطباعة مزيد من العملة، وهو ما يضعنا أمام جريمة اقتصادية مكتملة الأركان، إذا كانت هذه القراءة - واقعية الأرقام - حقيقية تمامًا، ويؤكد أن الحكومة متورطة فى أزمة الدولار، وأن وصوله إلى ما فوق مستوى 18 جنيهًا، وانتهاك عِرض العملة الوطنية بهذه الدرجة الفادحة، تمت برعاية كاملة، وربما مع سبق إصرار وترصّد من الحكومة والبنك المركزى المصرى.


print