فى زيارته الشهر الماضى، إلى مدينة سانت كاترين جنوب سيناء، دعا رئيس البرلمان الأفريقى روجيه أنكودو الأفارقة لزيارة مصر، ومعرفتها جيّدا وإدراك حجم السلام فيها، تصريح يأتى فى وقت تعيش فيه السياحة المصرية أزمة، ليطرح التساؤلات حول حجم السياحة الأفريقية الوافدة لمصر، وكيفية تنميتها.
نتيجة لانتشار الصور النمطية عن الأفارقة من جانب، ونقص المعلومات الدقيقة عن حياة الشعوب الأفريقية من جانب آخر، لا يعرف كثيرون شيئًا عن حجم السياحة الأفريقية، وتظل صورة شركائنا بالقارة "نمطية" استشراقية، تختزلهم فى بشرة سمراء وسكن الأكواخ والرقص مع الحيوانات المفترسة، وغيرها من الصور التى كرست لها بعض الأعمال السينمائية السطحية.
نصف السياح الأفارقة الوافدين لمصر "سودانيون"
وفقًا لأرقام الجهاز المركزى للمحاسبات، فإن عدد الأفارقة الذين يأتون لمصر "سياحة" يبدو ضئيلًا للغاية، ففى النصف الأول من 2015، زار مصر 4.8 مليون سائح مقابل 4.4 مليون خلال النصف الأول 2014 بنسبة زيادة قدرها 8.2%، بلغت نسبة الأفارقة منهم 4% أى ما يقارب 192 ألف سائح فقط!، تربع السودانيون على قائمة الأفارقة الوافدين لمصر بنسبة 46.8% ليصل عددهم قرابة التسعين ألفا.
وعلى صعيد متصل، أكد تقرير إحصائى عن مؤشرات السياحة فى شهر يوليو الماضى، أن عدد الليالى السياحية التى قضاها سائحو الدول الأفريقية فى مصر بلغت نسبتها 12.5% من الإجمالى العام، وكان السياح السودانيون أكثر الدول فى عدد الليالى السياحية بنسبة 83.6%.
القارة التى تضم 54 دولة ويبلغ إجمالى سكانها نحو ١.216 مليار نسمة تقريبًا وفق إحصاءات 2016، تحصل مصر على الفتات من حجم السياحة داخل القارة السمراء، مقارنة بما تجنيه دول أخرى داخل وخارج القارة، كجنوب أفريقيا والمغرب، والإمارات العربية، وبعض الدول الأوروبية، الأمر الذى يعكس مدى اهتمام المسؤولين عن الترويج السياحى فى مصر، وتركيز جل اهتمامهم بالسياحة الغربية والروسية على وجه التحديد.
السياحة الأفريقية يمكن أن توفر مليارى دولار سنويًا
نعم، تمثل السياحة الروسية رافدًا أساسيًا فى الدخل القومى المصرى، ما يكسب محاولات استعادتها أهمية قصوى، ويزور مصر سنويًا قرابة الثلاثة ملايين سائح روسى بنسبة تصل إلى 30% من جملة الوافدين لمصر، يوفرون ما يقدر بنحو مليارى دولار لمصر سنويًا، ما دعانا لتسمية الروسى بـ"السائح الفنجرى".
لا يمنع الاهتمام بـ"الفنجرى"، أن نلتفت إلى "سائح مننا وعلينا"، وتجاريًا تكتسب عمليات البحث عن أسواق جديدة أهميتها، ويمكن خلال ثلاث سنوات، وعبر برامج التسويق السياحى الجيد، وجملة من الإجراءات القانونية والسياسية، أن تستقبل مصر ما يقارب الثلاثة ملايين سائح أفريقى قد يوفرون مليارى دولار سنويًا.
فى السياق ذاته، توضح الدكتورة هبة البشبيشى، باحثة علوم سياسية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية، أن ثمة دول أفريقية تعتبر مصدرًا للسياح حول العالم، أبرزها جنوب أفريقيا وغانا ونيجريا، وهى دول ليست غنية بارتفاع دخل الفرد فيها لكن لوجود تراكم كبير لرءوس الأموال فيها.
ومع انخفاض وتراجع أعداد السياح الوافدين إلى مصر عقب منذ حادث سقوط الطائرة الروسية فى شبه جزيرة سيناء أكتوبر الماضى، إلا أن السياح الأفارقة وعلى قلتهم لا يزالون يتوافدون على مصر، واحتلت أفريقيا ثالث المراكز فى قائمة المناطق المصدرة للسياحة إلى مصر بنسبة 16.9% من إجمالى الوافدين إلى المحروسة، منهم 75.1% من السودان، هنا تعلق هبة البشيشى بقولها أن "سفر السودانى إلى مصر لا يعد سفرًا خارجيًا بالنسبة إلى السودانيين أنفسهم، والحضور إلى القاهرة ليس مكلفًا أكثر من التنقل بين مدن السودان ذاته، فضلًا عن وضع السودان الاقتصادى ونسب الفقر بين أبنائه".
برلمانيًا، أكد النائب محمد محمد عبد المقصود وكيل لجنة السياحة بمجلس النواب، تغير الظروف الاقتصادية لعدة دول أفريقية للأفضل مما جعل منها دولًا مصدرة للسياح، ومشيرًا إلى أهمية استغلال الدور الحضارى لمصر وما تمتلكه من رأس مال رمزى فى الوعى الأفريقى، والعمل على استقطاب أكبر عدد ممكن من السائحين الأفارقة.
من جهة ثانية، كشفت ياسمين أبو طالب، أمين سر لجنة السياحة بمجلس النواب، أن اللجنة بصدد وضع خطط سياحية لطرق أسواق جديدة وبديلة للأسواق السياحية التى تعتمد عليها مصر كروسيا وأوروبا الغربية، ومن بين هذه الأسواق المطروحة الدول الأفريقية بجانب الصين والهند واليابان، وموضحة أنه من المقرر أن يتم توثيق فعاليات القمة الخامسة لمؤتمر سياحة المدن المقرر إقامته فى الأقصر نهاية أكتوبر الجارى، على أن تروج خارجيًا للتسويق السياحى للمدينة.
جنوب أفريقيا تستقبل 7 ملايين أفريقى
بالنظر إلى تجارب الدول الأفريقية فى استقطاب السياح الأفارقة، تحل جنوب أفريقيا نموذجًا ناجحًا، ففى عام 2014 استقبلت جمهورية فريق "بافانا بافانا" حوال 7 ملايين سائح أفريقى، ومن ضمنهم أكثر من مليونى جاءوا من زيمبابوى. توضح هبه البشبيشى أن منطقة الجنوب الأفريقى منطقة غنية بالسياح، ويمكن جذب أعداد كبيرة منها إلى مصر بخاصة أن هذه الدول تزور جنوب أفريقيا لممارسة السياحة الشاطئية، ويعد الجنوب منطقة غنية بالمعادن الثمينة كالذهب والألماس واليورانيوم، وتضم 13 دولة أبرزها جنوب أفريقيا وزيمبابوى وليسوتو وموزمبيق، الدولتان الأخيرتان أرسلتا حوالى مليونى ونصف المليون سائح إلى جنوب أفريقيا فى 2014!!.
دبى ومراكش تجذبان الأفارقة بالسياحة الثقافية
المغرب أيضًا واحدة من المحطات السياحسة التى يقصدها السياح الأفارقة، وفى التوقيت الذى يتجاهل القائمون على السياحة المصرية دول وسط وغرب أفريقيا، أعلن مدير المكتب المغربى للسياحة جلال إيمانى، يوليو الماضى، أن السنغال يعتبر البلد الأول فى أفريقيا من حيث عدد السياح الذين يزورون المغرب، وتستقبل المملكة أكثر من 45 ألف سائحٍ منهم كل عام، أى ما يعادل نصف السياح الأفارقة الذين يزورون مصر من غير السودانيين!!!.
ووفقا لبيانات دائرة السياحة والتسويق التجارى بإمارة دبى، فإن الإمارة استقبلت عام 2013 نحو 85 ألف سائح من جنوب أفريقيا وحدها. وحسب قول مدير المكتب المغربى للسياحة، فإن السياحة الثقافية تأتى فى مقدمة أصناف السياحة التى تجذب الزائرين للمغرب، "السياحة الثقافية" المفهوم الذى تؤكد عليه باحثة معهد البحوث والدراسات الأفريقية مضيفة "الأهرامات والآثار الفرعونية والقاهرة الفاطمية مركز اهتمام الأفارقة"، ومقترحة عمل برامج سياحية ترتكز بالأساس على زيارة المناطق الأثرية الفرعونية والقبطية والإسلامية، كالمعابد والكنائس ودير سانت كاترين ومساجد القاهرة القديمة.
وتضيف هبة البشبيشى "جذب الطلاب الأفارقة يمكن أن يكون مصدرًا لزيادة السياحة الوافدة، فالجامعات المصرية تتمتع بسمعة طيبة داخل القارة الأفريقية، وهناك تنامى واضح فى عدد الطلاب الأفارقة الذين يدرسون خارج بلادهم".
الأفريقى يفضل الرحلات القصيرة
إذن السائح الأفريقى مهم وزيادة أعداد الأفارقة سيعود بالفائدة على الدخل القومى وتوفير فرص العمل، وتحقيق ذلك يتطلب منا العمل وفق مناهج جذب توضع على أسس علمية ومعرفة بسيكولوجية المستهدف جذبهم.
وحسب ما يتناقله العاملون بالإرشاد السياحى، فيفضل السائح الإفريقى الرحلات القصيرة فى عدد الأيام والمليئة بالتفاصيل والزيارات، حيث تكون الرحلة 3 أيام وبرنامج حافل، كما يحبذ أن يتميز بعلامة موحدة ليسهل التعرف عليه من قبل أبناء البلد وهذا يجعل التعامل سهل فدائما مايرتدى أفراد الرحلة الواحدة تى شيرت موحد أو دبوس باسم البلد، أو شال!.
تأشيرة سهلة ومعاملة حسنة و categoryخاص
لكن الأفريقى فى مصر يواجه عدد من المشكلات، أولها: صعوبة الحصول على التأشيرات، ووفقًا لبنك التنمية الأفريقى فإن 55% من دول القارة السمراء تشترط الحصول على فيزا مسبقة أمام السياح الأفارقة، و20% من الدول الإفريقية فقط تسمح للأفارقة الآخرين دخول أراضيها دون تأشيرة، و25% يمكن للسافرين الحصول على تأشيرات عند وصولهم إليها.
"أفريقيا تغلق أبوابها أمام أبنائها السياح"، وفى سبيل مكافحة الظاهرة، وُضع على ما يعرف بأجندة الاتحاد الأفريقى 2015-2063، التى دعا إليها زعماء الدول الإفريقية للمضى قدما نحو مستقبل أفضل للقارة، إلغاء متطلبات التأشيرة بين البلدان الأفريقية لجميع الأفارقة بحلول عام 2018.
بعد التأشيرة، تحل مسألة كيفية النقل، فيشدد النائب محمد عبد المقصود على أهمية مراجعة خطوط الطيران الرابطة بين مصر والدول الأفريقية، ومعرفة كيفية تغطية المناطق الأكثر تصديرًا للسياح، وتسهيل الرحلات المباشرة وتقليل تكلفتها.
وتأتى المعاملة السيئة من بعض المصريين عامة، وبعض العاملين بقطاع السياحة للأفارقة كمعوق، تتذكر هبة البشبيشى "بحكم عملى مع الأفارقة، يعرض كثيرون منهم شكواهم من سوء المعاملة، التى تصل حد قذفهم بالطوب من الأطفال، فضلًا عن عدم الاهتمام بهم من العاملين بالسياحة اعتقادًا بعدم أهمية أو ثراء السائح الأفريقى"، مطالبة بعدم برامج توعية للعاملين بالسياحة لمعرفة كيفية التعامل مع الأفارقة واحترام خصوصياتهم الثقافية. وطوال حديثها، تشدد البشبيشى على وجود برامج سياحية أقل تكلفة من برامج السياحة الأوروبية، ليكن ذلك بوجود " categoryخاص برحلات الأفارقة".