كشف حريق مصنع الدلتا للصناعات الغذائية، بمدينة العاشر من رمضان، بمحافظة الشرقية، عن كارثة اسمها "غياب السلامة المهنية" فى منشآت المدينة الصناعية، الأمر الذى جرّ هجومًا برلمانيًا من بعض النواب، وصل بـ "رائف تمراز" عضو مجلس النواب عن محافظة الشرقية، أن يعتبر سبب سوء السلامة المهنية هى الرشاوى.
وتعد السلامة المهنية جملة مطاطة يتم تداولها بين المهتمين والمتخصصين، لكنها فى حقيقة الأمر هى كلمة السر الحقيقية لتأمين العمال والمنشآت الصناعية والاستثمارات خاصة فى المناطق الصناعية الكبرى.
وتعتبر مدينة العاشر، هى كبرى المدن الصناعية التى تخرج منها ثلث صادرات مصر، لكن سلسلة الحرائق المتتالية على مدار هذا العام، وكان آخرها حادثة حريق بمصنع الدلتا للصناعات الغذائية أمس الخميس، تفتح ملف منظومة السلامة والصحة المهنية ومدى تطبيق الشركات للمنظومة، والتزامهم بالاشتراطات والمعايير التى تؤمن بيئة العمل ضد المخاطر، ووضع وحدة المطافئ ومدى استعدادها لمواجهة الحرائق والكوارث.
12 حريقا خلال عام 2016
على مدار عام 2016 نشبت عدة حرائق بعضها كارثى والبعض الآخر بسيط وتمت السيطرة عليه، وأسفرت عن إصابات كثيرة للعمال وبعض رجال الإطفاء وحالات وفاة، بدأت يوم 2 يناير بحريق مزرعة خيول بسبب اشتعال مخلفات بالمزرعة، ليمر شهر وتحدث كارثة مصنع حلويات كادبورى يوم 28 مارس، والذى أصيب فيها حوالى 25 عامل وتوفى 4 عمال دون معرفة السبب الحقيقى وراء الكارثة، وبتاريخ 16 أبريل نشب حريق آخر فى مصنع للأجهزة الكهربائية وأصيب فيه عاملان، ثم حريق آخر بأحد مصانع للمنتجات الورقية بتاريخ 11 مايو، وبعد بـ18 يوما وبالتحديد بتاريخ 29 مايو، نشب حريق بأحد مصانع السجاد بالعاشر، ويتصدر شهر يونيو حريقين آخرين بتاريخ 5 يونيو، حريق بشركة دهانات مشهورة تلها حادثة التهمت 3 أطفال فى شقتهم حتى تفحموا ولم يتم التمكن من إنقاذهم، وفى شهر سبتمبر 3 حوادث حرائق بمصنع زجاج بتاريخ 21 سبتمبر، وبتاريخ 25 من نفس الشهر نشب حريق فى إحدى العمارات تحت الإنشاء بمشروع دار مصر وبعد 3 أيام أى بتاريخ 28 من نفس الشهر، نشب حريق بمصنع أجهزة كهربائية ومصنع منسوجات ليمر شهران وتأتى حادثة حريق مصنع الدلتا للصناعات الغذائية.
بتحليل البيانات المتعلقة بحوادث الحرائق فى عام 2016 بمدينة العاشر من رمضان نجدها تحدث فى أغلب القطاعات الصناعية "منسوجات -زجاج- أجهزة كهربائية- كارتون - ورق - صناعات غذائية، مخلفات صناعية" وهنا لابد من طرح تساؤل حول الأسباب الحقيقية لإشعال الحرائق فى هذه المصانع، الشكل العام لكل هذه المصانع يؤكد أن لديهم تقارير سلامة وصحة مهنية، وجميعها لديها ما يثبت التزامها بالسلامة والصحة المهنية كما جاء فى تقارير سجلاتهم، إذا أين تكمن المشكلة؟
رئيس وحدة الدفاع المدنى: الشركات لا تلتزم بمعايير السلامة
وهذا ما تحدث عنه رئيس وحدة الدفاع المدنى بالعاشر من رمضان، العقيد هيثم شحاتة، فى جلسة علنية مع أعضاء مجلس إدارة جمعية مستثمرى العاشر، محذرا من حدوث كوارث فى أى لحظة، قائلا: "الشركات لا تلتزم بمعايير الاشتراطات والسلامة وكل ما يهمها تقرير فى سجلاتها، لكن الواقع يؤكد لجوء بعض أصحاب الشركات لأشخاص ليس لديهم خبرة فى مجال السلامة والصحة المهنية يعيدون لهم التقارير، إضافة إلى لجوء بعض أصحاب الشركات إلى طرق غير مشروعة للحصول على تقارير منافية للواقع لديهم، وسرعان ما يتم اكتشافها مع حدوث كارثة أو حريق".
إمكانيات وحدة الإطفاء بالمنطقة الصناعية "متهالكة"
وأكد "شحاتة"، أن هناك طرفا آخر فى المعادلة، هو إمكانيات وحدة الإطفاء التى تخدم على المنطقة الصناعية، والتى تكاد أن تكون متهالكة ولا تحقق النتيجة المرجوة فى سرعة السيطرة على الحريق قائلا: "لا يوجد أى آليات تصلح لمواجهة الحرائق فى المناطق الصناعية بالعاشر، حيث إن إمكانيات الإدارة 12 سيارة إطفاء 4 منهم فقط، هى التى يمكن الاستعانة بها، و8 سيارات أخرى تحتاج إلى تكهين والمعدات بدء عمرها الافتراضى ينتهى.
وأضاف "العقيد شحاتة" فى تصريحات خاصة لـ "برلمانى"، أن آخر دعم قدمه مجلس أمناء المدينة للوحدة لتطوير الأجهزة والمعدات المتعلقة بوحدة الإطفاء فى العاشر تمت منذ 4 سنوات تقريبا، والوضع الحالى للوحدة لا يمكنها من القيام بعملها، ولا يليق بمدينة صناعية ضخمة كالعاشر من رمضان، مؤكدا أن كل ما يتردد حول دعم مجلس الأمناء لتطوير الوحدة بمبلغ 8 ملايين جنيه غير صحيح بالمرة، والشركات فى العاشر تلجأ إلى طرق ملتوية لعمل الاشتراطات المطلوبة للتأمين ضد الحرائق وفور وقوع كوارث يتم اكتشاف الأمر .
وأكد "شحاتة"، أنه لابد على الشركات أن تقوم بتأمين جيد على منشآتها، لأنه فى حال حدوث حريق كبير سيلتهم العديد من الشركات ويسبب كوارث ضخمة، كما حدث فى حريق مصنع ماك فى 15 مارس 2014 الذى التهم معه 5 مصانع أخرى من بينهم مصنع "لادا" للسيارات، مضيفا أن المستفيد الأول من تأمين المنشأة وتوافر أساليب واشتراطات التأمين التى يعمل بها هم أصحاب الشركات.
وأوضح العقيد شحاته، أن سبب الحريق الذى شب أمس الخميس، بمصنع الدلتا للصناعات الغذائية بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، وأسفر عنه إصابة 9 عمال باختناقات، هو عطل حدث بأحد المكيفات الموجودة أعلى سطح الشركة، مما أدى إلى اشتعال مخلفات بلاستيكية كانت موجودة على السطح، قائلا: "المنشآت الصناعية بالعاشر لديها قصور دائم".
وأضاف العقيد شحاتة، فى تصريحات خاصة لـ"برلمانى"، أن الوضع لدى شركة الدلتا للصناعات الغذائية، معقول نوعا ما، إذ إنها حصلت على آخر موافقة لاشتراطات السلامة والتأمين ضد الحرائق منذ 3 شهور تقريبا، لكن وجود المخلفات ساعد على اشتعال الحريق وتم السيطرة عليه فى 8 دقائق تقريبا، ولم يسفر عنه خسائر فادحة سواء بشرية أو مادية.
من جهته كشف أحد الكيميائين بالإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية بمدينة العاشر من رمضان، التابعة لمديرية القوى العاملة، عن كارثة وهى ضعف التزام معظم المنشآت الصناعية بالعاشر بتنفيذ اشتراطات الأمن الصناعى، وأن ذلك من أهم أسباب انتشار الحرائق، علاوة على أن بعض أصحاب المصانع ليست لديهم مخازن لتخزين المواد الخام، حيث يقوم بتخزينها بجوار خطوط الإنتاج وفى الممرات والطرقات ومنطقة الردود بهدف توفير الوقت والجهد فى نقلها، حيث يعرضون مصانعهم لتفاقم حجم الكارثة ويكون من الصعب إخلاء المكان من العمال والخامات ومرور سيارات الإطفاء بسهولة إلى مكان الحريق.
وأشار الكيميائى، إلى أن عدم وجود خطط طوارئ مناسبة مثل خطوط إخلاء المكان، وكيفية تدريب العمال على استخدامها فى حال وقوع الحرائق، وعدم قيام أصحاب المصانع بتوفير جهاز وظيفى داخل المصنع مدرب ومتفرغ لتنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية، حسب ما نص عليه القانون 12 لسنة 2003 يؤدى إلى تفاقم الكوارث .
حوادث الحرائق سببها فجوة بين مفتشى الصحة المهنية وأصحاب الأعمال
فيما يرى الدكتور مجدى شرارة، خبير الآمن الصناعى أن انتشار الحرائق يرجع إلى وجود فجوة كبيرة بين مفتشى مكتب السلامة، والصحة المهنية وأصحاب الأعمال فمن الصعب أو النادر أن تصل تقارير مفتش الأمن الصناعى إلى صاحب العمل، وأن هناك بعض المصانع لا تتعاون مع مفتشى الأمن الصناعى بدعوى أن المصنع حصل على شهادة الأيزو فى مجال تنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية، وفى الحقيقة أن معظم هذه الشهادات يتم منحها دون التأكد والتحقق من قيام المصنع أو الشركةبتنفيذ تلك الاشتراطات، وأن العمال شكوا من تقاعس بعض المصانع والشركات من عدم وجود أجهزة إطفاء ومهمات الوقاية التى تعمل بشكل جيد، وعدم وجود دورات تدريبية لهم على كفيفة استخدام هذه الأجهزة عند حدوث الحريق.
فيما أكد بعض أهالى مدينة العاشر من رمضان، أن أسباب هذه الحرائق تعود للإهمال الجسيم من أصحاب العمل والعمال، خاصة فى المصانع التى تستعمل الكيماويات، حيث يقوم العمال بتدخين السجائر أثناء العمل، مما يؤدى إلى وقوع كوارث، علاوة إلى عدم التزام غالب أصحاب المصانع باشتراطات الحماية المدنية والسلامة والصحة المهنية متهمين المسؤولين بتسليك الأمور على حساب المواطنين.
وتساءل الأهالى، أين تذهب أموال دعم منظومة الحماية المدنية التى نسمع عنها منذ سنوات والتى تتعدى تكلفتها عن 8 ملايين جنيه وتم صرف 4 ملايين جنيه منها؟ والتى فى أكثر من مناسبة يعلنها مجلس أمناء المدينة عند كل زيارة لوزير أو مسؤول للمدينة أو اجتماع للمجلس حتى أطلق عليه البعض " مجلس المطافئ" من كثرة الأموال التى يتم اعتمادها لتطوير المنظومة وحوافز العمل حتى وصل الأمر لشراء أحذية وخراطيم وسيارات وملابس لموظفى الإطفاء بالتوازى مع كشف الحرائق من تعرض العمال للعديد من الأخطار ولا حياة لمن تنادى.
مايسة عطوة: غياب شروط السلامة فى الشركات والمصانع تكبد مصر خسائر سنويًا
من جهتها، أكدت مايسة عطوة، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أن مصر تتكبد خسائر فادحة فى المواد الخام والعناصر البشرية والماكينات سنويا، بسبب غياب شروط السلامة والصحة المهنية فى الشركات والمصانع .
وأضافت مايسة عطوة، فى تصريحات خاصة لموقع "برلمانى"، أن ما ساعد على زيادة الخسائر هو غياب الرقابة والتفتيش على الشركات والمصانع بشكل دورى .
نائب الشرقية: سوء إجراءات السلامة المهنية فى المدن الصناعية بسبب الرشاوى
على صعيد متصل، قال رائف تمراز عضو مجلس النواب عن محافظة الشرقية، إن إجراءات السلامة المهنية فى المدن الصناعية بالمحافظة أغلبها سيئة للغاية، نتيجة وجود بعض المخالفات أثناء المعاينة، وهو ما ترتب عليه وجود كوارث تحدث داخل المصانع، وآخرها ما حدث فى مصنع الدلتا.
وتابع "تمراز"، فى تصريحات لـ "برلمانى"،: "إننا ننادى دائما بضرورة أن يكون دعم المصانع المتعثرة لكننا سوف نحاسب كل من تسول له نفسه اللعب بأرواح مواطنين، أو عاملين داخل تلك المصانع، نتيجة تهربه من إجراءات السلامة والأمن أو دفع رشاوى ليحصل على التراخيص دون اتخاذ تلك الخطوات" .