كشفت التجربة العملية خلال السنوات السابقة، أن التمويل الأجنبى فى أحوال معينة ينحرف عن مساره، فلا يوجّه إلى العمل الأهلى والتنموى، وإنما يستخدم فى أنشطة تضر الصالح العام والأمن القومى، كما أنه فى بعض الحالات يتم الاستيلاء على التمويل الأجنبى بمعرفة مجالس إدارات بعض المنظمات ولا تنفق فى أى مصلحة عامة، و يترتب على ذلك الإضرار بسمعة البلد ومؤسساتها وعزوف المؤسسات الأجنبية التى تدعم برامج التنمية عن التعامل فى مصر .
ومعلوم أن منظمات المجتمع الأهلى المصرية تعمل تحت إشراف الدولة، ويتم التبرع لها بأموال وغيرها ثقة فى الدولة التى تشرف على أعمالها، وثقة فى القائمين على أمورها، ومن هنا وجب أن تتأكد الدولة أن تلك الأموال تصرف فى مصارفها الصحيحة وفيما يخدم الصالح العام وفاء لواجبها تجاه شعب مصر، وكذلك وفاء لثقة المتبرعين للمؤسسات والجمعيات الأهلية المصرية، بالإضافة إلى منع أى استخدام لهذه الأموال فى أنشطة من شأنها الإضرار بالأمن القومى أو الصالح العام كما حدث فى السنوات السابقة .
كما أن عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية فى مصر توجد به الكثير من التفاصيل الفنية الدقيقة التى تحتاج إلى خبرة متخصصة فى التعامل معها، وقد أثبتت التجربة العملية أن هذه الخبرة المتخصصة غير موجودة فى اللجنة التنسيقية التابعة لوزارة التضامن والمختصة بتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية فى مصر، بدليل الكم الهائل من المخالفات التى ارتكبت خلال السنوات الأخيرة من بعض المنظمات الأهلية التى تتلقى تمويلاً أجنبياً، وما ترتب على هذا المخالفات من أضرار جسيمة للصالح العام وتهديد مباشر للأمن القومى المصرى.
ولأن هذه المنظمات الأجنبية لا تتعامل فقط مع جمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلى، وإنما تتعامل أيضاً مع المؤسسات والجهات الحكومية، ومع الأشخاص الطبيعيين، والأشخاص الاعتبارية بكافة أشكالها القانونية، فإنه يتحتم وجود سياسة واحدة للدولة تنظم عمل هذه المنظمات مع كافة الأطراف التى تتعامل معها فى مصر، ولا يصح أبداً أن تتعامل كل وزارة أو مؤسسة بسياسة وقواعد خاصة بها، ومختلفة عن غيرها من المؤسسات .
ولأن من حق الدولة أن تنشئ و تدمج وزارات و تنشئ أجهزة طبقاً لما يحقق المصلحة العامة، واستجابة للحاجة الماسة، فقد استحدث قانون الجمعيات الجديد جهازاً قومياً متخصصاً يتبع مجلس الوزراء، و يتولى هذا الجهاز البت فى كل ما يتعلق بتأسيس وعمل ونشاط المنظمات الأجنبية غير الحكومية فى مصر، و كافة صور تعاونها مع المؤسسات والجهات الحكومية وغير الحكومية داخل البلاد، والتمويل الأجنبى للجمعيات والمؤسسات المصرية .
ويتولى إدارة الجهاز مجلس إدارة يضم الخبرات والكفاءات اللازمة لأداء هذا الدور، حيث يضم فى عضويته ممثلين عن: وزارة الخارجية، وزارة التعاون الدولى، وزارة العدل، الوزارة المختصة بشؤون العمل الأهلى، البنك المركزى، وحدة غسل الأموال، هيئة الرقابة الإدارية، وزارة الدفاع، وزارة الداخلية، المخابرات العامة، ويختارهم الوزراء ورؤساء تلك الجهات، ويصدر بتشكيله قرار من رئيس الجمهورية ويكون برئاسة رئيس متفرغ بدرجة وزير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد .
ولأن هذا الجهاز القومى ينظم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية و ما يرتبط بها من أنشطة فقط، فإنه لا توجد أى شبهات دستورية فى استحداثه، حيث إن المادة 75 من الدستور، والتى تؤكد على حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ترسخ هذا الحق بالنسبة للمواطنين المصريين وتنص على الضمانات اللازمة لحفظ هذا الحق لهم .