-السبب فى أزمة الدواء هو غياب وقصور التخطيط
- وزارة الصحة أثبتت عدم مقدرتها التعامل مع معايير صناعة واستيراد وتسجيل وتوثيق الدواء
- مصر تسمح بتسجيل أدوية غالية جدا مع وجود مثيلاتها بأسعار أقل
- يجب تسعير الأدوية بصورة دورية.. وبحساب التكلفة الفعلية مع هامش ربح معقول
- ضرورة وضع خطط طويلة المدى لتعليم وتدريب الأطباء والتمريض والفنيين والإداريين
- إنشاء هيئة الدواء والغذاء تحت المجلس الأعلى للصحة ومستقلة عن وزارة الصحة
-ويضع روشتة للنهوض بالمنظومة الصحية
العالم المصرى سمير بانوب.. العقل المفكر لـ"نظام التأمين الصحى" الأمريكى المعروف باسم "أوباما كير"، أستاذ وخبير التخطيط والإدارة الصحية، وساهم فى وضع وتطوير النظم الصحية فى عدد كبير من الدول، وكان ضمن عدد من المستشارين بالإدارة الأمريكية فى تطوير قطاع التأمين الصحى، إذ أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما بعث له برقية ذات كلمات قليلة كان نصها "سمير.. بسببك أنت أصبح لدى كل أمريكى غطاء للتأمين الصحى.. لك كل الشكر".
"برلمانى" حاور العالم المصرى المرموق بخصوص الأزمات التى تعصف بالقطاع الصحى بمصر، والأزمة التى حالياً بسبب نقص الأدوية ليشخص أسبابها، ويضع رؤية ومقترحات للنهوض بالمنظومة.
المؤسف فى الأمر أنه على الرغم من استعانة عدد كبير من الدول الأوروبية مثل صربيا وكرواتيا والبوسنة، ودول عربية كالسودان والأردن وافريقية مثل أثيوبيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا به لوضع السياسات الصحية والتخطيط للنهوض بالقطاعات الطبية فى كل هذه الدول، إلا أنه يبدو أن الحكومات المتعاقبة تصر على عدم الاستفادة من خبراته لإصلاح المنظومة فى مصر.
وإلى نص الحوار..
فى البداية.. فى تقديرك ما السبب الأساسى وراء تفاقم أزمة نقص الدواء فى مصر ؟
السبب الرئيسى فى الأزمة هو غياب وقصور التخطيط مصحوباً بتضارب المصالح، فالدواء هو سلعة حيوية يجب أن تحكمها المعايير الدولية لصناعة واستيراد وتسجيل وتسويق وتسعير وبيع الدواء ومراقبة جودته، هذه الاختصاصات تقع جميعها حالياً فى وزارة الصحة التى لا تجيد هذه الاعمال أبدا كما ثبت بالدليل القاطع.
كيف تقيم أداء وزارة الصحة فى الفترة الأخيرة؟
وزارة الصحة أثبتت عدم مقدرتها التعامل مع معايير صناعة واستيراد وتسجيل وتوثيق الدواء ومراقبة جودتها، وهو ما ظهر فى الوقوع فى أزمات الواحدة تلو الأخرى، وتأخر صناعة الدواء المحلية رغم أن مصر هى أول دولة فى المنطقة التى أدخلتها منذ أكثر من سبعين عاما.
ما مدى تأخر القطاع الصحى والدوائى فى مصر عن الدول المحيطة بنا ؟
انتدبت كخبير للبنك الدولى للأردن عام ١٩٩٤ لإعادة تنظيم وزاره الصحة بها، ومن ذلك أننى وضعت لهم خطة انشاء مركز رقابة الجودة على الأدوية وهو منفصل تماما عن وزارة الصحة والمنتجين، موله البنك الدولى، والنتيجة الآن أن الأردن يصدر أدوية تحتل ثقة دولية، بمقدار أربعة أضعاف ما تصدره مصر، مصر التى بدأت الصناعة منذ سبعين سنة، وتعدادها عشرة أضعاف الأردن وبها ثلاثون كلية صيدلة ولديها خبراء فى الخارج والداخل.
ماذا تقترح كبديل عن وزارة الصحة لإدارة صناعة الدواء مصر للنهوض بها؟
هذه الوظائف يجب أن تخرج من وزارة الصحة تماماً إلى هيئة مستقلة هى هيئة الدواء، تنشأ تحت المجلس الأعلى للصحة ويقوم بها متخصصون فى الأدوية والصناعة ومحاسبة التكاليف ممن ليس لهم اى تضارب مصالح فى الوظائف الدوائية المذكورة بعاليه.
كيف ترى الأزمة الحالية فى نقص أصناف هامة من الأدوية واتفاق وزارة الصحة فى رفع أسعار بعضها؟
مصر الآن مسجل لديها أكثر من ١٤ ألف دواء وهو ما يسمى بـ"الفارماكوبيا" للدولة _ "دستور أدوية أو فارماكوبيا باللغة الإنجليزية، هى عبارة عن كتاب يحتوى على جميع الأدوية المسموح باستخدامها بالإضافة إلى صفاتها وخصائصها وطرق تحضيرها، يتم اصدارها من المؤسسات الصحية الرسمية فى الدول"، وهذا يزيد كثيراً عن أى دولة فى العالم تقريبا حيث يبلغ حوالى سبعة آلاف صنف فى المتوسط، وهكذا فتح باب تسجيل الأدوية على مصراعيه لكافة المنتجين والمستوردين تقريبا، ولم تجبر الدولة المنتج على الانتاج أو الأسعار وإنما تتفاوض بعشوائية وترفع الأسعار جزافاً على كل الأدوية، دون حساب التكلفة الحقيقية لكل دواء طبقا لتكلفته الفعلية على الشركة مع السماح بهامش ربحى مقبول للمنتج والموزع والبائع، وذلك ما تفعله معظم الدول، كما تسمح مصر بتسجيل أدوية غالية جدا مع وجود مثيلاتها بأسعار أقل، وكذلك تتغاضى أو تسمح مصر بتسويق يخالف معظم المعايير العالمية التى تحرم دفع عمولات أو انتدابات صورية تقديم هدايا ثمينة غير طبية أو رحلات مدفوعة الثمن للطبيب أو الأسرة وغير ذلك مما هو محرم فى كافة دول أوربا وآسيا وكافة الدول الصناعية، كل هذا التسيب يؤدى إلى ما نحن فيه من رفع أسعار غير مبرر ونقص مفتعل فى أصناف الدواء وتعدد الأدوية المثيلة بغير لزوم وفتح سوق الدواء وأسعار، وتدهور الصناعة المحلية للمواد الخام الدوائية حتى أصبحنا نستورد أكثر من ٩٥٪ من المواد الخام والأدوية.
وماذا تقترح لتفادى هذه الأزمة للخروج من نفق أزمة نقص الدواء؟
الحلول تتضح من سرد المشاكل، وأولها رفع يد وزارة الصحة عن كل ما هو يخص الدواء، واستخدام المعايير العالمية كما أوردت سابقا، إنشاء هيئة الدواء والغذاء تحت المجلس الأعلى للصحة ومستقلة عن وزارة الصحة، تضع السياسات والخطط لتصنيع واستيراد وتوزيع ورقابة الجودة والتسعير والتسويق المهنى على الأدوية والمستحضرات الطبية، ثانيهما ترشيد صناعة واستيراد تسجيل الأدوية فى السوق المصرى بما يفى بحاجته دون إغراق أو نواقص، ثالثهما الرقابة الفاعلة على جودة التصنيع بعيدا عن الصحة أو المصانع (مثلما خططت لذلك فى الاْردن كخبيراً للبنك الدولى عام ١٩٩٢ وأنشأنا إدارة ومختبر مراقبة الأدوية وربطه بمختبرات مرجعية دولية بعيداً عن وزارة الصحة، والأردن يصدر الآن أربعة أضعاف ما تصدره مصر)، رابعاً إحكام الرقابة على توزيع وتسويق الأدوية فى مصر طبقا للمعايير العلمية والعالمية ( التى تمنع الهدايا غير الطبية والرحلات الخارجية والتعيينات بمكافآت والعمولات)، وأخيراً تخطيط قوة العمل للعاملين فى مجال الصيدلة وعلاج الزيادة غير المعقولة فى عدد كليات الصيدلة الخاصة وإغراق السوق بالصيادلة بما لا يحدث فى أغلب دول العالم.
وماذا عن الأدوية المصنعة بـ"بير السلم" و الأصناف المهربة؟
الحلول العملية التى تناسب مصر هو إنشاء إدارة أو هيئة الأدوية المستقلة فورا، وتحاشى كل احتمال لتضارب المصالح ممن يعمل بها، وحيث أن الأدوية فى كل بلاد العالم مصادرها هى التصنيع والاستيراد،، إلا اننا نزيد عنها بمصدرين يجب إيقافهما فورا، وهم تصنيع بير السلم، والتهريب، وعار على مصر ألا تستطيع إيقاف هذين المصدرين، وإذا كان هناك فساد فى قطاعات كثيرة، فإنه لا ينبغى أبدا أن يصل إلى قطاع الصحة أو الدواء.
وماذا عن أزمة تسعير الأدوية وزيادة عدد الأدوية فى الفارماكوبيا المصرية؟
يجب أن يتم تسعير الأدوية بصورة دورية، وبحساب التكلفة الفعلية مع هامش ربح معقول بواسطة محاسبى تكاليف متخصصون، ويجب أيضاً حصر الفارماكوبيا المصرية لما هو لازم من الأدوية و غلق الباب المفتوح على مصراعيه دون خجل، ويجب شطب أى دواء تتوقف الشركة عن إنتاجه او استيراده لأكثر من ثلاث شهور أو بكميات تهدف إلى تعطيش السوق، مع ضرورة خلق الرقابة الدوائية المثالية كما يحدث فى دول العالم المتحضر واستخدام المعامل المرجعية الدولية لذلك لضمان جودة الأدوية التى تنتجها مصر أو تصدرها، ويجب مراقبة وسائل تسويق الأدوية.
هل تتواصل مع أى جهات تنفيذية ؟ هل تستعين وزارة الصحة بخبراتك فى المجال الصحى ؟
الاستعانة بى فى مصر حالياً غير واردة لاختلاف الرؤية والاتجاهات، ولا يهمنى ذلك لأننى أشارك فقط فى الأعمال التى أرضى عنها مهنياً، وربما يأتى وقت يكون الاتجاه للإصلاح الحقيقى وليس الترقيع أو الالتفاف، وعندها لن أتردد فى المشاركة فى إصلاح الصحة والتعليم فى مصرنا العزيزة أما فى الوقت الحاضر فأنا لا أتردد عن تقديم المشورة أو النصيحة لكل من يطلبها من الحكومة أو النقابة أو نواب الشعب أو الزملاء من الأطباء الجدد أو القدامى.
لكن هل هذا يعنى عدم وجود أى نوع من التواصل أو تقديم المقترحات على أقل تقدير؟
لا حدث تواصل شهر نوفمبر الماضى، إذ التقيت المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء فى مصر ، وكذلك ووزير التخطيط والدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة، وعرضت مقترحاتى عليهم للنهوض بالقطاع الصحى ووعدوا بتنفيذها.
وماذا عن مجلس النواب ؟؟
تواصلت مع بعض النواب وأبلغتهم بمقترحاتى للنهوض بالقطاع الصحى بمصر، ومستعد لمساعدة كل من يطلب مقترحات أو استشارة معينة.
إذا طلب منك وضع استراتيجية للنهوض بالقطاع الصحى بشكل عام..ماذا ستكون أبرز معالمها؟
تحتاج البلاد بصفة فورية إلى الاصلاح الشامل للقطاع الصحى، وليس مشروع قانون التأمين الصحى القاصر الذى يجب تأجيله لحين تخطيط الاصلاح الشامل، ويبدأ الإصلاح بتشكيل المجلس الأعلى للصحة برئاسة رئيس الوزراء الذى يتكون من ممثلى الشعب من مجلس النواب والمحافظات والنقابات وممثلى الوزارات، ومقدمى الخدمة والقطاع الخاص، يتبعه ثلاث هيئات إحداهم لتخطيط وتنمية قوة العمل الصحية، والثانية للجودة والتراخيص والاعتماد، والثالثة للدواء والغذاء، ويكون دور المجلس الأعلى وضع كافة السياسات والاستراتيجيات الصحية والخطط التى تحكم القطاع وتنفذها الوزارات الأساسية وهى الصحة والسكان، والتعليم العالى والبيئة والتضامن الاجتماعى، والمياه والمرافق تدعمها وزارات التخطيط والمالية والتنظيم الادارى.
ويجب وضع نظم تأمينية حقيقية،تمويلها كاف ومستدام تغطى كافة السكان طبقا للأسس العلمية والأكتوارية السائدة عالميا، ووضع خطط طويلة المدى لتعليم وتدريب الأطباء والتمريض والفنيين والإداريين طبقا للاحتياجات وتطوير التعليم والتدريب طبقا للمستويات العلمية العالمية المقبولة للتعليم الأساسى والتخصصى والتعليم المستمر لتحاشى النقص أو الزيادة أو قصور الكفاءة، ووضع خطط طويلة المدى لبناء وتطوير المستشفيات والمنشآت الصحية تضمن عدالة التوزيع الجغرافى بالمحافظات والمناطق تضمن كفاءة استخدامها وفاعليته.