يكتسب الحوار مع الدكتور على الدين هلال، أهمية خاصة، فهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ووزير الشباب الأسبق، أمين التدريب والتثقيف السياسى بالحزب الوطنى، عضو هيئة مكتب أمانته، وأحد القيادات المهمة به.
كل ذلك التاريخ أكسبه قدرة خاصة على تحليل نتائج انتخابات البرلمان، التى شارفت على الانتهاء، ولم يتبق منها إلا جولة الإعادة بالمرحلة الثانية، وهو الحوار، الذى كشف فيه أنه لم يكن راضيًا عن انتخابات 2010،
وإلى نص الحوار:
فى البداية.. نريد تعليقًا منك على ضعف المشاركة فى الانتخابات؟
- المواطن لديه رغبة فى المشاركة، لكنه لم يكن يعرف أسماء المرشحين ومواقفهم السياسية، والشباب كان المحرك الرئيسى للحملات الانتخابية، ودورهم فى تزايد، وغير صحيح أنهم لم يشاركوا فى الانتخابات، هذا "وهم" روجته بعض أجهزة الإعلام لأغراض سياسية.
كيف أثرت الأحداث التى تشهدها البلاد فى السباق الانتخابى؟
- الانتخابات جرت فى حالة أشبه بالحرب، ففى وجود 160 ألف مقاتل من القوات المسلحة، و180 ألف ضابط وشرطى من وزارة الداخلية، بجانب مئات العاملين المدنيين، حدث العمل الإرهابى الأثيم فى العريش، وبالتالى فالعملية الانتخابية تمت فى ظروف تتسم بالأزمة، مثل أزمة الجنيه المصرى، وحادث الطائرة الروسية، وكذلك استمرار أعمال الإرهاب.
وكان هناك رهان على أن التلويح بالأعمال الإرهابية سيؤدى لوقف الانتخابات، إلا أن إصرار المصريين على إتمام الانتخابات أفشل ذلك.
هل لاحظت اختلافًا فى المرحلة الثانية عن المرحلة الأولى من الانتخابات؟
- لم تظهر فى الجولة الأولى من المرحلة الثانية تغييرات جوهرية، فدرجة مشاركة الناخبين تزيد فى محافظات وتقل فى أخرى، وهناك توازن فى القوى الحزبية بالانتخابات، وظلت الأحزاب الثلاثة الرئيسية كما هى، فى مقدمتها المصريين الأحرار، ثم مستقبل وطن، ثم الوفد، وبعد ذلك أتى النور، والشعب الجمهورى.
فوز الأحزاب كان مفاجأة "انتخابات 2015".. ما مدى صحة ذلك؟
- الانتخابات أحيت دور الأحزاب، حيث لا توجد ديمقراطية ولا انتخابات بدون أحزاب، ورغم أن كل السياسيين كانوا يتبارون فى الهجوم على الحياة الحزبية وعلى ضعفها، فإنه ظهر عكس ذلك، حيث نجح المرشحون الحزبيون فى الحصول على 30% من المقاعد، والمستقلون على 70%، وهذا مايزال وضعًا غير طبيعى، واستمرارًا لأوضاع قديمة انتهت مسبباتها، ومن الأرجح أنه سيتغير فى المستقبل، ومع كل انتخابات ستقل أعداد المستقلين أمام الأحزاب، لأنهم سيكتشفون أن إنشاءهم لأحزاب أو انضمامهم لأخرى قائمة سيزيد من فعالياتهم.
حدد لنا أبرز الإيجابيات فى انتخابات 2015؟
- نزاهة العملية الانتخابية، هذالم يكن موجودًا من قبل، وكانت أعداد الناخبين التى تُسجل أعلى عشرات المرات من الذين كانوا يذهبون للجان، والدليل على ذلك عام 2000، عندما دخل نظام الإشراف القضائى، فوجئنا بأن من كان ينجح بـ 200 ألف صوت، أصبح ينجح بـ25 ألف صوت، وعندما ألغى الإشراف القضائى عادت الأعداد للتضخم مرة أخرى، حيث كانت جهات الإدارة تسود البطاقات.
فبالتالى نزاهة الانتخابات أمر مهم، وما حدث فى الانتخابات الحالية أمر جيد، ويجب أن نتمسك به، وجميع القوى السياسية قبلت بنتيجة الانتخابات، وهذا يعنى أنها تعلم أنها النتيجة الحقيقية، كما أن نجاح المرأة والأقباط خطوة مهمة فى تأكيد المواطنة المصرية.
ولكن حزب النور كانت لديه اعتراضات على النتيجة؟
- حزب النور حصل على أقل بكثير مما كان يتوقع، وكان يشتكى من أن هناك حملة إعلامية ضده، وألمح فى بياناته إلى أن جهات من الدولة تحركها وتساندها، ولكن لم يشكك فى سلامة العملية الانتخابية.
ألم تؤثر ظاهرة المال السياسى على سير النتائج فى اتجاه معين؟
- دور المال السياسى فى ازدياد، ويمكن أن يهدد الاستقرار الاجتماعى، "أنا لا أحب الحديث عن أسماء، ولكن الأحزاب الثلاثة المتصدرة للمشهد السياسى يقف وراءها رجال أعمال نافذون، والإنفاق تجاوز كل حدود الصرف المالى الذى وضعته اللجنة العليا للانتخابات، وأنا لا أنكر حب الرجال لمصر، ولكنهم يريدون أن يحموا مصالحهم بالتشريعات".
وما الفارق بين الانتخابات الحالية والسابقة؟
- فى هذه الانتخابات قَلتْ أعمال العنف، ففى انتخابات 87 و2000 و2005 كان يسقط حوالى 40 قتيلًا، وهو ما لم نره فى 2015، كما أن زيادة نسب مشاركة المرأة والأقباط شىء نفخر به جميعًا، فمنذ انتخابات 56 وحتى 2010 كانت المرأة تحصل على 4 مقاعد فقط، وكان يقال وقت ذاك، إن المصريين لديهم موقف من الأقباط والمرأة، وكان الرئيس يأتى ويستخدم صلاحياته فى شكل مهين، ويعين بعض النواب لزيادة تمثيل هذه الفئات.
وهل أخطأ نظام مبارك فى إدارة العملية الانتخابية فى برلمان 2010؟
- نعم أخطأ، وأنا عبرت عن ذلك أكثر من مرة وقت ذاك وبعدها، وقلت فى أحد الاجتماعات، إن ذلك لا يصح، فالإخوان كان لهم 88 مقعدًا، وتصورنا أنهم ضعفوا لتقل هذه النسبة بعض الشىء، ولكن أن تنتقل من 88 إلى مقعد واحد، فلا أحد سيصدق هذه النتائج، سواء فى وقتها أو حتى الآن.
كما أن هذه الانتخابات شهدت إقصاءً للأحزاب الأخرى، والإقصاء ثمنه غالٍ، إذا تحدثنا عن الحياة الحزبية فى مصر.
ألا ترى أن هناك فوضى سببتها كثرة الأحزاب؟
- لا، ظاهرة زيادة عدد الأحزاب موجودة فى كل دول العالم، فبعد الانتقال الديمقراطى، يريد كل شخص إنشاء حزب، وهذا يحدث بمجرد تجميع 5000 توكيل، وبعد ذلك تحدث غربلة، والقانون يتدخل، ففى كثير من البلاد هناك قوانين تنص على أن الحزب الذى لا يحصل على مقعد واحد فى انتخابين برلمانيين متتاليين يجمد.
وهل تطالب بتطبيق هذا القانون فى مصر؟
- يمكن تغييره حسب ظروفنا، قد نجعلها فى 3 انتخابات متتالية، أو يكون التجميد لفترة مؤقتة، ويكون من حق مؤسسيه إعادته مرة أخرى، ولكن لابد من تنظيم الحياة الحزبية.
وكيف تقرأ المشهد الحزبى الحالى؟
- من الواضح بجلاء، أن الأحزاب المدنية هى المكتسحة للمشهد السياسى، فلا يوجد فى أول 7 أحزاب تصدرت الانتخابات إلا حزب وحيد غير مدنى هو حزب النور، ومن يتصدر المشهد السياسى الآن، يمكن أن نسميها الأحزاب الجديدة، وهى «المصريين الأحرار»، و«مستقبل وطن»، والحزب الوحيد القديم هو «الوفد»، فـ«مستقبل وطن» ابن ثورة 30 يونيو، و«المصريين الأحرار» ابن ثورة 25 يناير، وهذا لا علاقة له بمبادئها وأفكارها، وإنما يجعلها أكثر شبابية وعزمًا وحيوية، وينفى الاتهامات عنها بأنها تتعاون مع أنظمة أخرى، وهى التهم التى كانت توجه للأحزاب.
وبمَ تفسر انخفاض عدد مقاعد حزب النور؟
- لابد أن ننظر إلى المزاج العام المصرى، فالشعب المصرى بكامل حريته، وفى ظل انتخابات أدارها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، انتخب برلمانًا أغلبيته من الإخوان والنور، وانتخب رئيس جمهورية من الإخوان، وفى هذا الوقت لم يضحك أحد على المواطنين، ففى لحظة معينة أراد المصريون أن يجربوا هؤلاء الأشخاص، وقالوا إنهم ظلموا، فعبدالناصر ضربهم، والسادات ضربهم، ومبارك ضيق عليهم، وذلك فى ظل تصدير الإخوان فكرة المظلومية التاريخية، وإطلاقهم وعودًا ذائفة، واستخدام شعار «نأتى بالخير لمصر»، وبالتالى تعاطف معهم المصريون المتدينون، ولكن فى سنة «مرسى» حدثت أشياء كثيرة، وأخونة للدولة، ما أدى إلى تغيير المزاج من الإسلام.
وما أبرز التخوفات؟
- فى بعض القضايا، حزب النور أشد قسوة من الإخوان، وبالذات فى موقفه من المرأة والأقباط، فهناك أشياء لا يمكن للمصريين التعاطف معها، مثل ما قاله الحزب منذ عدة أشهر حين انفجرت قنبلة فى مكان ما، ومات جنود مسلمون ومسيحيون، بأن «الجنود المسلمين ماتوا شهداء والأقباط ربنا يسهلهم بقى»، فالمصرى لا يميز بين المسلم والقبطى، فهم لم يموتوا باعتبارهم مسلمين وأقباط، ولكن باعتبارهم جنودًا يدافعون عن أرض الوطن.
ورغم ذلك ماتزال هناك مخاوف من اختراق الإخوان للبرلمان؟
- قد يكون هناك أشخاص من الصف الثالث والرابع شاركوا فى الانتخابات، وأنا لا أستبعد ذلك، وهم غير معروفين تمامًا لأجهزة الأمن، ولن يفصحوا عن انتماءاتهم حتى بعد دخولهم للبرلمان.
«اليسار» اختفى فى انتخابات 2015.. ما أثر ذلك على تشكيل البرلمان؟
- كنت أتمنى أن يكون هناك وجود أكبر لليسار فى البرلمان المقبل، باعتبار أن الاستقرار الاجتماعى المصرى يتطلب أن يكون جميع الفاعلين موجودين فى المشهد، ولكن للأسف فى الجولة الأولى الحزب الناصرى أخذ مقعدًا واحدًا فقط، وهو مقعد نشوى الديب فى دائرة إمبابة، والأمر نفسه تكرر فى المرحلة الثانية، وأتمنى على الرئيس أن يضع فى اعتباره اليسار، وتمثيلهم خلال استخدامه لسلطاته الدستورية فى التعيين، لأن اليسار هو من يتكلم باسم الفقراء، وهو من يطرح أفكارًا وتشريعات تصب فى العدالة الاجتماعية، ونحن فى بلد فقير، وهناك اتجاهات لرفع الدعم، والأسعار ترتفع، والأغلبية الناجحة والأحزاب الثلاثة ذات المقاعد الأكثر فى البرلمان أحزاب ليبرالية تؤمن بالاقتصاد الحر.
يتحدث البعض عن أن البرلمان المقبل يمكن أن يشكل خطورة على الدولة؟
- لا، لن يشكل خطورة، البرلمان لن يعاكس الرئيس السيسى، والحديث عن تغيير مواد الدستور لأن المجلس سيضايق «السيسى» ليس له أساس من الصحة، والدعوة لتعديل الدستور موالاة وزيادة فى النفاق، لأن «السيسى» لا يحتاج ذلك.
هل تتوقع وجود أغلبية داخل البرلمان المقبل؟
- الأغلبية البرلمانية المقبلة فى البرلمان ستتكون من نواب حزب مستقبل وطن، والنواب المستقلين من قائمة "فى حب مصر"، وبعض المستقلين، وبدأت بالفعل اجتماعات وتربيطات، بحيث يضمن إن لم يكن أغلبية واضحة أن تكون هناك أكثرية واضحة، والأغلبية يتم الإعداد لها من الآن.
وأين قائمة «فى حب مصر» من ذلك؟
- «فى حب مصر» قائمة ائتلافية، أنشئت لخوض الانتخابات، وتنتهى بنهاية الانتخابات، وتضم نوعين من النواب، بينهم نواب منتمين للأحزاب، سيعودون إليها فى البرلمان، ومستقلين، وهؤلاء لهم مطلق الحرية.
وكيف ستكون إدارة البرلمان من وجهة نظرك؟
- إدارة البرلمان ستكون صعبة، ولكن ليست مستحيلة، وتحتاج إلى قيادات برلمانية لديها مهارة بناء الائتلافات والتحالفات، ففى الجلسات الأولى يتم اختيار رئيس البرلمان والنواب، وبعد ذلك يأتى اختيار رؤساء اللجان، فهناك 18 لجنة، وكل لجنة لها رئيس ونائب رئيس وسكرتير ومقرر، وهذا أمر يحتاج إلى إدارة، خاصة أننا فى وضع ليست به أغلبية جاهزة لحزب من الأحزاب، فالبرلمان له رؤوس متعددة، و3 أحزاب كبيرة وتليها مجموعة أحزاب صغيرة ثم تجمعات من المستقلين، فكل 50 أو 60 مستقلًا سيتجمعون فى ائتلاف، والأرجح أن هذا التجمع سيكون مناطقيًا وجغرافيًا.
ومن سيمثل المعارضة فى البرلمان؟
- أغلبية النواب يتفقون على تأييد الرئيس، ويختلفون فى أغلب القضايا الأخرى، فالنقطة المشتركة بين كل النواب تأييد الرئيس، والخط الاستراتيجى للدولة، ولكن سنجد معارضة شديدة فى سياسات الوزارات، وكل نائب يريد أن يشعر أبناء دائرته أنه النائب الحر، الذى ينتقد الحكومة، كى يستخدم ذلك فى حملته الانتخابية فى الانتخابات المقبلة.
ما تعليقك على الوجود الكبير لنواب الحزب الوطنى فى البرلمان؟
- غير صحيح، الحزب الوطنى ليس موجودًا فى الانتخابات، والنواب الذين كانوا أعضاء به الآن، إما أعضاء فى قوائم أو أحزاب سياسية، وهناك من دخل البرلمان تحت لافتة حزب الوفد أو المصريين الأحرار والشعب الجمهورى، وبالتالى هم فقدوا وحدتهم التنظيمية، وبدأوا فى أشياء مختلفة.
فى وجهة نظرك لماذا صوت المصريون لنواب الحزب الوطنى بعدما أقصوهم فى ثورة يناير على عكس ما حصل مع الإخوان؟
- أنصار الحزب الوطنى لم يرفعوا السلاح ضد الناس، و«لما المصريون قالوا لهم متشكرين، ردوا عليهم متشكرين».
ما أبرز سلبيات الانتخابات البرلمانية فى وجهة نظرك؟
- الانتخابات كشفت تصدع كتلة 30 يونيو، وعلى الحكماء أن يتدخلوا، القنبلة التى فجرتها المستشارة تهانى الجبالى، وتصاعد الخلافات مع «فى حب مصر»، ووصول الأمر لإعلان الطرفين التقدم ببلاغات للنائب العام، كذلك حدث الشىء نفسه مع حزب النور.
وما المطلوب لإعادة تجميع هذه الجبهة؟
- بما أن الجبهة قد تفككت، فيجب على أقل تقدير التقليل من آثارها السلبية، وعلى الحكماء فى الساحة السياسية أن يتدخلوا، خاصة أن الرئيس السيسى دائمًا ما يتحدث عن الاصطفاف الوطنى.
هل دعوتك للحكماء بالتدخل لتجميع كتلة 30 يونيو هى مبادرة منك؟
- لا.. أنا شخص اعتزلت العمل السياسى، وأتحدث كأستاذ جامعى، ولست طرفًا فى أى عمل سياسى، أو نشاط سياسى مباشر أو غير مباشر.
أنت مع دعوات البعض للتصالح مع الحزب الوطنى والإخوان؟
- كيف نتصالح مع الحزب الوطنى، وهل هناك من الأصل حزب وطنى للتصالح معه؟، وهل أحد من رموزه طالبوا بذلك؟، وهل أحد سمع أن أحدًا من رموز الحزب الوطنى طلب شيئًا من الدولة؟! وماذا عن الإخوان؟ - يجب أن نرجع لكلام رئيس الدولة، والذى قال إن المصالحة يرجع قرارها للشعب المصرى، لكن بعض أحزاب التيار الإسلامى تصور للخارج أن الدولة ضد الإسلاميين؟ - هذا ما قصدته عندما قلت إنه من المصلحة الوطنية استمرار حزب النور فى دائرة الضوء السياسى، وفى دائرة العمل السياسى، لأن هذا إثبات أن المجتمع المصرى والدولة المصرية لا يمكن أن يتخذا موقفًا ضد أفكار دينية، أو تيار الإسلام السياسى، ولكنهما اتخذا موقفًا من اتجاهات سياسية توظف الدين لتحقيق مصالح سياسية، وهل أنت مع أن يشكل الرئيس حزبًا سياسيًا؟ - يُسأل فى ذلك الرئيس، وأعتقد أن الدستور يمنع ذلك.