أرقام كثيرة كشف عنها الدكتور هشام عرفات وزير النقل، فى سياق تبريراته لقرار رفع تذكرة مترو الأنفاق بقيمة 100% لتصبح بجنيهين بدلا من جنيه واحد.
وبعيدا عن صحة القرار وضرورته، فقد لفت أنظار الكثيرين بعض الأرقام التى أعلنها الوزير، ومنها أن مترو الأنفاق يستخدمه 3 ملايين مواطن يوميا، بينهم 40% يستخدمون التذاكر المدعمة، وأنه يحقق عجزا 25 مليون جنيها شهريا، حيث إن عوائده -كما أعلن الوزير- 50 مليون جنيه شهريا، ومصروفاته 75 مليون جنيه، كما أعلن الوزير أنه بعد زيادة سعر التذكرة لجنيهين سيكون عائده الشهرى 90 مليون جنيه، إلا أن تلك الأرقام قادت لبعض التساؤلات، نبسطها فيما يلى..
السؤال الأول.. وفقا للسعر القديم
3 ملايين مواطن يوميا، أى 90 مليون مواطن شهريا، ووفقا لسعر التذكرة القديم، يعنى ذلك أن المرفق يحقق 90 مليون جنيه شهريا من بيع التذاكر فقط، بعيدا عن الإعلانات فى المحطات وخلافه.
وبافتراض أن 40% من الركاب يستخدمون تذاكر مدعمة بنصف الثمن، فإن العائد الشهرى النهائى يكون قدره 70 مليون تقريبا، فكيف يقول الوزير إن العائد كان 50 مليونا فقط.
وهل يضم الـ3 ملايين الذين قال عنهم الوزير، من يركبون المترو دون تذاكر أصلا، وهل يحقق مترو الأنفاق عوائده من بيع التذاكر فقط، علما بأن الحسبة افترضت أن الـ3 ملايين مواطن يشترون تذكرة واحدة يوميا، وليس تذكرتين ذهابا وعودة، وإلا لتضاعفت أرقام الدخل.
السؤال الثانى.. وفقا للسعر الجديد
أعلن الوزير أن الحصيلة بعد زيادة التذكرة لجنيهين ستكون 90 مليون شهريا، وبنفس الحسبة، كيف يستقل المترو 90 مليون مواطن شهريا وسعر التذكرة الواحدة جنيهان، ويكون الدخل 90 مليونا فقط.
الحسبة تقول إن عائد المترو الشهرى يساوى عدد الركاب مضروبا فى جنيهين "سعر التذكرة"، ووفقا لتصريح الوزير أن المترو يركبه شهريا 90 مليون مواطن، فإن العائد وفقا لذلك سيكون 180 مليونا، وبخصم ربع القيمة كفارق اشتراكات وتذاكر مدعمة، يصبح العائد النهائى 140 مليون تقريبا، وليس 90 مليون جنيه -كما ذكر الوزير- هذا أيضا على افتراض أن المواطن يشترى تذكرة واحدة فقط فى اليوم، وليس ذهابا وعودة، وإلا لتضاعف دخل المرفق شهريا إلى 280 مليونا.
السؤال الثالث.. كيف لا يستطيع الوزير تسويق مرفق يستقله 3 ملايين مواطن يوميا؟
من بين الأسئلة المهمة، أن الوزير يتحدث عن مرفق يعتمد دخله على بيع التذاكر فقط، وهو وفق علوم الإدارة والتسويق، لا يسمى إلا "فشل"، لأن مرفقا يستقله 3 ملايين مواطن يوميا، يمكن أن يكون هدفا لمئات بل لآلاف الشركات الساعية للتسويق لنفسها والوصول إلى هؤلاء الـ3 ملايين مواطن.
فلماذا لا يفكر الوزير فى استغلال الإذاعة الداخلية لمحطات المترو، بدلا من أن إذاعة أغانى الكريسماس ونحن فى شهر مارس، وبدلا من أن يتركها لاختيارات موظفى المترو لإذاعة ما يشبه أذواقهم من مواد إذاعية، لماذا لا يسوق الوزير هذه الإذاعة أو يتركها لمحترفين يجعلونها مصدر دخل للمرفق، خاصة أنها ستكون أكثر الإذاعات استماعا فى مصر، فمن تلك الإذاعة التى يسمعها 3 ملايين مواطن يوميا، سوى إذاعة محطات مترو الأنفاق.
نفس الأمر ينطبق على الإذاعات الداخلية لعربات المترو، والتى من الممكن أن يتم استغلالها بشكل ما من الحرفية لتكون مصدر دخل أيضا للمرفق، ناهيك عن المحطات نفسها والشاشات التليفزيونية القديمة التى كانت موجودة بها، والإطار الخارجى لعربات المترو.
كل هذا يمثل رأس مال ومصادر دخل لمرفق مترو الأنفاق، فقط لو أشرف عليها واستغلها متخصصون يستطيعون أن يحولون تلك الإماكانيات إلى مصدر دخل للمرفق، وخدمة وإمتاع للركاب.
كل هذه الأسئلة المطروحة على السيد وزير النقل، ليس هدفها مناقشة صحة أو خطأ قرار زيادة سعر التذكرة، لكنها تضع إلى جانبه تساؤلات عن حسن إدارة المرفق، واستغلاله بالشكل الأمثل، لأن خلاف ذلك لا يعد سوى إهدار للمال العام، وفق قواعد الإدارة الحديثة، حيث إن أول ما تعلمناه عن تعريف الإدارة فى المدارس أنها علم الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.
السؤال الرابع.. 500 مليون ديون المترو قبل الزيادة.. و20.5 مليار ديون بعد الزيادة
الأهم من كل ما سبق أن السيد الوزير أعلن أن خسائر مترو الأنفاق كانت قد وصلت إلى 500 مليون جنيه، وأنه فى حاجة إلى تطوير المرفق وإصلاحه كى لا يتوقف، وهو ما اضطره لاتخاذ قرار رفع سعر التذكرة، إلا أنه فى سياق ذلك أعلن أن الإصلاحات ستكون بقرض قيمته مليار يورو، بما يساوى تقريبا 20 مليار جنيه مصرى، وهنا تتجسد مفارقة أن المرفق سترتفع ديونه بقيمة 20 مليار جنيه بالتزامن مع مضاعفة سعر التذكرة، وهو ما يؤكد أن ما حدث للمرفق من أزمات وخسائر لم يكن فقط بسبب أن سعر التذكرة جنيه كما سوّق، وإنما بدليل أنه بمضاعفة التذكرة ستتضاعف الديون مئات المرات لتصبح 20 مليارا و500 مليون جنيه، وهو ما يشير إلى احتمالية زيادة جديدة لسعر التذكرة بعد إتمام الإصلاحات، ليتمكن الوزير من سداد تلك الديون.