تنطلق اليوم الخميس، قمة رؤساء وحكومات حوض النيل بأوغندا، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لحل الخلافات فى الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل "عنتيبى"، وبحث عودة مصر لممارسة أنشطتها المتوقفة فى المبادرة بقرار من الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى 2010.
وتأتى القمة بمبادرة من الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى الذى طالب بعقدها لاعتقاده أنها ستحل الكثير من مشكلات دول الحوض، التى فشل الفنيون والوزراء المختصون فى إيجاد حلول صحيحة لها تضمن تحقيق الأمن المائى لكل دول الحوض والحفاظ على وحدة دول الحوض.
بداية الخلاف بين دول حوض النيل
وترجع بداية الأزمة لمحاولات دول المنابع فى عدم الإشارة من قريب أو من بعيد للاتفاقيات التاريخية "1929" المنظمة لوصول مياه النيل إلى مصر والسودان، على اعتبار أنها وقعت خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، فى أى اتفاق جديد يتم
"عنتيبى" وهى الاتفاقية الإطارية المؤسسية والقانونية لإدارة مستقبل التعاون فى حوض النيل.
وظهرت الأزمة فى عام 2007 حيث تم عقد اجتماع لوزراء المياه فى دول الحوض فى "عنتيبى" الذى شهد خلافا حادا فى تعريف مفهوم الأمن المائى ومدى علاقته بالموارد والاحتياجات بالإضافة إلى نقطتين آخرتين "الإخطار المسبق واتخاذ القرارات بالأغلبية وليس بالاجتماع"، وتم الاتفاق على رفع الأمر لرؤساء الدول والحكومات بحوض النيل لحل الخلافات حول الصياغة وإحالة بند الإخطار المسبق عن المشروعات إلى الهيئة الفنية لدول حوض النيل وفى عام 2009 اجتمع وزراء دول حوض النيل فى "كينشاسا"، حيث نسقت دول المنبع السبع فيما بينها للضغط على دولتى المصب وخاصة مصر وفى يوليو من نفس العام اجتمع المجلس الوزارى السابع عشر لدول حوض النيل حيث سعت دول المنبع إلى فرض إقامة مفوضية لحوض النيل بغض النظر عن مشاركة دولتى المصب "مصر والسودان" عوضاً عن الاتفاقيات القديمة لتوزيع حصص المياه من جديد.
مبارك يقرر تجميد أنشطة مصر فى مبادرة حوض النيل عام 2010
وقرر الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى أكتوبر 2010، تجميد عضوية مصر فى مبادرة حوض النيل، كرد فعل بعد توقيع دول منابع النيل على اتفاقية "عنتيبى"، دون حسم الخلاف على الثلاثة التى لا تزال قيد التفاوض وهى الإخطار المسبق بأى مشاريع تقام على النيل أو خطط مستقبلية تتعلق بنهر النيل، وتصويت الأغلبية على الاتفاقية الجديدة وهذا يمنح الدول الموقعة القدرة على حسم عملية التصويت لصالحها وتمرير المشروعات حتى لو أضرت بمصلحة دول المصب، وإدراج حقوق مصر والسودان التاريخية والقانونية فى الاتفاقية الجديدة من محاور الخلاف الأساسية بين مصر والسودان وبين الدول الست التى رفضت إدراج الاتفاقيات السابقة ضمن الاتفاقية الإطارية الجديدة.
وقد شكل اتفاق عنتيبى ضربة قوية لمبادرة دول حوض النيل التى تأسست عام 1999، فهناك اختلاف جوهرى فى الرؤية المصرية السودانية لقضية مياه النيل ورؤية أغلبية أعضاء حوض النيل فمصر والسودان تؤكدان أن لهما حقوقا تاريخية وقانونية واحتياجات حيوية فى مياه النيل، أما دول المنابع فتنظر إلى القضية على أنها حقوق عادلة تتساوى فيها كل الأطراف وأن الاتفاقيات القديمة نشأت فى عهود استعمارية يجب ألا تسود الآن بعد التغيرات التى شهدتها تلك الدول.
مصادر: القمة تعتبر الأولى من نوعها
أوضحت مصادر مسئولة بملف المياه أن هذه القمة تعتبر الأولى من نوعها من حيث تناولها لملف مياه النيل والأزمات التى شهدها هذا الملف خلال السنوات الأخيرة والتى ظهرت بوضوح فى مايو 2010 لقيام بعض دول المنابع بالتوقيع المنفرد على اتفاقية عنتيبى رغم عدم الإتفاق على كافة بنودها ووجود 3 مواد لم يتم التوافق حولها والتى عرفت بالنقاط الخلافية، وأدت إلى تجميد القاهرة والخرطوم لأنشطتهما فى مشروعات مبادرة حوض النيل وذلك لعدة سنوات، مما أدى إلى تقاعس الجهات المانحة وشركاء التنمية برئاسة البنك الدولى عن استمرارهم فى تمويل المشروعات لحين التوصل لإتفاق نهائى حول النقاط الخلافية.
وتبحث القمة وثيقة جديدة، تتضمن عدداً من المبادئ الحاكمة لإدارة مياه النيل، وآليات التعاون المشترك، وتحديد الخطوط الرئيسية لآليات التعاون بين دول حوض النيل بما يحفظ الأمن المائى للجميع، ويرسخ مبدأ عدم الضرر، على غرار اتفاق المبادئ الذى تم توقيعه، فيما يخص سد النهضة، بالإضافة إلى دراسة فنية للقيام بمشروعات، للاستفادة من الفواقد المائية المهدرة في الغابات، واستكمال مشروعات التعاون المشتركة، التى كانت قد أقرتها مبادرة حوض النيل، وتوقفت بعد توقيع اتفاقية عنتيبى بواسطة "إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وروندا و بوروندى" فى مايو 2010.
وتسعى مصر لبحث سبل التعاون مع جميع دول الحوض دون أى شروط وأنها تأمل فى أن يدرك الأشقاء فى حوض النيل أن جميع تجارب التعاون فى أحواض الأنهار المشتركة فى أفريقيا وغيرها من المناطق على مستوى العالم تأسست على مبادئ تحقيق المكاسب المشتركة وعدم الإضرار بمصالح أي دولة من الدول المشاطئة للنهر ومن ثم فإن دول حوض نهر النيل آن الآوان لأن تقدم نموذجا إضافيا لمثل تلك التجارب الناجحة.
ويؤكد المعنيون بملف المياه أن تكليفات القيادة السياسية لهم هى بذل الجهد لتوفير عوامل النجاح للقمة والعمل على تقريب وجهات النظر والمواقف حول ملف مياه النيل من خلال التركيز على آفاق التعاون وتحقيق المكاسب المشتركة وتوسيع دائرة التعاون لتشمل جميع القطاعات التنموية، بل والتعاون الثقافى والأمنى والتنسيق السياسى أيضًا، وبما يحقق طموحات وتطلعات شعوب دول حوض النيل فى التنمية والإستقرار والتحديث والتطوير.
ويرى المراقبون لملف العلاقات بين مصر ودول حوض النيل أنه منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية البلاد واهتمامه الخاص بالعلاقات المصرية الافريقية وخاصة حوض النيل ساهم فى عقد هذه القمة التى كانت بتوصية من مجلس وزراء مياه النيل عام 2006 والتى لم تدخل التنفيذ منذ ذلك الحين حتى دعى اليها الرئيس الأوغندى بعدما نجح السيسى فى بناء جدار كبير من الثقة والتفاهم بين مصر ودول الحوض بلا استثناء علاوة على نجاحه بحكمته فى فك شفرة التعامل مع رؤساء دول وحكومات النيل وتأثير بعض القوى الإقليمية والدولية على صنع القرار.
ونجح الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إذابة الكثير من الثلج فى العلاقات الإنسانية والشخصية بين رؤساء دول الحوض لتنمية موارده لصالح الشعوب، وذلك من خلال حرصه على المشاركة فى كافة الأنشطة والمؤتمرات المعنية بهموم ومشاكل القارة الأفريقية فى المحافل الدولية والتحدث بهمومها وكذلك مشاركته الدائمة فى اجتماعات القمة الأفريقية وعقد لقاءات ثنائية مع رؤساء الدول والحكومات على هامش تلك القمم وهو ما ساعد كثيراً فى استيعاب الجميع لحجم الخطر من عدم الإتفاق أو التوافق حول الخلافات العالقة.
ويغيب الرئيس السودانى عن المشاركة فى القمة، حيث أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن حسبو عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية سيرأس وفد السودان الذى يضم وزارة الكهرباء والسدود ووزارة الخارجية وعدد من الفنيين.