إيران لم تمارس هذه المرة الشتائم المعتادة ولم تروج للأكاذيب كعادتها بل هددت الكويت بعبارات لا تقبل التأويل من خلال التذكرة بسيناريو الغزو والاحتلال الذى فعله الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، بالعام 1990، معتقدة أن هذا الغزو كان بمثابة تأديب للكويت، وتناست أن العالم اجتمع لطرد صدام من الكويت وإجلاء القوات العراقية ولم تمر بضعة أشهر حتى تحررت الكويت من الغزو.
لم تسأل إيران نفسها قبل أن تنشر هذا التقرير: "أين صدام حسين اليوم؟ وأين العراق؟ وما هى الحالة التى وصلت إليها دولة الكويت؟"، الإجابة عن هذه الأسئلة تعطينا فكرة عن مصير كل من يفكر فى غزو دولة أخرى وكل من يعتدى على القانون الدولى.
وفيما يشبه الوقاحة الإيرانية المعتادة فى مثل هذه الحالات من المناكفات السياسية على خلفية قرار الكويت تخفيض التمثيل الدبلوماسى مع إيران بعد إيوائها مطلوبين جنائيا فى قضية الإرهاب والتجسس المعروفة بـ"خلية العبدلى"، نشر الموقع الرسمى لقناة العالم الإيرانية الرسمية تقريرا يتطاول على السلطات الكويتية تحت عنوان "هل يحتاج الصغير الكويتى إلى تأديب؟!".
ومن العنوان والمتن يتضح أن الخبر ليس إلا عبارة عن توجه جديد لإيران تجاه الحكومة الكويتية بالرغم من أنها كانت الطرف العربى الأقرب إلى إيران ولم تقطع علاقتها بها بعد أزمة اعتداء قوات التعبئة العامة الشعبية (الباسيج) على المقرات الدبلوماسية السعودية فى محافظتى طهران وخراسان الرضوية يناير 2016.
فى حين قطعت كل الدول العربية تقريبا علاقتها مع إيران وخفضت تمثيلها الدبلوماسى رأت الكويت أن تكون الطرف العربى الذى يقوم بدور الوسيط النزيه فى كل الازمات الإيرانية ـ العربية، وبدلا من أن تشكر لها إيران هذا السلوك والصنيع كان أن كافأتها بإيواء مجرمين إرهابيين كويتيين مطلوبين للعدالة وتطاول إعلامها الرسمى بهذا الشكل الفج عليها.
المرجح فى هذا السلوك الإيرانى أنه جاء بترتيب مع قطر تلك التى كانت مستاءة من الدور الكويتى فى أزمتها العربية الأخيرة، مستهدفة من وراء ذلك أن تكون الطرف العربى الوحيد الذى تربطه علاقات بإيران، وبالتالى تزيح الدور الكويتى من المشهد، بالرغم من أن تميم قال فى خطابه مساء أمس إن "قطر تثمن الدور الكويتى".
لكن كما هى عادة السياسة القطرية تقول كلاما فى العلن وتمارس سلوكا على نقيضه فى الخفاء، وعملا بالقاعدة "ابحث عن المستفيد" يتضح أن الرابح الأكبر والمستفيد الأول من التطاول الإيرانى على الكويت هى قطر التى تريد الاستئثار باللاعب الإيرانى الذى أثبتت كل الخبرات السابقة أن المتغطى به عريان وأن كلفة الارتماء فى أحضان فارس نتيجتها الحتمية معروفة.
ويبقى السؤال: هل أجرمت الكويت لتخفيضها عدد الدبلوماسيين مع إيران بعد السلوك الإيرانى فى قضية "خلية العبدلى" أو "حزب الله الكويتى"؟ هل فعلت أمرا محرما فى السياسة؟ ولماذا غضبت إيران بعد هذا القرار إلى هذا الحد؟ وهل تعتقد إيران أن الجناة سيفلتون من العدالة؟!.