على مر العصور استطاعت المرأة تغيير المجتمع، انطلاقا من كونها صوت ضمير الأمة، وفى السنوات الأخيرة بعد ثورة 25 يناير، كان للمرأة دور بارز فى المواقف السياسية الأخيرة، كما كانت لها مواقف عزة وفخر بوقوفها ضد الجماعات الفاسدة التى حاولت النيل من الوطن، علاوة على اعتزاز الرئيس الرئيس عبدالفتاح السيسى بها فى خطبه وكلماته، تقديراً لدورها فى المجتمع والأدوار التى لعبتها فى السنوات الأخيرة، حتى أنه أعلن عام 2017 ،عام المرأة المصرية ، لتنفتح المرأة فى دورها المجتمعى من تربية الأطفال والنشء إلى تغيير السياسات .
وتعتبر محافظة الإسكندرية من المحافظات التى كانت معقلاً للتطرف وخرجت منها الأفكار المتشددة فى السنوات الأخيرة، ووضعت وزارة الأوقاف خطة لتغيير المفاهيم الخاطئة التى نشأت فى عروس البحر، وكانت للمرأة دوراً كبيراً فى العام الأخير، وإبراز دورهن تقديراً لهن ولمكانتهن خاصة أن الدين الإسلامى لم يغفل دور المرأة وكان لهن أدواراً هامة فى المعارك والحروب والمواقف الصعبة منهم زوجات الرسول والصحابة، فلم يعتبروها عورى مثلما خرجت علينا فتاوى الجماعات المتشددة بأفكارهم الشاذة.
" برلمانى"، اقتحم عالم الواعظات بالإسكندرية لإبراز دورهن فى المجتمع، وما يقومن به لخدمة الدين الإسلامى تطوعاً وحباً فى الله والوطن ، ورصد خطوات الكفاح لنشر الإسلام الوسطى المستنير .
البداية كانت مع بهيرة خيرالله ، مهندسة من محافظة الإسكندرية، قررت أن تدخل عالم الواعظات عام 2004، بعد أن كانت تتلقى الدروس فى المسجد واكتشفتها معلمتها فى أحد الدروس، وطالبتها بشرح الدرس إلى زملاءها وفعلت ذلك بنجاح إلى أن جاء إليها أعداد كبيرة من السيدات للاستماع إليها، فقررت أن تلتحق بمعهد إعداد الدعاة لتكون داعية معتمدة من وزارة الأوقاف وأصبحت كبيرة الداعيات بالإسكندرية.
وتقول "الحاجة بهيرة".. بدأت مسيرتى عام 2005 عقب تخرجى من معهد إعداد الدعاة بالإسكندرية وأصبح لى 4 حلقات أسبوعية فى مسجد على بن أبى طالب بسموحة، اجتمع بالسيدات واشرح عدد من الدروس الدينية، بالإضافة إلى تحفيظ للقرآن، كما خصص لى يومين فى الأسبوع لأعطى الدروس فى مسجد نادى سبورتنج بالإسكندرية ودار مسنين، وهناك أعمال تطوعية مع المجلس القومى للمرأة فى حملات توعية والتواصل مع كافة الطبقات الاجتماعية وتوعية المرأة دينياً فى عدد من المشكلات .
وأضافت " لم أتردد لحظة عندما يطلب منى أحد المشاركة المجتمعية فى حملات أو يطلب منى نصيحة أو درس فأنا مقتنعة بأن الداعية له رسالة يجب أن يؤديها على أكمل وجه مهما كانت الصعوبات، ومن المواقف الطيبة، هو طلب سيدة تعيش فى الولايات المتحدة الأمريكية أن تحفظ القرآن الكريم رغم صعوبة قرأتها للغة العربية ،ومع مرور الوقت أصبحت من المتميزات.
وعن سبب توافد عدد كبير من السيدات إليها للاستماع إلى دروسها، قالت " اعتمد على أسلوب بسيط وسهل يناسب كل الثقافات يأتى لى الطبيبة والمهندسة وربة المنزل، وجميعهن لهن ثقافات ومستوى تعليمى مختلف، فلا يمكن أن أغالى فى التعبيرات الدينية وأتحدث أمامهن باللغة العربية الفصحى حتى لا ينفروا من الحديث والأسلوب.
مشيرة إلى وجود عدد كبير من السيدات يستمعن إلى أكثر من داعية ليقارنوا الأسلوب والمادة الدينية التى يلقيها ثم يقررن فى النهاية من سيستمعن إليه من الشيوخ، لذلك لابد من عدم التحدث بالأسلوب المبالغ فيه خاصة مع الفئات الغير مثقفة ، لذلك تقوم بتحضير الدروس مسبقاً وقراءة أكثر من مصدر فى التفسير والتجويد حتى تكون مستعدة لأية استفسارات قد تُسأل عنها أثناء الدرس.
وعن أسئلة الفتاوى التى قد تتعرض لها خاصة بين السيدات الدائمات فى السؤال عن فتاوى الزواج والطلاق والمواريث قالت " أنا لم أصدر فتاوى وأعتمد على قول الرسول " أجرأكم على الفتوى..أسرعكم إلى النار" فهناك أمور لا يمكن الفتوى فيها سوى أهل الفتوى وهى دار الأفتاء، ولكن هناك أمور بديهيه قد نقولها مذكورة فى القرآن الكريم مثل المواريث.
وأوضحت أن هناك من يريد إفساد العقول بالأفكار المتطرفة الداعشية، وأوجههم يومياً فى المساجد، يريدون الخروج عن القرآن والسنة، وسردت موقفاً شاهدته من أحد السيدات فى شهر رمضان الماضى، عن إجازة المرأة الصلاة أثناء فترة الحيض ولا يوجد نص قرآنى بتحريمه .
وقالت أنه على الداعيات دوراً كبيراً فى مواجهة هذه الأفكار خاصة بين السيدات فهم أمهات ومربيات أجيال لا يمكن أن يغزو عقولهن الأفكار الشاذة والمتطرفة حتى لا ينقلوها إلى أبناءهن وتنتشر الآفة.
وأوضحت، إن الجماعات المتطرفة تستخدم الشباب الصغير للسيطرة على عقولهم وإجراء عملية غسيل مخ كاملة ، مؤكدة إن هناك خطوات للسيطرة على هذه الأجيال الشابة من خلال مدرسة المسجد الجامع التى أسستها وزارة الأوقاف، وهى عودة للكتاتيب القديمة التى تربى عليها شيوخ كبار أجلاء وعلماء، امتهنوا مهن آخرى غير علوم القرآن ولكن ظل القرآن والسنة دستورهم فى الحياة.
وعن تنظيم وقتها بين منزلها وعملها كداعية تقول " توفيق الوقت من عند الله ولأن أولادى متزوجين وزوجى يتفهم عملى جيداً فأنا استيقظ مبكراً وأنجز المهام المنزلية ثم أتوجه إلى العمل وأثناء عملى بالمنزل استمع إلى إذاعة القرآن الكريم وأتعلم من الشيوخ الكبار وأدون ملاحظاتى دائماً حتى استرجعها أثناء تحضير الدروس.
لم تكن قصة الحاجة بهيرة هى الوحيدة التى تطرقنا إليها بل هناك قصة آخرى مميزة، لعزيزة أحمد إبراهيم بريقع، خريجة كلية الآداب قسم فلسفة، تخصصت فى تعليم وتحفيظ الأطفال لعلوم القرآن، وقررت أن تعمل فى مجال الدعوة الإسلامية .
وتقول الداعية عزيزة بريقع، إنها بدأت عملها فى عام 2005 بتكليف بمسجد بجوار منزلها بمنطقة القبارى، وهو مسجد سعد الدين ومسجد الجمل، بجانب إعطاء الدروس فى زاويتين وهما الفردوس والغفران، وذلك تطوعا منها .
وأضافت أنها تعمل منذ بدايتها فى حلقات تحفيظ القرأن ودروس للأطفال، وهى تجربة مميزة استطاعت فيها تحفيظ عدد كبير من الأطفال أجزاء كاملة من القرآن ، بالإضافة إلى بعض الدروس للسيدات منها دروس فى الفقه والقرآن والطهارة وأخلاقيات الدين الإسلامى وسلوكياته السمحة.
وأشارت إلى أنه بسبب التطور التكنولوجى حاليا واستخدام الاطفال بكافة الطبقات للتكنولوجيا والعرض الفعال عبر الهواتف المحمولة، قررت أن يكون أسلوب الشرح مختلف حتى يواكب التكنولوجيا الحديثة والمستوى العقلى المتقدم الذى يعيشه الجيل الحالى ، وقالت : أخصص وقت فى الدرس لعرض فيلم أو شرح الدرس عن طريق شاشة عرض كبيرة مصحوب بمواد تفاعلية حتى أسهل على الطلاب استيعاب الدروس وتثبيتها فى عقولهم.
وقالت إنه فى بداية فصل الصيف ومع انطلاق مدرسة المسجد الجامع، شهدت المساجد بالإسكندرية إقبالا كبيراً من الطلاب من مختلف الأعمار للمشاركة فى حلقات تحفيظ القرأن، خاصة أنها تزرع فى الأطفال السلوكيات والأخلاقيات السمحة وتحثهم على التعايش مع طوائف المجتمع وهو ما طلبه مننا الإسلام، وحب الوطن وإحترام الكبير والبعد عن الأفكار الخاطئة، فهى رسائل هامة لابد أن تزرع فى الأطفال.
وأوضحت أنه فى السنوات الأخيرة كانت معظم مساجد الإسكندرية تحت سيطرة الإخوان والسلفيين وخاصة بمنطقة غرب الإسكندرية، وتقول : اتحاربت كتير من الجماعات المتطرفة بسبب إقبال الأطفال على الدروس التى أقدمها وإحداهن قالت لى : انتى صوتك عالى ومشهورة وصوت المرأة عورة !!.
وأضافت إنها لم تيأس من هذه المحاولات لإحباطها، حتى جاء وزير الأوقاف ومنع صعود المنبر لغير المتخصصين وأحكمت الأوقاف قبضتها على جميع المساجد وأعاد للأئمة والدعاة المعتمدين هيبتهم من جديد، فلا أحد يستطيع أن يمنعنا من أداء واجبنا الدينى والوطنى.
واستكملت " أن للداعية دور كبير فى المجتمع لا يقتصر على الدروس فى المسجد فقط، فهناك دور مجتمعى تشارك فيه الداعيات مع المجلس القومى للمرأة فى حملة بعنوان " طرق الأبواب"، وتشارك فيها داعيات إسلاميات وخادمات من الكنيسة للحديث مع السيدات المصريات فى عدد من المناطق البعيدة، للحديث معهن وإثبات أننا نسيج واحد لا يمكن التفريق بيننا وترسيخ مبادىء المواطنة التى قد نساها البعض بمرور الوقت .
وللتفوق العلمى فى علوم القرآن سبب رئيسى فى نبوغ الداعيات ومنهم الداعية حنان متولى توفيق، الحاصلة على ليسانس التربية ومن ثم ليسانس الآداب جامعة الإسكندرية، وماجستير من قسم اللغة العربية شعبة الدراسات الإسلامية، شهادات دراسية وتفوق علمى ليس للتباهى الاجتماعى بل لخدمة الدين الإسلامى ونشره بالطريقة العلمية الصحيحة، حسبما قالت "حنان".
وتقول الداعية حنان متولى، حصلت على عدد من الشهادات الدراسية وصلت إلى أعلى المراتب وقررت أن أعمل فى المجال الدعوى وبدأت مسيرتى منذ 15 عاماً، وقررت الالتحاق بمعهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف حتى أصبح داعية معتمدة بالوزارة .
وأضافت تولت مهمة الداعية فى عدد من المساجد بالإسكندرية، حتى أصبحت مسئولة عن مسجد سلطان بمنطقة محطة مصر، وهى من المناطق الشعبية ذات الكثافات السكانية المرتفعة، وفى الفترة الأخيرة مع انطلاق مدرسة المسجد الجامع، أكدت إنها وضعت خطة جديدة لدروس دينية تستفيد منها النساء، وفى الوقت نفسه تمثل خروجا عن المألوف، فقررت شرح دروس العلوم الشرعية، بعد أن لاحظت شغف بعض السيدات فى معرفة المواد الدراسية التى تُدرس فى الأزهر، كما أنها ستجيب على عدد من الأسئلة لديهن وتُصحح مفاهيم عديدة لهن.
وأوضحت أن من ضمن الموا الدراسية التى تشرحها للسيدات هى فقه السنة وفقه السيرة ، وأصول الفقه وعلم العقيدة ،وما يوزاى الفلسفة الإسلامية، مثل صفات الأنبياء و صفات الخطبة القوية لكى تقدر تسطع أن تحكم على الخطبة و آداب الحوار والمناظرة بجانب التجويد وعلوم التفسير والحديث، ولاقت قبول سيدات عديدة بالمسجد وهناك إقبال على الدروس، حسبما توكد حنان.
وطالبت الداعية حنان متولى، بضرورة تسليح الداعيات بالندوات الفكرية للرد على الغزو الفكرى الذى يحدث فى الأمة الإسلامية حالياً ، قائلة " سعدنا بمعسكر أبو بكر الصديق الذى نظمته وزارة الأوقاف لأنة كان مليء بالمحاضرات الغنية ولابد من تكرارها حتى تتسلح الداعية فكرياً، وتكون مؤهلة للرد على الأسئلة ومواجهة فتاوى التحريم والبدع التى انتشرت مؤخرا،ً وحتى يكون لها أدلة علمية تستطيع أن ترد بها على الجميع وتحارب الفكر المتطرف .
وقالت أن وزارة الأوقاف لها دور كبير فى هذه المحاضرات، مطالبة بزيادتها خلال الفترة القادمة، كما طالبت بضرورة اعتماد أعداد كبيرة من الداعيات بالإسكندرية، لأن العدد الموجود حاليا 7 داعيات فقط، هو عدد غير كافى ويسمح لغير المتخصصات باختراق مصلى السيدات وإلقاء الدروس عليهن فى حين أن معهد إعداد الدعاة يُخرج سنوياً حوالى 100 خريج من بينهم 5 سيدات، ولابد من الحاقهم بالمساجد بعد خضوعهن لكافة الاختبارات الصارمة التى مروا بها حتى يحصلوا على التصريح الرسمى .
ومن جانبه أكد الشيخ محمد العجمى، وكيل أوقاف الإسكندرية ، على دور الواعظات فى المجتمع فهن عليهن دور كبير فى تبليغ الدعوة إلى الله، لذا فيجب أن يستخدمن التنويع فى أساليب الدعوة والاستفادة من الوسائل الحديثة والداعية الفَطِنة إلى الله تعالى، وعليها أن تسلكَ في دعوتها مسلكَ الأنبياء والرسل عليهم السلام، وأن تقتدى بهم، وتنوِّع في أساليب دعوتها، وحسنِ بيانها وعرضها على الناس؛ فقد لا يَقبَلُ شخصٌ الدعوةَ بأسلوب معين، فيمكن أن ينشرح صدره ويقبلها بأسلوب دعوى آخر.