قد يكون الأمر طبيعيا حين يتم التداخل فى مشروعات القوانين المقدمة من أكثر من نائب بتصورات مختلفة، لعرضها أمام لجان البرلمان، ما يتيح فى النهاية المقارنة واختيار المناسب، لكن فى أحيان أخرى يغلب على المقترحات المقدمة طابع المناورة مع الخصم والاتجاه المضاد.
على سبيل المثال لا الحصر، تقدم حزب الوفد، والنائبتان سهير الحادى وعبلة الهوارى بـ 3 مشروعات لتعديل قانون الأحوال الشخصية، بدت أمامنا اختلافات بين المشروعات، وذلك حسب رؤية مقدمه سواء كان يمثل ائتلافا أو حزبا أو من نائب مستقل، لكن فى النهاية يصب فى إثراء الإنتاج التشريعى، لكن ما نقصده هنا هو تقديم نائب مشروع قانون مضاد يحبط خطط ومساع خصمه – إذا جاز التعبير- الذى يكون قد تقدم بمقترح قانون مسبقًا.
أحمد سميح VS مارجريت عازر
الأسبوع الماضى، أثار النائب أحمد سميح، الجدل باعتزامه تقديم مشروع قانون تخفيض سن زواج الفتيات إلى 16 عامًا بدلاً من 18 السن المعتمد حاليا، سبق أن طرح تلك الفكرة فى شهر مايو الماضى، لكنه أعلن تمسكه حاليا بتقديم القانون، معللا بأن "الجميع يعلم أن هناك تجاوزات للقانون الحالى، وأنه فى المناطق الشعبية يزوجون بناتهن قبل سن الـ18 عامًا وبعد إتمامها السن القانونى يحررون العقود الرسمية".
لاقى مقترح أحمد سميح، تحفظا وغضبا شديدين من قطاع كبير من نواب البرلمان، وعدد من الجهات الحكومية كالمجلس القومى للأمومة والطفولة والقومى للسكان، والقومى للمرأة، وأحزاب، الذين يعتبرون مشروعه مخالفا للدستور والمواثيق الدولية، وبمثابة ردة حضارية، كما أعلن تكتل نائبات مصر – يضم 45 نائبة- اعتزامه تقديم تعديل تشريعى لتشديد العقوبة على جميع المخالفين لسن الزواج الحالى.
أما النائبة مارجريت عازر عضو لجنة حقوق الإنسان، التى كانت أول من طالبت فى شهر مارس الماضى، برفع سن زواج الفتيات، لمواجهة انتشار ظاهرة زواج القاصرات، ردت على مقترح "سميح"، بأنها ستتقدم بمشروع قانون لرفع سن زواج الفتيات إلى 21 سنة، حفاظًا على حقوقهن فى التعليم والتأهيل لشغل مكانتهن فى المجتمع، وحماية للفتيات من إهدار فرصهن فى الاختيار الرشيد لزوج المستقبل.
أبو حامد VS حمروش
من جديد، تطل أزمة النائب محمد أبو حامد، ومؤسسة الأزهر، بعد إعلان وكيل لجنة التضامن بالبرلمان، قبل أيام قليلة، عن تقديمه قانون تنظيم الأزهر، خلال دور الانعقاد الثالث، الذى أحدث حالة من الجدل الكبير بدور الانعقاد الماضى، لكن ما بدا للجميع وقتها من رفض واسع لمشروع قانونه، هو إعلان النائب عمر حمروش، إعداده مشروع قانون لتحصين شيخ الأزهر، لمواجهة مشروع "أبو حامد" الذى طرح تحديد مدة زمنية للإمام الأكبر، وأن يكون قابلا للعزل.
ظن كثيرون أن الأزمة "صفحة وطويت" بدور الانعقاد الماضى، وتأكيد رئيس البرلمان، آنذاك وجود عوار دستورى بمشروع قانون تعديل الأزهر، وأبلغ النواب حينها بأنه التقى الإمام الأكبر وأبلغه تقدير نواب المجلس لدور المشيخة، وعدم تلقيه مشروع قانون بشأنه، وذلك بعد حملة كبير من التوقيعات الرافضة والمؤيدة، وتنظيم نواب زيارات لمقر المشيخة.
لكن بعد تمسك أبو حامد، بقانونه الذى جمع بشأنه "توقيعات أكثر من 80 نائبا على القانون، بالإضافة إلى وجود 120 نائبا لديهم قناعة بفكرة التشريع" حسبما قال، هل يفتح "حمروش" باب المواجهة بالتشريعات من جديد ليقدم قانونه الذى يتضمن عقوبة السجن والغرامة لمن يسىء لشيخ الأزهر أو لمؤسسة الأزهر.
"ازدراء الأديان": المواجهة مفتوحة
بدا الأمر وكأنه معركة كل دور انعقاد للبرلمان، فمنذ الانعقاد الأول نوقش مشروع قانون مقدم من النائب محمد زكريا محيى الدين، لإلغاء عقوبة ازدراء الأديان بقانون العقوبات، واجهته الحكومة بالرفض أمام اللجنة التشريعية بالبرلمان وحذرت من تمريره، لكن تجدد فى بداية دور الانعقاد الثانى حين ناقشت اللجنة نفس المشروع – مقدم من ثلاثة نواب بينهم آمنة نصير- وانتهى الأمر برفض المقترح من 20 نائبا، مقابل موافقة 3 فقط وامتناع نائب عن التصويت.
قابلت "نصير" رفض مشروعها بشىء من الأسى، واعتبرت أن اللجنة التشريعية تعاملت على أنهم حماة الدين وأنها من ستهدمه، لكن ذلك الرفض لم يمنعها من تجديد مطالبها بضرورة إلغاء الفقرة "و" بالمادة 98 من قانون العقوبات، التى تعتبرها "مليئة بالعوار وتنبعث منها رائحة الأنا الغاشمة، وتعبر عن ديكتاتورية الفكر البائسة"، وكانت سببا فى محاكمة مفكرين.
لكن المواجهة يبدو أنها لا تنتهى، وسنشهدها فى دور الانعقاد المقبل، ولكن بين نائبين حتى الآن؛ فالنائب زكريا محيى الدين، يعتزم التقدم مرة أخرى بمشروع قانون لازدراء الأديان لإلغاء العقوبة، فى حين أن لجنة اقتراحات البرلمان وافقت منذ أسابيع على مشروع قانون لتغليظ عقوبة ازدراء الأديان وتعديل المادة 98، مقدم من النائب كمال عامر، الذى تقدم بهذا الاقتراح "لتحقيق الردع العام من خلال تشديد العقوبة"، وقد يطرح للمناقشة أيضا مع انعقاد المجلس قريبا، فالمواجهة تلوح فى الأفق حتى وإن كان كل نائب منهما يقدم مشروعه لسبب يختلف عن الآخر.
قانون تجريم الكراهية: أبو حامد يناور مع الأزهر
لم يعد الأمر قاصرا على تشريع فى مواجهة تشريع تحت قبة البرلمان، لكن تجاوز الشكل المألوف ليواجه مقترح مقدم من مؤسسة عريقة؛ ففى 13 مايو الماضى، هل كان الأمر عاديا، حين أعلن النائب محمد أبو حامد عن إعداده مشروع قانون تجريم الكراهية فى اليوم ذاته الذى أعلنت مؤسسة الأزهر إعدادها نفس القانون؟
قراءة الصورة كاملة تشى بأمر أكبر من كونه تداخل تشريعى، فبينما أعلن الأزهر، تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين، خرج وقتها "أبو حامد" ليعلن انتهاءه من إعداد مشروع قانون بتجريم الحض على الكراهية بدعم 80 نائبا. وبعد نحو أكثر من شهر، كشف الإمام الأكبر، فى احتفالية ليلة القدر، أن مشروع قانون الأزهر لتجريم الكراهية وصل مؤسسة الرئاسة.
ما كان على أبو حامد، إلا أن يعلن أين وصل مشروعه لتكتمل الصورة، وبالفعل أعلن أنه قانونه قدم إلى الأمانة العامة للبرلمان، وأحُيل إلى اللجنة التشريعية، معقبا "حتى لو جه القانون من الأزهر هتبقى القراءة للقانونين فى إطار المقارنة، وبما إنى مقدم القانون الأول، فإن قانونى هو القانون الأول والأساس" حسب تعبيره.