خرج المئات من أهالى فيسترفالدة يستقبلون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مرشحة الحزب الديمقراطى المسيحى CDU، التى ذهبت فى إطار إحدى جولاتها الانتخابية إلى تلك البلدة المحافظة التى تمثل واحدة من المناطق ذات الأغلبية المؤيدة لها، غير أن الأمور لا تسير عادة مثلما يرغب المرشحون، فخلف صفوف رفعت لافتات "نحن نحب ميركل" أو "نحن نحب الـCDU" بينهم بعض اللاجئين السوريين الذين جاءوا لدعم السيدة التى أنقذتهم من العنف والقتل، وقف عشرات المعارضين الذين راحوا يصفرون إحتجاجا فى محاولة لإحداث بعض الضجيج خلال كلمة المستشارة.
الموز وألمانيا الشرقية
رفع المعارضون، لافتات وقد علقوا عليها بعضا من الموز، فى إشارة إلى الإعتراض على سياسات المستشارة الألمانية ولاسيما ما يتعلق بسياسة الباب المفتوح التى اتبعتها تجاه اللاجئين وترمز هذه اللافتة إلى حقبة من التاريخ الذى يعود إلى قبل إنهيار سور برلين وتوحيد ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، حيث كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية أو ما يعرف بالشرقية التى تتبع الحكم السوفيتى، رفعت شعار مقاطعة بضائع الدول الغربية المتالحفة مع جمهورية ألمانيا الفيدرالية "الغربية"، ومن بين هذه البضائع "الموز" الذى أصبح فاكهة محرمة على الألمان فى الشرق، غير أنه بعد انهيار سور برلين فى 1989 واتحاد الألمانتين انتهت هذه المشكلات، لكن ظل الموز أداة يرفعها المحتجون الذين يرفضون الانفتاح الذى تسبب فى تدفق المهاجرين، حيث ينظر العديد من المواطنين الألمان إلى المهاجرين، باعتبارهم سبب رئيسى فى تراجع مستوى المعيشة.
لكن رغم الشغب والضجيج الذى أحدثه المعارضون بالخلف خلال كلمة ميركل لمؤيديها، وقفت المرأة الحديدية، وقد أظهرت ما يكفى من ثبات يدل على قوة شخصيتها، فلم يرهبها أو يقلقها صوت الصفير والرفض، وبخطى واثقة اتجهت ميركل إلى المنصة لتدلى بكلماتها على مؤيديها الذين طغت أصواتهم على صوت صفارات المعارضين.
الإرهاب
تعرف ميركل ما يشغل عقول ناخبيها، وقد استطاعت أن تخاطب مخاوفهم متحدثة صراحة عما وصفته "التطرف الإسلامى" أو الجماعات الإسلامية المتطرفة العنيفة، وأقرت قائلة "الجميع يعانون منه ليس فقط فى ألمانيا، ولكن كما شاهدنا فى إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا، ويجب أن نعمل بكل ما فى وسعنا من أجل حجز الأشخاص الخطرين الذين نعرفهم الذين ينتهكوا قوانيننا، كما أن الذين يخططون لهجمات إرهابية أو يساندوا تلك الأعمال يجب أن يغادروا البلاد، واذا لم تتوفر الأوراق الثبوتية بخصوصهم فيجب أن يكون من الممكن احتجازهم لعدة أشهر في سجن الترحيل، وعدم تركهم طلقاء، وهذا إنجاز حزبنا المسيحي الديمقراطى".
أصرفت المستشارة الألمانية فى الحديث عن الأمن باعتباره إحدى القضايا الرئيسية التى تشغل الناخبين الألمان، وأضافت مؤكدة على الحاجة لمكافحة الإرهاب الدولى والتعاون على مستوى واسع سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية أو داخل الاتحاد الأوروبي لتحسين كفاءة هذا التعاون والعمل بشكل وثيق، وقد أشارت إلى أن وزير الداخلية الألمانى توماس دى مزيير يعمل جاهدا لتحقيق ذلك.
أقرت ميركل بالأوضاع الصعبة التى واجهتها ألمانيا خلال السنوات الأربع الماضية، مشيرة تحديدا إلى التدفق الكبير للاجئين عام 2015، والذين أتوا من العراق وسوريا فارين من جحيم العنف، غير أنها أرادت التركيز على المحنة الإنسانية لأولئك اللاجئين، لاسيما اليزيديين في العراق الذين كانوا يبحثون عن مأوى وعن الأمان، موجهه الشكر للسلطات في البلديات والمحليات وللمتطوعين الذين ساعدوا، قائلة "لقد ساعدتم بشر يتعرضون لأزمة كبيرة وعكستم صورة طيبة عن ألمانيا".
واستدركت المستشارة الألمانية بالقول "لكن ندرك أيضا أن عاما مثل عام 2015 لا ينبغى ولا يجوز أن يتكرر لقد تعلمنا من ذلك الوضع أننا لم نهتم في ذلك الوقت بما فيه الكفاية بشأن الأوضاع المعيشية للناس في مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن و 3 ملايين لاجئ في تركيا مما أدى أن اللاجئين تم استغلالهم من عصابات تهريب البشر وانفقوا الكثير من المال وعرضوا حياتهم للخطر واتوا إلينا. ولذلك المهمة الحالية هي مساعدة الناس هناك حيثما يعانون فلا أحد يترك بلده بكل بساطة ولذلك يجب مكافحة أسباب النزوح والتهجير ونعمل على تجهيز المخيمات القريبة من سوريا بشكل أفضل ونصنع فرص مستقبلية في بلدان أفريقيا لكي لا يعرض الشباب حياتهم للغرق في البحر الابيض المتوسط وهذا هي مهمتنا في السنوات الاربع القادمة وهذا يساعد الناس واللاجئين كما يساعدنا في التحكم في حجم اللجوء و الهجرة وتقنينها". فى محاولة لرسم خارطة سياستها الجديدة تجاه اللاجئين فى فترتها الجديدة المتوقعة.
وأصدرت محكمة العدل الأوروبية حكما بأن على المجر وسلوفاكيا أن يشاركوا بقدر أكبر فيما يخص استقبال اللاجئين، وهو ما لفتت إليه المستشارة الألمانية فى كلمتها قائلة إن التضامن لا ينبغي أن يكون من طرف واحد فقط ويجب أن يتم بخصوص جميع الأوضاع الحياتية في الاتحاد الاوروبي لنكون فعلا اتحادا أوروبيا. وفى إطار حديثها أعربت ميركل عن عدم رضاءها عن قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي، مشددة على ضرورة التعاون وأضاف " إننا مجتمع تسود فيه قيم ديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ودولة القانون وهذا هو المهم فلا نريد أن نتحدث عن بعضنا البعض ولكننا نريد أن نتحدث مع بعضنا البعض فلسنا دعاة كراهية وإنما نحاول سويا إيجاد حلول مشتركة ولذلك لم نحارب بعضنا البعض منذ عقود بل نعيش في سلام ، أوربا تؤمن بقيمة السلام ويجب المحافظة عليها لأن السلام أهم شيء لنا لنعيش في حرية".
الضرائب
الأمر الثانى الذى ركزت عليه المستشارة الألمانية، يتعلق بالأوضاع المادية وقد استغلت دعوة الحزب الإشتراكى الديمقراطى، وهو الحزب الرئيسى المنافس لحزبها، والذى يدعو إلى رفع الضرائب قالة "نريد تخفيض الضرائب على أصحاب المداخيل الصغيرة والمتوسطة الذين ما زالت تفرض عليهم ضرائب أعلى مما يجب ، يجب أن يخفف العبء عليهم وهذا ما كنت أعنيه بسياسة اقتصاد السوق الاجتماعية وذلك يعني أيضا أننا حتى بعد 10 أو 15 سنة يظل المرء لديه الفرصة في الحصول على العمل أو الوظيفة الجيدة في ظل التحولات السريعة التي يمر بها عالم اليوم".
وباعتبار التعليم قضية رئيسية تلقى إهتمام رئيسى داخل المجدتمع الألمانى قالت "نريد أن نستثمر أكثر في التعليم المدرسي لمواكبة التحولات نريد أن نربط المدارس الريفية بالإنترنت السريع، وأن نساعد المحليات والبلديات الضعيفة اقتصاديا في ترميم وتحسين مدارسهم، ونريد تأهيل المعلمين ليواكبوا التطور الرقمى، فقد يأتي تلاميذ اليوم إلى مدارسهم، وهم يملكون خبرة أكبر فى التعامل مع الهواتف الذكية والإنترنت مقارنة بمعلميهم الذين تخرجوا من الجامعات قبل 15 سنة، لذلك نريد أن يتم تأهيل أولئك المعلمين."
المواليد الألمان
وفى ظل التدفق الهائل للاجئين ، استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ خلال السنوات الماضية، وهو كفيل بتغيير تركيبة المجتمع الألمانى خلال العقود القليلة المقبلة، وجدت المستشارة الألمانية، أن القضية بالضرورة تشغل بال مواطنيها، لاسيما أن التيار اليمينى المتطرف يتبنى خطاب وحملة تقوم على هذه الفكرة، وقد استطاع بالفعل أن يحقق شعبية حتى أن الكثير من السياسيين والمراقبين فى ألمانيا يتوقعون دخول حزب يمينى متطرف إلى البرلمان الألمانى "البوندستاج" لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
وتحدثت ميركل عن القضية بشكل غير مباشر، وربطتها بتقليل الضرائب، حتى لا تبدو متمثلة باليمين، فضلا عن رغبتها فى التركيز على الجانب المالى، وقالت "إن من الأولويات الهامة لدى حزبها هي سياسة الأسرة مضيفة: "نحن مجتمع عدد المواليد فيه يقل، ونعرف أن قرار الإنجاب شأن عائلى شخصى لا تستطيع الدولة أن تصدر قرارا أن تتماسك الأسرة وأن يتكفل الآباء بالأبناء أو العكس طوال حياتهم، ولا نفرض عليهم طريقة معيشتهم، ولكننا نستطيع دعمهم، ليتمكنوا من القيام بمسؤلياتهم، ولذلك سنعمل على إصلاحات فى قانون الضرائب، إذا أعطيتمونا ثقتكم، ولذلك نريد أن نزيد حجم المبلغ المعنى من الضرائب على الدخل للأسر التي لديها أطفال فنحن نستثمر أيضا فى الأطفال، ونريد أن نحقق زيادة فى راتب الأطفال بمقدار 25 يورو، نريد أن يكون للأسر التى لديها أطفال إمكانية أكبر لشراء ما يحتاجون إليه".
بحسب العديد من المراقبون، ممن التقيت بهم خلال الرحلة، فإن المستشارة الألمانية لا تحظى بشعبية كبيرة داخل برلين، التى يسيطر عليها منافسها مارتن شولتز، مرشح الحزب الاشتراكى الإجتماعى، غير أن السيدة الحديدية تحتفظ بشعبية جارفة فى المناطق الأكثر محافظة فى ألمانيا وهو ما يضمن لها النجاح لتولى ولاية رابعة وبذلك تذهب لحكم ألمانيا أربعة سنوات أخرى قادمة.