وخلافًا للحركات اليمينة السابقة فى ألمانيا، أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا "AFD" مقبولا اجتماعيا وهو ما لا ينعكس ليس فى استطلاعات الرأى فحسب، ولكن فى انتصارات حققها الحزب الوليد فى الانتخابات المحلية العام الماضى، حتى أن مكاسبه تجاوزت الـ20% فى إحدى الولايات، وباتت الكثير من القطاعات داخل المجتمع الألمانى على استعداد للتصويت لصالحه جنبا إلى جنب مع الناخبين اليمينيين الراديكاليين التقليديين.
لكن احتمالات تسلل حزب، قارنه وزير الخارجية الألمانى، زجمار جابرييل بالنازيين، إلى قلب الديمقراطية الألمانية أمر يثير القلق ليس بين الأحزاب السياسية الأخرى فحسب، ولكن لدى الكثير من قطاعات النخبة فى ألمانيا وعلى رأسهم وسائل الإعلام الرئيسية وهى ما تشكل التوجه الليبرالى.
ففى زيارة قام بها "برلمانى" لمقر القناة الأولى ARD، ألتقيت فرانك بوخفالد، محرر غرفة الأخبار الرئيسية، الذى أقر بتحقق حزب البديل من أجل ألمانيا تقدما كبيرا، وأرجع ذلك إلى ما وصفه بأن "الجو مشحون" منذ موجات المهاجرين الذين نزحوا إلى ألمانيا على مدار السنوات القليلة الماضية، فضلا عن أن هناك أزمة ثقة تجاه الحكومة الحالية لدى بعض أوساط المجتمع.
وبينما بات من المحسوم فوز المستشارة الحالية أنجيلا ميركل بولاية رابعة، حيث يظل حزبها الاتحاد المسيحى الديمقراطى CDU متصدرا للمشهد السياسى واستطلاعات الرأى، إلا أن ما يشغل الناخبين الألمان حاليًا هو الحزب الذى سوف يشاركها فى الحكومة، وبينما تشير استطلاعات الرأى العام إلى تقدم، حزب البديل إلى المركز الثالث فى المنافسة بعد حزبى التحالف المسيحى الديمقراطى والاشتراكى الديمقراطى، إلا أن بوخفالد استبعد أن تقوم المستشارة الألمانية بالائتلاف مع حزب يمينى متطرف، وفضلا عن غياب مبادئ مشتركة تجمع الحزبين فإن حزب البديل يرغب فى الإطاحة بميركل من الحكم عقابا لها على سياستها فى ملف المهاجرين.
لكن قد ينتهى الأمر بأن يصبح حزب البديل لأجل ألمانيا AFD أكبر قوة معارضة داخل البوندستاج، إذا ما أسفرت الإنتخابتات الجديدة عن نفس الائتلاف الحاكم الحالى المكون من الاتحاد المسيحى الديمقراطى والحزب الاشتراكى الديمقراطى، وهو واحد من السيناريوهات الأكثر توقعا، وهو ما يعنى أنه سوف يترأس لجنة الميزانية ويفتتح المناقشة العامة خلال مشاورات الميزانية، ويولى الأهمية لبدائله للسياسات الحكومة.
لم يكن صعود اليمين وليد اللحظة أو وليد أزمة واحدة، فبحسب مراقبون ألمان فإن المشكلة بدأت بالأزمة المالية فى اليونان عندما تم ضخ حزمة مساعدات مالية من قبل دول الاتحاد الأوروبى لانقاذ اليونان وهو ما آثار غضب اليمين المتشكك فى الاتحاد الأوروبى، والذى لا يرى ضرورة للبقاء فى منطقة اليورو. ثم جاءت مشكلة اللاجئين الذين تدفقوا على ألمانيا بأعداد كبيرة تجاوزت المليون لاجئ، وهو ما أثر بدوره على الجوانب المجتمعية كافة وقد استطاع هذا الحزب الذى يرفض اللاجئين تحقيق مكاسب شعبية جراء خطابه الشعبوى، والآن باتت هناك أزمة ثقة تجاه السياسة ووسائل الإعلام.
خلال لقاءات متعددة نظمها معهد جوته فى برلين كان "برلمانى" على موعد مع عدد من السياسيين والصحفيين، الذين كشفت وجهات نظرهم حول حزب البديل من أجل ألمانيا عن خوف كبير بشأن احتمالات صعوده ودخوله البرلمان، غير أن دانييل ديلان بومر، نائب رئيس الشئون الدولية فى صحيفة فيلت الألمانية، كان الأكثر صراحة فى هذا الصدد، قائلا: إن اليمين يمثل قطاع من المجتمع الألمانى، إلا أن توسيع قاعدتهم الشعبية لاسيما إذا استطاعوا تكوين كتلة كبيرة داخل البرلمان قد يؤدى فى السنوات المقبلة إلى تهديد السلم الاجتماعى وذلك بسبب نظرتهم للمسلمين.
وأوضح أن المشكلة بالنسبة لأوروبا تتمثل فى وجود يمين متطرف يدعو إلى تقييد الحريات على المسلمين، لأنه يراهم خطر، ويعتبر أن كل ما هو مسلم فهو إرهابى، وعلى الطرف الآخر فهناك إسلاميون مسلحون يستغلون خطاب اليمين لكى يثبتوا أن الغرب كله يفكر بهذه الطريقة تجاه المسلمين، ومن ثم فإن المتطرفين اليمينيين والإسلامويين يستفيدون من بعضهم البعض فى أوروبا، مضيفًا "ما أخشاه هو أن أن يزيد هذا التوتر فى السنوات المقبلة."
وفى مقابل هذا الخوف الكبير من التيار اليمينى، تقر وسائل الإعلام الألمانية بأن قادة حزب البديل من أجل ألمانيا يشكون التحيز ضده من قبل وسائل الإعلام لاسيما أن الحزب لم يدعو قط للعنف، ويقول بومر إن هناك تحدى للصحافة من قبل هذا الفصيل السياسى لأنه يرى أن الصحافة تمارس "بروباجندا" ولا تصل الحقائق للمواطنين، فضلا عن أنه يرى تراجع فى المناخ الديمقراطى على الرغم من أنه يستخدم المؤسسات الديمقراطية للتعبير عن آراءه.
كما يرى فرانك بوخفالد أن دخول اليمين إلى البرلمان سيمثل تحدى كامل بالنسبة لوسائل الإعلام لأنه ينتقد طوال الوقت القنوات الألمانية الرئيسية، مضيفًا "هذا الحزب لا يريدنا"، وقال: "ندعو هذا الحزب إلى فعاليتنا بشكل أكبر من أى حزب آخر لأننا نريد أن نصل أصوات المواطنين الذين لديهم إنتقادات للحكومة، ولكن عندما يقوم أعضاء اليمين بتجاوز الحدود المسموحة ويتحدثون بشكل عنصرى يجب علينا كصحفيين أن نرد عليهم بشكل واضح.. لكن يجب أن أقر بأن هذه الحالة هى أكبر تحدى لنا".