السبت، 23 نوفمبر 2024 05:00 م

"برلمانى" يرصد ومضات من تاريخها.. ظهرت فى "إنجلترا" بالقرن الـ17 عقب الثورة المجيدة.. ونصت عليها المواثيق الدستورية الفرنسية عام 1789.. وطبقت فى مصر مع ثانى تشكيل لمجلس النواب 1882

"الحصانة البرلمانية"

"الحصانة البرلمانية" "الحصانة البرلمانية"
الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015 06:05 ص
كتب محمد رضا
الحصانة البرلمانية، هى أحد الركائز المثيرة للجدل داخل مجلس النواب المقبل، رغم قانونيتها ودستوريتها، وذلك لما لها من موروث فى ذهن المواطن بأنها الدرع للنائب الفاسد الذى يحمى نفسه بالحصانة إن أخطأ من المسائلة القانونية مميزا نفسه عن سائر الشعب، وأنها الوسيلة التى يرتكب تحت مظلتها النائب كل المفاسد والأخطاء بما فى ذلك الخوض فى أى تجارة محرمة، ومع تشكيل مجلس نواب مصر لعام 2015، بادر بعض النواب بالتلويح لاستعداداهم بالتخلى عن الحصانة البرلمانية طواعية، تأكيدا منهم على رغبتهم الصادقة فى خدمة الوطن والمواطن من خلال مقعد البرلمان وعدم سعيهم لمصالح شخصية، وأنهم لا يريدون تمييزا عن أى مواطن آخر.
المجلس

والحصانة البرلمانية، هى نوع من الحماية القانونية التى يوفرها الدستور لنواب الشعب فى البرلمان كنوع من الحماية السياسية والقانونية حتى يستطيع النائب أن يؤدى وظيفته الدستورية كاملة كـ"سلطة تشريعية" بعيدًا عن تأثير السلطة التنفيذية على أعضاء البرلمان بالترغيب أو الترهيب، وقد كفل الدستور لأعضاء المجلس حصانة خاصة فى بعض الأحكام المقررة فى التشريع الجنائى وذلك فى حالتين، الأولى: عدم مؤاخذة أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء فى أعمالهم فى المجلس أو فى لجانه وهو ما يطلق عليه عدم المسئولية البرلمانية، والثانية: عدم جواز اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب -فى غير حالة التلبس- إلا بإذن سابق من المجلس، وتزول الحصانة عن عضو البرلمان إذا ضبطت الجريمة فى حالة تلبس إذ أن حالة التلبس هى حالة تسقط معها كل الحصانات، لأن الجريمة تكون مؤكدة ومرتكبها معروف وبالتالى لا توجد أية شبهة أو مظنة للكيد والتلبس المقصود هنا هو المنصوص عليه فى قانون الإجراءات الجنائية بحالاته الأربع وهى: مشاهدة الجريمة حال ارتكابها، ومشاهدة الجريمة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة، وتتبع الجانى إثر وقوع الجريمة، ومشاهدة مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا أدلة الجريمة، وفى غير أدوار انعقاد المجلس يتعين أخذ إذن رئيس المجلس، والإجراءات الجنائية التى يتعين استئذان رئيس المجلس فى غير دور الانعقاد.

أول ظهور لـ"الحصانة البرلمانية" فى إنجلترا نهاية القرن الـ 17


ورغم "الضجة" التى تحيط "الحصانة البرلمانية" داخل مصر ومطالب الكثير من الساسة وعموم الشعب بإلغائها وكأنها شىء تميز به النائب المصرى عن غيره من نواب دول العالم، إلا أن تاريخيا نجد أول ظهور لـ"الحصانة البرلمانية" كان فى إنجلترا عام 1688 على إثر قيام الثورة الإنجليزية والتى عرفت بـ"الثورة المجيدة" وإقرار الوثيقة الدستورية المعروفة باسم "قانون الحقوق"، حيث نصت هذه الوثيقة على أن حرية القول - المناقشات - الإجراءات داخل البرلمان لا يمكن أن تكون سببا للملاحقة القضائية أو محلا للمسائلة أمام أى من المحاكم، وإقرار هذه الحصانة فى إنجلترا كان أساسا لحماية النواب من سلطات الملوك وليس حمايتهم من مواطنيهم، كما كانت قاصرة على الدعاوى المدنية، إضافة إلى الإجراءات الخاصة بالدعاوى الجنائية البسيطة، حيث استثنت من نطاق هذه الحصانة قضايا الخيانة العظمى وقضايا الجنايات وقضايا الإخلال بالأمن.
البرلمان-البريطاني

ولهذا فقد كان من الممكن دائما القبض على عضو البرلمان فى أى من هذه الجرائم دون رفع الحصانة عنه، كما استثنت من الحصانة البرلمانية الجرائم التى ترتكب من أعضاء البرلمان فى مواجهة إحدى المحاكم، وقد أطلق على هذه الجرائم "جرائم إهانة المحكمة"، إلا أنه حدث التطور الهام خلال القرن الثامن عشر فى مجال الحصانة البرلمانية، بصدور قانونا ينظم أحكامها ويضع بعض القيود والضوابط لكيفية مباشرتها.

"الحصانة البرلمانية" فى المواثيق الدستورية الفرنسية


أما فى فرنسا، نجد أن الحصانة قد وجدت فى معظم المواثيق الدستورية الفرنسية بذات المضمون الذى كانت عليه فى المواثيق الإنجليزية، فقد نص عليها بداية فى قرار الجمعية التأسيسية الفرنسية الصادرة فى 23 يونيو 1789، ثم نص عليها فى دستور عام 1791، ثم فى دستور 1795، كذلك الدساتير المتتالية فى عام 1799، ودستور عام 1848، ودستور 1875، ودستور 1946، وأخيرا الدستور الحالى الصادر عام 1958، فقد تضمنت كل هذه الدساتير مبدأ الحصانة ضد المسئولية البرلمانية، أما عن الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية فقد وجدت فى فرنسا منذ وقت بعيد نسبيا، حيث نص عليها بداية فى قرار الجمعية التأسيسية الصادر فى 26 يونيو سنة 1790، وتلك القواعد والأحكام سارية المفعول حتى الآن.
البرلمان الفرنسى

أول تطبيق لـ"الحصانة البرلمانية" فى مصر بمجلس النواب عام 1882


وفى مصر لم تتضمن أول وثيقة دستورية عرفتها مصر وهى لائحة تأسيس مجلس شورى النواب وانتخاب أعضائه الصادرة فى 22 أكتوبر 1868 نصا يشير إلى الحصانة ضد المسئولية البرلمانية، وقد يكون ذلك عائدا إلى حداثة العهد بالنظم الديمقراطية فقد كان هذا المجلس أول تجربة للحياة النيابية فى مصر، وكان أمرًا طبيعيًا ألا يتقرر للأعضاء كافة الضمانات التى تحقق لهم حرية التعبير أو القول عند مباشرة وظائفهم النيابية، ولكن وبمجرد أن استقرت الحياة النيابية وعلى أثر إعادة تشكيل مجلس النواب عام 1882، نجد أن اللائحة الأساسية لهذا المجلس والتى صدرت فى 7 فبراير 1882، قد تضمنت نصا يقرر الحصانة لأعضائه ضد المسئولية البرلمانية وهو نص المادة الثالثة الذى جاء به "النواب مطلقوا الحرية فى إجراء وظائفهم وليسوا مرتبطين بأوامر أو تعليمات تصدر لهم تخل باستقلال آرائهم ولا بوعد أو وعيد يحصل إليهم".
الحصانة البرلمانية
كما تضمن دستور 1930، نصًا مماثلا للنص السابق، إلا أن هذا الدستور أُلغى بالأمر الملكى رقم 118 الصادر فى 12 ديسمبر عام 1935، وعاد العمل بدستور عام 1923، بما كان يتضمنه من نصوص خاصة بالحصانة البرلمانية، ثم نص بعد ذلك على الحصانة ضد المسئولية البرلمانية فى أول دستور دائم لمصر بعد قيام الثورة وهو دستور 1956، أما الدستور المؤقت الصادر 1958، فقد أتى خاليًا من النص على الحصانة البرلمانية، وقد يرجع ذلك إلى ظروف الوحدة مع القُطر السورى آنذاك، وبعد أن تم الانفصال عن القُطر السورى عاد المشرع الدستورى المصرى ونص على الحصانة ضد المسئولية البرلمانية فى دستور 1964، كما صدر دستور 1971، متضمنًا على الحصانة ضد المسئولية فقد جاء نص المادة 98 كما يلى "لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء فى أداء أعمالهم فى المجلس أو فى لجانه"، وأيضًا نصت المادة رقم 112 من الدستور المصرى عام 2014 على "لا يسأل عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله فى المجلس أو فى لجانه"، وفى المادة رقم 113 من الدستور ذاته نصت على أنه "لا يجوز فى غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أى إجراء جنائى ضد عضو مجلس النواب فى مواد الجنايات والجنح إلا بإذن سابق من المجلس، وفى غير دور الانعقاد يتعين أخذ إذن مكتب المجلس، ويخطر المجلس عند أول انعقاد بما اتخذ من إجراء، وفى كل الأحوال يتعين البت فى طلب اتخاذ الإجراء الجنائى ضد العضو خلال ثلاثين يومًا على الأكثر، وإلا عد الطلب مقبولاً".


الأكثر قراءة



print