التعليم الجيد هو الأساس الذى يبنى عليه تقدم الأمم والشعوب، ويعتبر ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع هو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، وهم 17 هدفا للتنمية أطلقتها الأمم المتحدة لتعمل الدول على تحقيقها حتى عام 2030.
وأهداف التنمية المستدامة، هى عبارة عن 17 هدفا بدأ نفاذها مطلع يناير عام 2016 لتنفيذ استراتيجية التنمية لعام 2030 والتى اعتمدها قادة العالم فى سبتمبر 2015 فى قمة الأمم المتحدة، ومن المقرر أن تعمل الدول خلال هذه الفترة على حشد كافة جهودها للقضاء على الفقر بجميع أشكاله ومكافحة عدم المساواة معالجة تغير المناخ، وغيرها من الأهداف التى تسعلا للوصول إلى حياة أفضل فى 2030، وهى أهدف غير ملزمة قانونا لكن قامت العديد من دول العالم بإعداد رؤيتها الخاصة للتنمية المستدامة بناء على هذه الاهداف ومنها مصر التى صاغت رؤيتها 2030 بناء عليها.
ولأن هذه الاستراتيجية دخلت حيز التنفيذ من العام الماضى فعليا، فكان من الضرورى أن تعبر موازنة التعليم عنها على الأقل كبداية للمضى قدما فى هذا الطريق، ولكن يبدو أن الحكومة مازالت تعانى ارتباكا فى هذا الشأن، لأن الحقيقة أن من يلتهم موازنة التعليم سنويا هى أجور العاملين وليس الإنفاق على الاستثمار والتطوير والابتكار.
ما تكشف عنه تفاصيل موازنة قطاع التعليم للسنة المالية الحالية، أن أكثر من 78% من مخصصات الموازنة تذهب لسداد أجور العاملين بالقطاع بقيمة حوالى 84 مليار جنيه، وهو ما يعكس تدنى موازنة التعليم بشدة خاصة وأن القطاع يعانى عجزا فى عدد المعلمين وتدنى فى أجورهم مقارنة بالدول الأخرى.
وفى المقابل نجد أن الاستثمار فى هذا المجال سواء لبناء مدارس وفصول جديد أو إدارات تعليمية أو تطوير منشآت تعليمية لا تتخطى نسبته 12.7% من مصروفات موازنة التعليم بقيمة 13.6 مليار جنيه، وتخصص الموازنة حوالى 7.4% منها لشراء السلع والخدمات أى مستلزمات العملية الدراسية بقيمة 7.95 مليار جنيه.
التعليم فى موازنة 2017/2018
المصدر: تحليل بيانات الموازنة العامة للسنة المالية 2017/2018 – وزارة المالية
فعندما انتهت الحكومة من إعداد موازنة السنة المالية الحالية 2017/2018، أعلنت فى بيانها المالى المقدم إلى مجلس النواب أن موازنة التعليم قبل الجامعى التزمت بالنص الدستورى الذى يلزم بإنفاق ما يعادل حوالى 4% من الناتج القومى على التعليم، وأنها خصصت حوالى 141 مليار جنيها لهذا الغرض.
حقيقة الأمر أن هذا الرقم ما هو إلا حبر على ورق، لأن الحكومة حملت هذا القطاع نصيبه من فوائد الديون التى تتحملها الموازنة سعيا لأن تكون موازنتها دستورية، ولكن المخصص للإنفاق على التعليم خلال السنة الحالية قيمته 107 مليار جنيها فقط، مقابل ما يقرب من 103 مليار جنيه بموازنة السنة الفائتة 2016/2017، وهو ما تكشفه تفاصيل الموازنة المنشورة على موقع وزارة المالية، فى حين أن تحقيق نسبة الإنفاق الدستورى يتطلب تخصيص 130 مليار جنيه للإنفاق على التعليم بالموازنة العامة.
والتعليم الجيد هو رابع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، وهو أحد أهم محاور استراتيجية مصر 2030 وهو محور "التعليم والتدريب"، وبحسب رؤية الاستراتيجية المنشورة على موقع وزارة التخطيط: "تستهدف الرؤية الاستراتيجية للتعليم حتى عام 2030 إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون التمييز، وفي إطار نظام مؤسسى، وكفء وعادل، ومستدام، ومرن. وأن يكون مرتكزاً على المتعلم والمتدرب القادر على التفكير والمتمكن فنياً وتقنياً وتكنولوجياً، وأن يساهم أيضاً فى بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكانياتها إلى أقصى مدى لمواطن معتز بذاته، ومستنير، ومبدع، ومسئول، وقابل للتعددية، يحترم الاختلاف، وفخور بتاريخ بلاده، وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على التعامل تنافسياً مع الكيانات الإقليمية والعالمية".
وإذا استبعدنا أجور العاملين فى قطاع التعليم من الموازنة يتبقى حوالى 22.9 مليار جنيه هى كل ما ينفق على العملية التعليمية بخلاف المرتبات، وإذا عرفنا أن عدد الطلاب فى مصر فى مراحل التعليم قبل الجامعى (الحكومى) بمختلف أنواعها من تعليم عام وأزهرى وفنى هو 19 مليون و832 ألف و315 طالب، خلال السنة المالية 2015/2016 طبقا لبيانات كتاب الإحصاء السنوى الصادر فى سبتمبر عام 2017 عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بخلاف حوالى 2 مليون و230 ألف و314 طالب فى التعليم الجامعى الحكومى. فهذا يعنى أن نصيب الطالب أو التلميذ بمدارس وجامعات الحكومة من موازنة التعليم هذا العام 104 جنيه تقريبا على مدار العام.
وبدون استبعاد أجور العاملين بقطاع التعليم، فإن نصيب الطالب أو التلميذ بمراحل التعليم الحكومى المختلفة من الموازنة البالغ قيمتها 107 مليار جنيه، يصل إلى 4853 جنيه سنويا. وهى محملة بتكلفة أجور المعلمين والإداريين وكافة العاملين بقطاع التعليم الحكومى. فهل يكفى هذا لخلق طالب قادر على التعلم والابتكار؟
وإذا انتقلنا إلى الاستثمارات فى هذا القطاع الحيوى الهام، رغم ما جاء بالموازنة العامة التى أقرها مجلس النواب أن حجم الاستثمارات الموجهة لقطاع التعليم يبلغ 13.6 مليار جنيه، إلا أن الخطة الاستثمارية للسنة المالية نفسها 2017/2018 التى وضعتها وزارة التخطيط تشير إلى أن حجم مخصصات الإنفاق الاستثمارى على مشروعات التعليم والتدريب قيمتها 14.4 مليار جنيه.
وأرجع الدكتور جميل حلمى مستشار وزارة التخطيط هذا إلى اختلاف طبيعة التصنيف لهذا القطاع بين الموازنة العامة التى تعدها وزارة المالية، وبين الخطة الاستثمارية التى تعدها وزارة التخطيط، حيث يتضمن بالنسبة لتعريف وزارة المالية كافة الاستثمارات الموجهة لقطاع التعليم الجامعى وقبل الجامعى، فى حين أن الاستثمارات فى خطة التنمية الاقتصادية تتضمن "التعليم والتدريب" حيث يضاف إليها كل ما يتعلق بالتدريب لجهات غير تابعة لوزارتى التعليم أو التعليم العالى والبحث العلمى، مثل جهات تدريب تابعة لوزارة الصناعة مثلا. ولكن الأهم كيف سيتم إنفاق هذا الاستثمار؟
فى مقدمة الخطة الاستثمارية تقول وزارة التخطيط أنها تعد امتدادا لإستراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030)، بما يجعلها تمثل الإطار الاستراتيجى متوسط المدى الذى ينظم عملية التنمية المستدامة السنوية حتى عام 2019/2020، بمعنى أبسط أن خطة التنمية لهذه السنة هى بداية المسار فى طريق تحقيق رؤية مصر 2030.
وإذا عدنا لمحور التعليم فى (رؤية مصر 2030) فإنه يضع 3 أهداف استراتيجية أساسية هى: الأول تحسين جودة نظام التعليم بما يتوافق مع النظم العالمية، والثانى إتاحة التعليم للجميع دون تمييز، والثالث تحسين تنافسية نظم ومخرجات التعليم.
أهداف هامة وكبيرة تحتاج العديد من الخطط والخطوات السريعة لتنفيذها، وأول هذه الخطط – بحسب رؤية مصر 2030 – "تبنى استراتيجية للاستثمار فى التعليم، واستحداث مصادر للتمويل على مستوى الوزارة والمحليات والمدارس"، وهنا يتضح تماما أن الاستثمار فى التعليم هو أول الطريق نحو تحقيق هذه الرؤية، وهو ما يتفق تماما مع أهداف التنمية المستدامة التى وضعتها الأمم المتحدة والتى اوصت الدول ببذل "كافة الجهود" لتحقيق هذا الهدف الهام والحيوى وهو تعليم مجانى جيد للجميع دون تمييز.
وبما أن ما سبق هو رؤية مصر 2030 التى أشرفت وزارة التخطيط على صياغتها من خلال جلسات حوار ونقاشات طويلة مع الخبراء والعلماء فى كافة المجالات، فمن الطبيعى أن تسير فى طريقها لتحقيق الهدف كما وعدت فى خطتها للتنمية للعام الحالى 2017/2018. فهل حدث هذا.
ويبلغ حجم الاستثمارات العامة فى خطة التنمية للسنة المالية الحالية التى تنفذها الحكومة والهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال العام حوالى 288 مليار جنيه، وكما سبق أن ذكرنا أن الاستثمارات العامة الموجهة للتعليم والتدريب خلال السنة يبلغ 14.4 مليار - حسب الخطة – فهذا يعنى أن التعليم لا يحظى سوى باستثمارات نسبتها 5% فقط من إجمالى الاستثمارات العامة خلال تلك السنة.. فهل هذا هو المسار الصحيح الذى رسمته الحكومة بنفسها؟
وبنظرة أكثر تركيزا إلى الاستثمارات الموجهة للتعليم قبل الجامعى باعتباره نواه أى إصلاح لمنظومة التعليم فى مصر، فقد خصصت الحكومة 7.2 مليار جنيه للاستثمار فى هذا المجال، تتركز فى برنامجين رئيسيين أولهما برنامج المنشآت والذى يتضمن بناء المدارس وتجهيزها وإنشاء إدارات تعليمية وغيرها بحوالى 5 مليارات جنيه، فى حين يخصص لبرامج التطوير حوالى 2.2 مليار جنيه خلال السن المالية الحالى 2017/2018.