هل تتخيل أن مطابع السكة الحديد العريقة أصبحت تحت سيطرة الباعة الجائلين والبلطجية؟!.. هذه المطابع العتيقة التى مضى عليها 140 عاما طالها الإهمال خلال السنوات الماضية، وأصبحت خاضعة لسيطرة الباعة الجائلين والبلطجية منذ ثورة 25 يناير تتحكم فى من يدخل إليها وتفرض بلطجتها على عامليها.. فالمطابع التى أنشأتها مصر عام 1877 تعتبر ثانى مطابع فى مصر بعد المطابع الأميرية أو التى كان يطلق عليها مطابع بولاق.
إنشاء المطابع منذ 140 عامًا
هذه المطابع طالها الإهمال وغاب عنها التطوير خلال السنوات الماضية، كما هو حال مرفق السكة الحديد، فأحدث ماكينة طباعة بها "ماكينة لون واحد" مضى عليها حوالى 25 سنة، وأغلب ماكيناتها تعمل منذ منتصف القرن الماضى، حتى أن هيئة السكة الحديد وبعض شركاتها تلجأ فى بعض الأحيان إلى طباعة مطبوعاتها فى مطابع خارجية لعدم توافر الإمكانيات التى تساعد على طباعة مطبوعاتها بالجودة التى ترغب فيها داخل هذه المطابع.
مطابع السكة الحديد كما يقول مديرها أحمد على لـ"برلمانى"، أنشأت منذ 140 عاما مضت أسفل كوبرى شبرا بجوار محطة مصر، وتم تزويدها خلال إنشائها بماكينة طباعة يدوية تشبه من حيث المواصفات الفنية ماكينة الطباعة التى اخترعها العالم الألمانى "جوتنبرج"، لافتا إلى أن هذه الماكينة تم نقلها إلى متحف السكة الحديد حاليا، وكان مبناها فى البداية بسيط ولا يتجاوز عدد عمالها 21 عاملا يرأسهم أرمنى ويساعده مهندس فرنسى، وكان رؤساء الاقسام الفنية أجانب وبعضهم سوريين ولبنانيين، حيث كان يعهد للمصريين فى البداية بالأعمال المساعدة فقط.
وأضاف مدير مطابع السكة الحديد، أنه فى عام 1918 انتقلت المطابع إلى مبناها الحالى فى بداية السبتية، وكان يمر أسفلها نفق يربطها بمحطة مصر، حيث يتم إنزال المطبوعات إلى النفق الكائن أسفلها ليتم نقلها عبر النفق من خلال عربات صغيرة حتى محطة مصر ليتم نقلها وتوزيعها عبر القطارات، إلا أنه هذا النفق تم إغلاقه حاليا بعد إهمال صيانته.
جولة "برلمانى" داخل مطابع السكة الحديد
"برلمانى" قامت بجولة مصورة لرصد حال هذه المطابع العريقة، حيث يجرى بها حاليا طباعة كل تذاكر القطارات المميزة والمطورة الخاصة بكل خطوط السكة الحديد على مستوى الجمهورية سواء التى تطبع على ورق عادى أو ورق كرتون، كما يطبع بها أغلب مطبوعات السكة الحديد وشركاتها وتذاكر بعض شركات النقل الجماعى بما يتماشى مع إمكانياتها المحدودة.
فى طريقنا إلى المطابع قابلنا الباعة الجائلين الذى أنشأوا أكشاكا ومحلات خشبية ومعدنية بطول سور المطابع بقوة وضع اليد.. محلات وأكشاك الباعة تغلق أبواب المطابع لا تترك سوى ممر صغير أمام أحد الأبواب لدخول العاملين والموظفين إلى المطابع.. هؤلاء الباعة يفرضون سيطرتهم الكاملة على المطابع التى يحاول عمالها تفادى الاحتكاك بهم خشية البطش بهم، كون أن أغلبهم بلطحية ومسجلين خطر، وذلك وفقا لما يقوله إبراهيم عمر مدير الأمن الإدارى بالمطابع.
وأضاف مدير الأمن الإدارى بالمطابع، أنهم يحاولون عدم إغضاب هؤلاء الباعة حتى لا يتعرضون للأذية منهم، قائلا: "يسيطرون على مداخل المطابع.. ولا نجرؤ نطلب منهم الابتعاد عن الأبواب.. يدخلون إلى المطابع ويستخدمون دورات المياه بها ولا نستطيع الاعتراض"، لافتا إلى أن أحد أفراد الأمن ويدعى حامد سعيد عوض، عندما حاول اعتراض أحدهم وطالبهم بالابتعاد عن باب المطابع الذى يدخل منه العاملين قام بتأجير إحدى السيدات البلطجيات للاشتباك معه واتهمته بالتحرش بها، مستطردا: "جت اتخانقت معه وعملت له فضحية وادعت أنه اتحرش بها وخدوه ودوه قسم الشرطة وعملوا له محضر تحرش.. ومرضيتش تتنازل إلا لما المدير دفع لها 500 جنيه".
وأكد أحمد على مدير إدارة المطابع، أن هؤلاء الباعة لم يظهروا سوى بعد ثورة 25 يناير، وأنهم اشتكوا أكثر من مرة، لكن لم يستجب لهم أحد، وأنهم يحرصون على عدم الاحتكاك بهم خشية من بلطجيتهم أو اعتدائهم على أى من العاملين، مشيرا إلى أن مطابع السكة الحديد كانت تستخدم فى السابق لطباعة مطبوعات البريد وهيئة السكة الحديد وتذاكر قطاراتها وبعض العملات الورقية.
ماكينات طباعة عمرها 550 عامًا
وأوضح مدير إدارة المطابع، أن المطابع تستخدم حاليا فى طباعة مطبوعات السكة الحديد وشركاتها وبعض شركات النقل الجماعى، لافتا إلى أن هذه المطابع طالها الإهمال خلال السنوات الماضية، وأغلب ماكيناتها مضى عليها عشرات السنوات ويوجد بها ماكينات طباعة تعمل منذ عام 1940، وهناك عدد من الماكينات يعود للخمسينيات والستينيات، وأحدث ماكينات طباعتها تعود لعام 1994، وأنهم طلبوا تزويدها بماكينات 4 ألوان حتى يستطيعوا منافسة المطابع الحديثة، حيث أن كل ماكينات طباعة الألوان الحالية بها "ماكينة لون واحد".
ولفت مدير إدارة المطابع إلى وجود أدوات طباعة لدى هذه المطابع يعود تاريخها إلى 550 عاما مضت مثل حروف الطباعة الخشبية التى جاءت مع أولى ماكينات الطباعة التى تم جلبها مع بداية إنشاء هذه المطابع، مشيرا إلى أنهم طالبوا بإنشاء متحف خاص بماكنيات الطباعة القديمة بعد استبدالها بماكينات أخرى حديثة.
طباعة 80 مليون تذكرة قطارات
خلال جولتنا داخل اقسام الطباعة والتجليد والأختام قال حامد عبد الحميد رئيس أقسام الطباعة، إنه يوجد بالمطابع حوالى 380 عامل، ويتم طباعة بها سنويا حوالى 80 مليون تذكرة لمختلف الخطوط، حيث يجرى استخدام سنويا حوالى 300 طن ورق، ويتم طباعة بها كل احتياجات واستخدامات السكة الحديد من المطبوعات.
وقال المهندس سيد سالم رئيس هيئة السكة الحديد، إن الهيئة بصدد تنفيذ خطة لتطوير هذه المطابع بالكامل وشراء ماكينات طباعة حديثة لها، بما يساعدها على استعادة دورة السابق ومنافسة المطابع المنافسة الحديثة، بحيث تكون أحد مصادر الإيراد للهيئة.