هؤلاء الذين يسوقون اليوم مشروعًا أحمق بحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على حساب الأرض المصرية، يعتبرون أن هذا التوجه هو «فكرة خارج الصندوق»، لضمان قيام دولة فلسطينية بعد اقتطاع جزء من أراضى سيناء، مقابل أرض تحصل عليها مصر فى صحراء النقب، هذا الحمق والسخف يعتبرونه أفكارًا خارج الصندوق، فيما هذه الأفكار ليست سوى هلوسات خارجة عن المنطق.
نعم نحن نريد أفكارًا خارج الصندوق، ولكن لا نريد أفكارًا «خارج الحق فى الأرض» وخارج العقل والمنطق من الأساس، نحن نريد أفكارًا خارج الصندوق، ولا نريد عبثًا يفرض على الشعب المصرى دفع ضريبة هذا الصراع مرة من دماء أبنائه، ومرة من أرضه الحرة، لا صندوق هنا أصلا لنخرج عليه بأفكار جديدة، ولا منطق فى ذلك سوى أحلام وأطماع دولة إسرائيل، التى يخدمها عشرات مراكز الدراسات الأمريكية والأوروبية، ومئات الصحف ووسائل الإعلام، التى لا تتوقف عن طرح هذا الباطل باعتباره فكرة عالمية لحل شامل.
موقف مصر واضح طبعا، ولا يحتاج إلى المزيد من الشرح، فلا أحد يملك مطلقا أن يتنازل عن شبر واحد من أرض سيناء، لكن المؤامرة واضحة أيضًا، وممتدة عبر الميديا الغربية ومراكز الدراسات، والمؤامرة مكشوفة أيضًا، إذ إن كل ما يدور من عمليات تمويل للإرهاب فى شمال سيناء يستهدف إشاعة حالة من اليأس لإقناع مصر بأن هذه الأرض مصدر مشكلات، ولا قيمة لها، وأن التخلى عنها أفضل، ولا رد على هذه السذاجة التآمرية إلا بالمثل المصرى الشعبى الحاسم والقاطع، «لا يا حبيبى ده فى المشمش».
فى مقابل هذا الحسم المصرى، لا تغيب كذلك الحاجة أن نفكر خارج الصندوق للبحث عن حل فعلى لهذا الصراع الممتد، مع مراعاة أن حقائق الواقع على الأرض الفلسطينية المحتلة تتغير من جهة، وعناصر القوة العربية تتفكك من جهات أخرى، فلا أثر لأى جيش عربى سوى الجيش المصرى، السوريون مشغولون فى حرب أهلية، والعراق فى وحل الصراعات المذهبية والانشقاقات، والخليج مهموم بالحرب الإيرانية بالوكالة على أراضى اليمن، وليبيا مقسمة برعايات إقليمية ودولية لجماعات الإرهاب، والقوى الفلسطينية تتصالح بطريقة «تبويس اللحى»، لكن القلوب لم تتجاوز بعد آلام الماضى، ومن هنا فإن الواقع لا يخدم حلا عادلا كما نحلم به، لكنه يمكن أن يخدم حلا استثنائيا محدودا فى ضوء هذه المتغيرات.
السؤال هو: هل نحن على استعداد لنقبل حلا «محدودا» لا يحقق كل الحلم العربى فى استعادة الأرض مادمنا لا نملك «حتى الآن» ما يساعدنا على تغيير واقع المأساة؟.
فى تقديرى أننا فى حاجة للبحث عن إجابة لهذا السؤال فى الدوائر العربية العليا، إذ إن تأخيرنا فى البحث عن «حلول خارج الصندوق» يجعلنا أمام «حلول الهلوسات»، وهذه الهلوسات قد تجد لنفسها موضع قدم مع الإلحاح الإعلامى الغربى المستمر عليها، ومع منظومة الخيانات السياسية والثقافية والفكرية فى الداخل العربى، فأنت تسمع اليوم مثقفين يشككون فى إسلامية القدس، وفى عروبتها، وفى رحلة النضال من أجلها عبر التاريخ، وإذا استمرت هذه الدعايات، مع استمرار هذه الخيانات، فإننا سنكون أمام وضع أكثر حرجًا، وواقع أسوأ تعقيدًا.
دوائر الحكم فى العالم العربى، ودوائر الفكر من المحيط إلى الخليج عليها أن تنشط للتفكير فى البحث عن حلول خارج الصندوق قبل أى جهود نحو التسوية الشاملة، لأننا إذا ذهبنا بلا حلول من جانبنا، فلا نجد إلا «الهلوسات» على طاولات التفاوض.
والله أعلى وأعلم.