تونس التى تربطها حدودا ساخنة مع ليبيا أصبحت البوابة الغربية للجماعات الإرهابية، اعتمدوا عليها منذ سقوط نظام القذافى وحل محله المليشيات فى استيراد السلاح والمتطرفين برا وبحرا، مستغلين فى ذلك تواجد الإخوان بقوة فى تونس عندما كانت حركة النهضة الإسلامية على رأس الحكم منذ 2011 وحتى 2013، لتتحول تونس إلى معبر للأموال والسلاح يقصدها جميع الممولين لتلك البؤر الإرهابية.
ورغم جهود الجيش والشرطة لقطع روافد الإرهاب الممتدة بكامل التراب التونسى، إلا أن الطرق لازالت مفتوحة، وهو ما كشفه ملف "الباخرة البنمية" التى تم ضبطها منذ أيام قبالة سواحل صفاقس، والتى كانت تحمل عتادا عسكريا مهربا ضمن حمولتها، تم الكشف عنه خلال تفتيش الحاويات الخاصة بالباخرة.
الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى
التحقيقات فى ملف الباخرة «ural» كشفت خطوط سير الأسلحة التى يتم تهريبها وتصل إلى المليشيات فى ليبيا وقلب أفريقيا عبر تونس، والتى طلبت من السلطات التونسية أن ترسو فى المياة الإقليمية أمام ميناء صفاقس، والذى يبعد عن العاصمة الليبية طرابلس بحوالى 300 كيلومتر، وتحجج طاقم السفينة بطلب الرسو فى المياة الإقليمية بحاجة الباخرة لإجراء عمليات صيانة، مما آثار شكوك القوات البحرية التونسية، والتى طالبت تفتيش الباخرة.
وقامت الفرقة البحرية الديوانية بصفاقس بعملية تفتيش شاملة للباخرة ذات الراية البنمية التى رست على مشارف الميناء التجارى بصفاقس، ولدى مطالبتة ربانها - بلاروسي الجنسية - بتمكينها من الوثائق المحددة للبضاعة الموجودة بالسفينة وبيان الحمولة أفادأانه لا يعلم شيئا عن محتواها، مما آثار الشكوك لدى القوات البحرية التونسية، لأن هذا يتنافى مع القوانين البحرية، وحسب المعاينة الأولية للشحنة المحملة تبين وجود معدات عسكرية وقتالية، ضمن 20 شاحنة عسكرية، إلى جانب عدة تجهيزات أخرى.
ميناء صفاقس التونسى
وقال الناطق الرسمى باسم الإدارة العامة للديوانية، العميد هيثم الزناد، إنه "بعد أن اختبرت مصالح الجيش الوطنى فى صفاقس المعدات المحجوزة من قبل مصالح الحرس الديوانى بصفاقس، تبيَّن أنَّها معدات عسكرية يرجح أنَّها لمخيم جيش غير نظامى"، مشيرًا إلى أنَّ هذه المعدات تتمثل فى عربات نقل جنود مصفَّحة وغير مصفحة وجرافات عسكرية وسيارة إسعاف وشاحنات صهاريج وسيارات قيادية مصفحة ومولدات كهربائية وبدلات عسكرية وخيام وأسِـرَّة وبدلات عسكرية وأحذية قتال، ولفت إلى أنه بمزيد من التفتيش تبيَّن أنَّ 9 حاويات من بين 24 حاوية، كانت تتضمن أغراض ومعدات عسكرية لمخيم عسكري، متمثلة في و12800 لتر من المحروقات ومواد إعاشة وكميات من المئونة وأهداف للرماية وأسلاك شائكة و300 جهاز اتصال لاسلكي وجهازي اتصال عبر الأقمار الصناعية، كلها غير مفصلة في بيان الحمولة.
إنكار ربان الباخرة علمه بمحتويات الباخرة لم يعفه من المسئولية، حيث قال الزناد أن مصالح الديوانة تولت تحرير محضر حجز ضدّ طاقم الباخرة البالغ عددهم 19 من جنسيات مختلفة من أجل مخالفة الفصول 65 و66 و383 من مجلة الديوانة والمتعلقة ببيان الحمولة للبواخر، وأضاف الناطق إنه "تم تحرير محضر حجز فعلى للمعدات العسكرية غير المفصلة في بيان حمولة الباخرة وحجز بقية البضائع بصفة تحفظية".
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان
رائحة الإرهاب التى فاحت من الحمولة المشبوهة دفع السلطات التونسية إلى التقصى حول خط سير الباخرة البنمية التى بدأت رحلتها من روسيا، وقال الزناد إن الشكوك ازدادت حول الوجھة النھائیة للباخرة، والتى تبین أن مسارها وفق الوثائق، میناء الكاميرون فى أفريقيا، إلا أن مسار الباخرة انطلق من میناء فى روسیا واتجه إلى المیاه التركیة، ثم إلى المیاه الإيطالیة، وعرج على الحدود البحرية اللیبیة على مستوى طرابلس لیصل فیما بعد إلى المیاه الإقلیمیة التونسیة، وطلب الرسو بمنطقة الانتظار فى المیاه الداخلیة بصفاقس مدة يومین.
خط سير الباخرة أثبت أنها لم تواصل مسيرتها إلى الوجهة النهائية المصرح بها وهى ميناء الكاميرون، والذى من المفترض أن يكون عبر مضيق جبل طارق، وعقب تحرير المحضر بالمعدات غير المفصلة فى بيان حمولة الباخرة، بدأت عمليات التحرى والتدقيق فى مصادر منشأ البضائع، التى تم حجزها لعلها تكشف مصدر تلك المعدات.
وذكر الناطق الرسمى باسم محاكم صفاقس مراد التركى لصحيفة "المغرب" التونسية، أنه بعد إجراء التحريات والأبحاث الأولية حول محتويات الباخرة، قرر وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس التخلى عن التحريات لصالح الهيئة القضائية المختصة بمكافحة الإرهاب بما فى ذلك التخلى عن الأبحاث المجراة بإدارة الجمارك لمخالفة وثيقة الشحن لمحتويات الباخرة إضافة إلى وجود تضارب فى الأقوال حول محتويات الباخرة ووجهتها.
قوات فجر ليبيا
وأكد الناطق الرسمي باسم الهيئة القضائية المختصة بالإرهاب سفيان السليطى، أن الهيئة بالفعل تعهدت بالملف وباشرت الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب بالبحث فى ملف الباخرة "البنمّية"، مؤكّدا أنه لم يتم تحديد الأطراف المشتبه بها حتى الآن، وأكدت الجهات الأمنية أن الحمولة المضبوطة قُدرت قیمتھا بـ33 ملیون دينار.
ورغم أن الجهات المنية لم تصرح علنا بالمشتبه فى تورطه بتهريب تلك الشحنة لعناصر إرهابية، إلا أن التلميحات أشارت ضمنا إلى تركيا، حيث أكد المختصون أن خط السير الرسمى للباخرة والمرخص به هو إقلاعها من روسيا فى اتجاه الكاميرون عن طريق المغرب ومضيق جبل طارق، إلا أنها عرجت إلى تركيا فى مخالفة صريحة لخط السير الرسمى، ثم سارت بالقرب من المياة الإقليمية الليبية إلى أن طلبت الرسو يومين فى ميناء صفاقس.
وتقع تركيا منذ سنوات فى دائرة الاتهام بتهريب السلاح إلى الغرب الليبى، الذى يسيطر عليه إسلاميين، وينتشر به المليشيات الإرهابية فى مقدمتها جماعة فجر ليبيا، وذكر تقرير للأمم المتحدة صدر فى يونيو، أن هناك عمليات تهريب سلاح إلى جهات مختلفة فى ليبيا، وقال الخبراء الأمميون أنهم تلقوا "معلومات" عن نقل عتاد عسكرى من تركيا إلى طرابلس ويتم التحقيق بشأن تلك المعلومات.
وحاولت السفارة الروسية فى تونس تقصى الأمر بما أن الباخرة بدأت رحلتها عبر روسيا، حيث منعت الوحدات الأمنية مبعوثا من السفارة الروسية من دخول الميناء لمعاينة السفينة البنمية التّى تم حجزها فى مياه الانتظار بصفاقس، وقد طلبت منه استصدار وثيقة من وزارة الشؤون الخارجية ترخّص له دخول الميناء، حيث تتولى حاليا السلطات التونسية التحقيق بمفردها.