كل التصورات عّن شمال سيناء قبل الذهاب اليها لايمكننا مقارنتها بأرض الواقع، فسيناء هنا مدن ومواطنين، ومؤسسات واجهزة تنفيذية، فالعريش على سبيل المثال لاتختلف كثيرا عّن المدن الجديدة كالعبور و١٥ مايو وغيرها من المدن، فقط تختلف اًنك حينما تسير فى شوارعها تتيقن اًنك امام مدينة واجهت الإرهاب واختار اَهلها دعم مؤسسات الدولة والقوات المسلحة، اختاروا معركتهم بين الحق والضلال.
واستطاعت القوات المسلحة فى العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨، ان تحقق المعادلة الاصعب عالميا فهى تحمى الحدود وتدافع عّن مؤسسات الدولة والشعب وتهاجم اوكار وأماكن اختباء العناصر التكفيرية، وتبنى وتعمر الارض لمن يأتى بعدها.
بمجرد دخولك سيناء يمكنك ان تستشعر ان هناك اختلافا بين كافة المدن وبين سيناء، بين كافة المناطق الصحراوية، وصحراء سيناء، فللوهلة الاولى تجد كثبان الرمال الصفراء، يتخللها بعض المزارع المتواضعة، وبيوت تطل بين حين واخر، وفى كل ذلك تبدو الهواجس قوية ولها وطأتها فالخطوة المقبلة، انت مع ابطال ومقاتلى الشرطة والجيش، فى العملية سيناء، وعلى الارض الطاهرة التى ارتوت بدماء الشهداء ، تلك المنطقة التى أخذت منا اكثر مما اخذنا منها، فهى الى الان خامة تهيأ للشكل الكامل للمدن الامنة المستقرة.
زيارة سيناء، ليست كلمة تكتب أو عبارة تذكر، ولكن هى قصة كبيرة، لتضحيات وطنية من رجال اختاروا ان يتلقوا الرصاصة بديلا عنا، وان يمسكوا أدوات البناء حتى نصل ونستلمها منهم.
فى اليوم الثانى كان الطريق الى مناطق العمليات سهلا فى الشكل، عصيا فى المضمون، حيث الانتقال من مكان لآخر يستلزم ضوابط أمنية، وسط أرتال أمنية، تحميك وتحمى الارض، فالابطال هنا يقفون لحماية البلد، ويعلمون جيدا أن إرهابيا يمر هو مصدر تهديد للاهل والعرض، وان جثثهم هى طريق عبوره الوحيد للشعب المصرى.
ايضا المرور الى سيناء هو مرور من برزخ الحديث والانتقاد وحكمة الغرقى على الشواطئ، الى مرحلة الحقيقة المجردة، المنزهة عّن كل شيء، فهنا المعركة فاصلة بين الدولة واللادولة، بين العزة والكرامة ومن باع وطنه وقبل تنفيذ اجندات خارجية، المعركة هنا بين ابطال الجيش والشرطة، وبين من الارهاب ومن عاونه ومن أمده باللوجستيات والأسلحة، المعركة هنا بين عقل الادارة المصرية وعقول من يحاول تهديد أمنها واستقرارها، معركة بين الحق والباطل، هنا على ارض سيناء يبدأ كل شيء.
" على كل أرض تركنا علامة ..قلاعا من النور تحمى الكرامة"، بتلك العبارات يهتف أبطال الجيش المصرى نشيدهم اليومى، وبتلك العبارات يمكننا فهم انتشار الكمائن ودوريات الامن ومقاتلو الوحدات والأفرع، لأنهم لن يتركوا الأرض وعلاماتهم ظاهرة فى كل موضع ومكان.
كانت القصص عّن الشهداء بين الوفد المسافر داخل المدرعة لاتنتهى، وفوز الوصول العريش تكتشف اًنك امام شخصيات تحمل فى تكوينها الشخصى سمات العسكرية المصرية، من عزة وكرامة وشموخ وثقافة عالية ورغبة قوية فى التضحية بالنفس من احل الوطن، وثقة حقيقية انهم حماة الارض وأنهم الصف الاول لاى شيء قد يحدث فى مصر، لذلك فهم يحافظون عليها.
"برلمانى" فى قلب العريش وحى الزهور اثناء توزيع المواد الغذائية على المواطنين
قامت اليوم السابع فى اليوم الثالث من زيارتها لشمال سيناء، بجولة في الاسواق للتأكد من مدي توافر الاحتياجات الاساسية للمواطنين ، هناك جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالتعاون مع مؤسسات الدولة يقوم بتوزيع المواد الغذائية بأسعار مخفضة ، بالاضافة لتوزيع القوات المسلحة لكراتين مواد تموينية مجانا على المواطنين فى شوارع العريش.
يؤكد الضابط المسئول من جهاز مشروعات للخدمة الوطنية، انه خدم سابقا فى سيناء قبل خروجه للمعاش، واليوم يعود اليها ضمن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، لتوزيع السلع على المواطنين، ويشعر بالسعادة الكبيرة حينما وصل الى العريش، فهو يرى انت رسالته ممتدة ولم تنقطع.
ويؤكد أنه تم توفير اللحوم والمجمدات بالإضافة لكافة السلع ، بهدف رفع المعاناة عّن سكان شمال سيناء، خاصة أن السلع المطروحة بأسعار مخفضة على نظيرها فى السوق.
وفى جولة لـ"برلمانى" بحى الزهور، كانت الأجواء هادئة، والأهالى أمام سيارات مشروعات الخدمة الوطنية، والاطفال يلعبون في الشوارع، ويقفون يلوحون باشارات النصر للقوات المسلحة وعربات الشرطة المدنية، التى تمر تأمينا للشوارع والمؤسسات.
يقول مصطفى ، أحد أبناء حى الزهور، أن هناك نقص فى بعض السلع التموينية، فى بداية العملية الشاملة، لكن الجيش تغلب على الامر، وبدأت سيارات مشروعات الخدمة الوطنية تنتشر فى الميادين والأحياء، والأسعار فى متناول الجميع .
يقول عبد المنعم ، ويعمل فى أحد المخابز ، أن الاجواء فى العملية الشاملة تطغى على المشهد العام، الا ان الخبز متوفرا للغاية، بل هناك توفيرا للدقيق، حيث يتوفر الخبز فى كافة الاوقات، وهناك تعاون تام بين الاجهزة التنفيذية، لحل كافة الصعوبات التى قد تطرأ حتى يصل الدقيق فى مواعيده المحددة.
فى سياق متصل يقول عبد الرحمن ، فى الصف الثانى الاعدادى، أنه يحلم ان يكون لاعب كرة قدم مثل محمد صلاح، ولذلك فهو لايترك لعب كرة القدم طوال اليوم، يشاركه فى الحلم الطفل سفيان عبد الله، لكنه يريد أن يبقى حارس مرمى مثل عصام الحضرى، بينما سيف الذى يتابع مباريات الزمالك، يرى أنه الاحق بالبطولة، وأن الحظ العثر فقط هو من يقف فى طريقه.
تركنا حى الزهور بشغب أطفاله، وانتقلنا لميدان أمام مسجد الرفاعى، ناصية الشارع الاشهر فى العريش وهو 23 يوليو، حيث تفتح المحلات على الجانبين، ربما يكون تأثير العملية الشاملة قد أثر فى حركة البيع والشراء، إلا أن الأهالى فى ترقب لنتائج العمليات، خاصة أن لكلا منهم قصة مع الجماعات الارهابية، أحدهم صاحب قهوة "النهر الخالد"، يؤكد أنه لن يترك ثأر أخيه الذى قتله الإرهاب، وأن شقيقه ترك 5 أطفال سيعمل على أن يكونوا مدركين لقيمة وطنهم وبلدهم أمام الجماعات الإرهابية والتكفيرية.
بينما يذكر أحد أبناء محافظة قنا عبد الحميد ، أنه يعمل ويعيش فى العريش منذ الثمانينات ولم يرى شيئا سيئا حتى ظهرت تلك الجماعات المسلحة، التى تؤمن بفكر غريب، لايعرف دولة أو قانون أو دين، بل فقط يعرفون تكفير الناس، وقتل من يخالفهم، والناس تكرههم، لذلك فهم يحاولون دائما أن يساعدوا الجيش للقضاء عليهم.