أصبح تحقيق الثراء السريع، وجنى آلاف بل ملايين الجنيهات دون بذل أى مجهود، حلم يراود الكثيرين وخاصة من أصحاب النفوس الضعيفة، فلجئوا إلى التنقيب عن الآثار لتحقيقه، ولم يعد البحث متعلقا بمحافظة ما، بل إن الراغبون فى جمع أكبر كم من المال أصبحوا ينبشون بمختلف محافظات مصر، وأصبح التوقع بوجود آثار بباطن الأرض متعلقا بالدجل والشعوذة أكثر من كونه مرتبطا بالقراءة فى التاريخ، والتعرف على المحافظات التى احتضنت حضارات مصر.
خلال الشهر الأخير، تمكنت أجهزة الأمن من كشف العشرات من حالات التنقيب عن الآثار بمختلف المحافظات، ومنعت وقوع كارثة وفاة عشرات المواطنين أثناء التنقيب، لكن 4 حالات شاءت الأقدار أن يعرف الأمن بوفاتهم أثناء التنقيب.
حفرة التنقيب تنهار على عامل بعين شمس
الحالة الأولى وقعت بمنطقة عين شمس بمحافظة القاهرة، حينما لقى عامل مصرعه بعدما انهارت عليه حفرة، أثناء التنقيب عن الآثار بعقار سكنى، كما تم ضبط 38 قطعة أثرية بمكان الحفر، حيث عثر على حفرة بقطر 1.5 × 1 متر بعمق 7 أمتار بالشقة، وعثر على جثة "رمضان .م.ع" 33 سنة عامل، مقيم بالعياط جيزة، تحت الأنقاض، وتم استخراجها بمعرفة الحماية المدنية، كما تم ضبط أدوات تنقيب، وبمواجهة المتهمين أقروا بالتنقيب عن الآثار بالشقة محل الواقعة، لكونها مهجورة لوفاة قاطنتها، وأثناء التنقيب انهارت الحفرة على المتوفى، ونتج عن ذلك وفاته، وأن القطع الأثرية المضبوطة بحوزتهما عثر عليها بمكان الحفر.
دفنوه تحت أنقاض التنقيب خوفا من افتضاح أمرهم بالمنيا
أما الحالة الثانية فشهدتها محافظة المنيا حينما لقى عامل مصرعه أثناء التنقيب عن الآثار، وبإجراء التحريات تبين أنه أثناء أعمال الحفر بأحد المنازل بمركز العدوة سقط جدار الحفرة على عامل يدعى "ش م" 22 سنة، ما أدى إلى مصرعه فى الحال، كما كشفت التحريات قيام العمال المشاركين معه فى الحفر بنثر التراب ومخلفات الحفر فوقه خوفا من افتضاح أمرهم، لإخفاء جريمتهم.
جثة مجهولة تحت أنقاض التنقيب بدمياط.. وصعق كهربى يودى بحياة شاب خلال البحث بالغربية
أما الواقعة الثالثة، فشهدتها محافظة دمياط، حينما انهار منزل بمنطقة العزازمة إحدى قرى مركز فارسكور، بسبب التنقيب عن الآثار، وتبين أن هناك عدد من الأشخاص قاموا بالتنقيب عن الآثار أسفل أحد المنازل، ما أدى إلى انهياره، حيث تم استخراج جثة مجهولة الهوية.
أما الواقعة الرابعة، فشهدتها محافظة الغربية حينما لقى "محمد ر أ" 25 سنة مصرعه صعقا بالكهرباء أثناء قيامه بالتنقيب عن الآثار فى أحد المنازل بمركز ببسيون، وذلك بمشاركة ثلاثة أشخاص آخرين، وهم "محمد م م ح" 29 سنة، و"محمد س ع خ" 25 سنة، من إيتاى البارود محافظة البحيرة، و"أحمد م ع أ" 31 سنة من مركز طنطا بمحافظة الغربية.
يوسف القعيد: فكرة عدم إدراك أهمية الأثر موجودة فى عموم المصريين
من جانبه، قال الكاتب يوسف القعيد، عضو لجنة الثقافة والآثار بمجلس النواب، إن قانون الآثار تناول عقوبة التنقيب، لكنه لم يرد فيه كيفية تحقيق الوعى والإدراك لدى المواطن المصرى العادى، مضيفا: "أنا هنا لا أتحدث عن النخبة، لكن أتسائل عن الطبقة العادية أو الغالبية من المواطنين الذين تمثل الآثار لهم وسيلة للاغتناء ولا يدركون أهمية الأثر وتاريخه وجدوى الحفاظ على هذا التاريخ، مؤكدا: "التاريخ كلمة مجردة لا تعنى أى شئ للمواطن العادى الذى يتحرك من أجل مصالحه دون وعى".
وتابع: فى عموم المصريين فكرة إدراك أهمية الأثر غير موجودة لدى الكثير من المصريين، مؤكدا أن هذا ليس دور وزارة الآثار أو هيئة الآثار، بل دور وزارة التربية والتعليم والتعليم العالى، والمجتمع المصرى بالكامل الذى يظهر أمام أبناءه أنه فخورا بهذا التاريخ الذى يقدم له مالا يقدمه شئ آخر، وأن يكون بمثابة من لا لديه وعى وإدراك، مضيفا: "فكرة عدم إدراك أهمية الأثر موجودة فى عموم المصريين".
وقال "القعيد": فكرة عدم إدراك أهمية الآثر وضحت فى تعامل وزارة الأوقاف مؤخرا مع الآثار بالمساجد وبالتحديد المنابر الأثرية، حيث لم تعتبره تراث بشرى حقيقى وصلنا من الأجيال السابقة، ويجب أن نحافظ عليه وديننا يفرض علينا أن نسلمه لأجيالنا وأبنائنا أفضل مما وصلنا منهم.
أمين سر "آثار النواب": لا زال هناك حاجة ماسة للتوعية بقيمة الآثار
فيما قال الدكتور نادر مصطفى، أمين سر لجنة الثقافة والآثار بالمجلس، إن مواد قانون الآثار حلت الكثير من العقبات التى تواجه عمل الوزارة، موضحا أن المجلس كان عليه حل مشاكل تشريعية تعوق عمل الوزارة فى القيام بدورها، كما أن عملية التنقيب بشكل غير شرعى عن الآثار دعمت فكرة تغليظ العقوبات، وتم ذلك بالفعل بشكل كبير، حيث يضرب بيد من حد على كل من يحاول استنزاف أى آثار مصرية.
وأضاف "مصطفى"، أنه لا زال هناك حاجة ماسة للتوعية، ليس فقط فى مجال الآثار بل فى كل المجالات، بالإضافة إلى بث الوعى والتثقيف لحماية آثار مصر والوطن بشكل كامل وهذا من خلال التعليم ومؤسساته كالمسجد والكنيسة والإعلام، مشددا على أن هذا يتطلب إصلاح كامل لمنظومتنا الثقافية والإعلامية.
وأكد"مصطفى"، أن التوعية لها الدور الأكبر ولا بد أن ينتبه لها المجتمع كله، بحيث يتم التوعية بأهمية الإبلاغ عن أى شخص ينبش عن الآثار، مشددا على أن الدجل والشعوذة يلعبان دورا كبيرا وخاصة مع البعد عن الفكر السليم الملتزم.
وشدد "مصطفى"، على أن البعد عن الثقافة الراقية القائمة على الوعى والإدراك والأفكار الراقية يجعل البعض يتجه إلى الإسفاف والتفكير بشكل غير منطقى وغير سليم ونجد أنفسنا والشخص حينما يبتعد عن القيم والمثل العليا يكون فريسة للنصاب ولديه الرغبة الدائمة فى الحصول على الربح السريع.
فتوى الأزهر: التنقيب بغير موافقة الدولة "حرام" ومن يدعون علمهم بأماكن الآثار "نصابين"
واتصل "برلمانى"، بمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، للتعرف على حكم الشرع فى التنقيب عن الآثار فجاء الرد: "التنقيب عن الآثار يجب أن يكون بإذن من الدولة وغير ذلك محرم لأنه يخالف قوانين الدولة".
وأضاف علماء المركز، أن أغلب السعى وراء الآثار يكون بسبب الدجالين، مشددين على ضرورة عدم السعى وراء ذلك لأنه يستنزف المال ونهايته تكون الهلاك، واصفين من يدعون علمهم بأماكن الآثار بـ"النصابين والدجالين".
وتابع العلماء: القرآن علمنا التفكر فى آثار الأمم السابقة، ولو كان التنقيب يتم تحت إشراف وزارة الآثار ليس له به أى شئ، لكن التنقيب بغير ذلك مخالف ويعرض صاحبه للمسائلة والوقوع تحت طائلة القانون والسجن، والرسول قال فى حديثه الشريف: "لا ينبغى لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق".