تحول الأمر في العراق وتبدل في السنوات الخمس عشرة الماضية، بعد أن كان واحدا من أكبر الدول ذات الموارد الكبرى في الإقليم وذات حكم مستقر اتفق من اتفق في ذلك واختلف من اختلف، بات يعاني من أبسط أساسيات الحياة مثل المياه والكهرباء، فضلا عن الاستقرار والطاقة التي منعتها إيران، والمياه التي جفت في نهر دجلة، ومن خلال العرض التالي نتتبع مراحل العراق الحزين في تلك السنوات المفعمة بالمأساة والدراما والتي كانت نتيجة لحربين مدمرتين أولهما حرب الخليج الأولى أو الحرب العراقية ـ الإيرانية 1980 ـ 1988 وثانيهما حرب الكويت 1990 واللتين لم تسفران إلا عن فقدان بغداد المركز والموارد والبنى الأساسية.
الغزو 2003
أحدث غزو العراق أو حرب الخليج الثالثة أو الاحتلال الأمريكي للعراق والذي بدأت عملياته من 19 مارس إلى 1 مايو 2003 حالة من الفراغ الأمني والسياسي في البلاد التي كانت مضرب الأمثال على قوة السلطة واستقرار الأجواء والرفاهية الاقتصادية حتى في سنوات الحصار الاقتصادي التي تلت الغزو.
وفتحت تلك الحرب أبواب الجحيم ليس على العراق فحسب بل على العالم أجمع إذ حررت الإرهابيين والتكفيريين من المعتقلات وأدت إلى نشوب سجالات وصلت حد التفجيرات بين مكونات المجتمع، وقادت الولايات المتحدة الأمريكية وممثلها في العراق بول بريمر تلك العملية الانتقالية في البلاد.
أزمة الكهرباء
يستورد العراق وتعاني البلاد من انقطاع الكهرباء بسبب ضعف المولدات وتقادمها وعدم وجود الطاقة اللازمة لتشغيلها بعد أن قطعت إيران إمدادات الكهرباء عنها، لذلك قدمت الحكومة الكويتية مساعدات عاجلة إلى العراق، في ضوء الظروف الصعبة التي تواجهها مدينة البصرة وعدد من المدن العراقية بسبب النقص الحاد في الكهرباء.
على ضوء تلك الأزمة اندلعت، قبل أسبوعين تقريبا، مظاهرات في محافظة البصرة قبل أن تمتد إلى محافظات أخرى، وذلك احتجاجا على انقطاع الكهرباء وشح المياه وانتشار البطالة وتفشي الفساد، غير أن أزمة الكهرباء كانت العامل الأهم في تلك الحالة.
الأكراد والاختلافات السياسية
بعد الغزو حصل الأكراد وهم المكون الثاني في البلاد بعد العرب والذين يتمتعون بنسبة 20 من إجمالي حجم السكان على مكاسب لم يكن أكثر تشاؤما يحلم بربعها ذلك أنهم طالوا تمثيلا كاملا في الدستور وحصلوا على حق الحكم الذاتي وأصبحت لغتهم لغة معترفا بها رسميا في دستور 2005 بل الأكثر من ذلك أنه تم التوافق على أن يكون الرئيس من بينهم وتحديدا من حزب الاتحاد الوطني الكردستانى.
لكن الطموح تطور إلى ما هو أبعد من ذلك وفي سبتمبر من العام الماضي قرر الجيل المؤسس لحلم الدولة الكردية إجراء استفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق عن الدولة الاتحادية المركيزة في بغداد مستغلا حالة الشقاق داخل البرلمان والاختلافات السياسية المتوالية بين الحكومة والسياسيين.
شح مياه الشرب
منذ عدة سنوات حذر الجيولوجيون من أن نهر دجلة سيجف مع الإجراءات التركية والإيرانية التي تبني السدود على منابع النهر وتحرم العراقيين من مياههم التاريخية التي تغنى بها الشعراء والأدباء.
من يذهب إلى دجلة في شارع سعدون في بغداد الآن يرى جفاف وقحط النهر الذي يعد واحدا من أعذب الأنهار في الكوكب، على خلفية عدة عوامل منها انخفاض نسبة الأمطار خلال العام الماضي في البلاد، إضافة إلى أساليب الري التي تؤدي إلى هدر المياه.
اللافت أن معاناة العراقيين اشتدت في المناطق الجنوبية في البلاد من النقص في المياه بعد انخفاض منسوب النهر، والآن اقترب المنسوب من المستوى نفسه في بغداد، مع توقعات بأن يجف النهر في طول البلاد وعرضها.
تشكيل الحكومة
بالرغم من أن قائمة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي لم تحصل على أغلبية مريحة تمكنها من تشكيل الحكومة إلا أن القوائم الاخرى التي اعتلت قائمة أصوات الناخبين لم تحسم أمرها حتى الآن مع توقعات من بعض السياسيين أن يستغرق الأمر حتى نهاية العام الجاري مع اعتقاد بأن الكلمة الأخيرة تنعقد على إمكانية التحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل.
هذا المناخ السياسي غير الحاسم للجدل مع أزمات المواطنين المتزايدة ينذر بمزيد من الاحتقان الداخلي بين الناس خاصة مع لجوء رجل الدين البارز مقتدى الصدر إلى المتظاهرين وتأييده مطالبهم ووصفها بالعادلة الحقة.
مع ذلك تبدو بودار الانفراجة السياسية في الأفق مع تمكن البلاد من دحر تنظيم داعش والتفرغ للمشاكل الداخلية التي يمكن التغلب عليها بقليل جدا من التلاحم الوطني وإعطاء الأولوية لقضايا الشعب ووضع التناحرات السياسية جانيا.