إذا كنت تتجول فى القاهرة، فلن يخلو شارع أو وسيلة مواصلات أمامك من طفل شوارع متسول، فحتى فى أماكن التنزه والمقاهى ستجد أطفالا يقتحمون وقتك الممتع بجملتهم الشهيرة «حاجة لله».
«المترو»، بيئة خصبة لأطفال الشوارع، فلا يكاد يخلو قطار من متسول واثنين وثلاثة، يتسابقون لاستجداء الركاب «الغلابة»، ولا يتوقف الأمر على المترو، فالمشهد يتكرر فى إشارات المرور والطريق الدائرى، حيث تقف وراءهم عصابات خطيرة، تحركهم فى الشوارع مقابل «علبة كشرى» وبضعة جنيهات نهاية كل يوم، وما أن يعودوا لأماكن نومهم، للراحة بعض الوقت، حتى ينهش المجرمون أجسادهم جنسياً.
الأجهزة الأمنية لم تقف مكتوفة الأيدى أمام هذه الظاهرة، حيث ضبطت 609 قضايا تسول وأطفال شوارع خلال شهر واحد، وهو رقم مخيف، يتطلب تدخل الجهات المعنية، فالحل الأمنى بمفرده لن يقضى على الظاهرة، وإنما يحتاج لتدخل باقى الجهات لاحتواء المحتاجين وتقديم الدعم المالى والمساعدات لمن يحتاج بالفعل، من خلال الجمعيات الخيرية التى يجمع معظمها المال ولا يعرف أحد مصادر إنفاقه، والتدخل الإعلامى للتوعية بخطورة موضة التسول لغير المحتاجين.
«برلمانى» التقت عددا من أطفال الشوارع، فى عدة مناطق برمسيس وميدان الرماية وعلى الطريق الدائرى وبمحيط جامعة القاهرة، حيث تحدثوا عن حياتهم وقصصهم، التى لم تختلف كثيراً عن بعضها، فقد تشابهت الظروف والأحداث، وتنوعت فقط الأسماء.
«حازم.م» طفل صغير لم يتخط عامه السادس، يتحرك بين السيارات بسرعة جنونية على الطريق الدائرى، لا يهاب الموت ولا يخشى أن تصدمه سيارة، وما أن تهدأ سرعة السيارات بسبب الزحام المرورى فى وقت الذورة، حتى يبدأ فى استجداء المارة بسلع «مختلفة»، فتارة يحمل «علبة مناديل» وأخرى يحمل معطر للسيارة، ليتعاطف معه الجميع ويعطوه «ما فيه النصيب» قبل أن يتحركوا بسياراتهم.
الطفل الصغير لا يعرف كثيراً عن أسرته، بحد قوله لـ«اليوم السابع»، فكل ما يعرفه فى الدنيا أنه يجمع الأموال ويضعها فى نهاية اليوم بين يد سيدة، تمنحه علبة كشرى مكافأة لتعبه على مدار اليوم، ليذهب للنوم بين مجموعة من أطفال الشوارع فى غرفة صغيرة استأجرتها لهم السيدة.
«زيزو» الذى رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقى لـ«اليوم السابع»، والذى يوجد باستمرار عند وصلة صفط اللبن قبل طلعة الطريق الدائرى، كشف العالم السرى لأطفال الشوارع، ما بين انتهاكات جسدية يتعرضون لها من قبل بعض المسجلين خطر، وتعذيب وتهديد بالقتل، مؤكداً أن هناك العشرات من الأطفال ضحايا التفكك الأسرى والنسب المجهول والعلاقات غير الشرعية، وأنهم لم يجدوا ملاذاً لهم سوى الشارع. وبسؤال الطفل عن سبب رفضهم للاستجابة لمبادرات الجهات المعنية مثل وزارة التضامن لوضعهم فى دور رعاية تضمن لهم حياة كريمة، أكد الطفل أن أطفال الشوارع دأبوا على السكة «الشمال»، كما أن بعضهم يجنح للسرقة وتعاطى المخدرات، لذا فإنهم يتهربون من دور الرعاية التى تحاول أن تصنع منهم أشخاصا أسوياء مفيدين للمجتمع.
بدوره، قال حازم الملاح، المتحدث باسم مشروع أطفال بلا مأوى بوزارة التضامن: إن هناك توجيهات صارمة من الدكتورة غادة والى باحتواء أطفال الشوارع ونقلهم لدور رعاية، لإعادة تأهيلهم وتعليمهم وتوفير حياة كريمة لهم.
وأضاف الملاح، فى تصريحات لـ«برلمانى»: «حملاتنا تستهدف نحو 16 ألف طفل شارع، ونجحنا فى الفترة الماضية فى نقل الآلاف من الأطفال لدور رعاية مجهزة بأحدث الأساليب، وذلك بالتعاون مع صندوق تحيا مصر، وهدفنا عدم وجود أطفال شوارع فى مصر». وأمنياً، أكد اللواء دكتور علاء الدين عبدالمجيد، الخبير الأمنى، أن وزارة الداخلية تؤكد أن أطفال الشوارع خطر على الأمن العام، حيث يتم استغلالهم فى العديد من الجرائم مثل السرقات والتسول، وفى بعض الأحيان بنزع أعضائهم.
وأضاف الخبير الأمنى، فى تصريحات لـ«اليوم السابع»، أن وزارة الداخلية متمثلة فى مباحث الأحداث تبذل جهودا كبيرة فى هذا الشأن، ويتم يومياً ضبط العديد من قضايا أطفال الشوارع، حيث تحولهم الجهات المعنية بعد ذلك لدور رعاية تليق بهم، ويتم تعليمهم بشكل جيد، حتى يصبحوا أشخاصا نافعين للمجتمع ونتفادى جرائمهم.