قال الرئيس عبد الفتاح السيسى، إن المشاركة فى القمة السادسة لآلية التعاون بين مصر واليونان وقبرص باتت تمثل أساسًا استراتيجيًا راسخًا فى المنطقة، وانعكاسًا لرغبة الدول الثلاثة الصادقة فى المُضى قدمًا فى مسيرة شراكتها الممتدة، التى لا تتأسس على حقائق الجوار الجغرافى فحسب، وإنما تستمد قيمتها وأهميتها المضافة من ميراث تاريخى، وقاسم ثقافى مشترك.
وأعرب الرئيس، فى كلمته خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع رئيس الوزراء اليونانى "أليكسيس تسيبراس" والرئيس القبرصى "نيكوس أَناستاسيادِس"، عن ثقته فى أن القمة الثلاثية، وما تشهده من زخم سياسى واقتصادى، إلى جانب علاقات الصداقة ستمثل دائمًا حصنًا منيعًا فى مواجهة التحديات المتصاعدة، وعلى رأسها اتساع دائرة التطرف والإرهاب الذى يسعى لتحقيق أهدافه باسم الدين، سواء لهدم مفهوم وكيان الدولة الوطنية ومؤسساتها، أو لتدمير المجتمعات والحضارة الإنسانية، فضلًا عن التحديات المتعلقة بقضايا اللاجئين والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة.
وأضاف الرئيس السيسى أن التطورات الجارية فى المنطقة استأثرت بجزء هام من المباحثات، مشيرا إلى أنها تناولت سبل التعامل مع الصعوبات القائمة التى تحيط بالواقع الإقليمى، مع تأكيد أهمية اضطلاع الأطراف الإقليمية والدولية كافةً بمسئولياتها فى هذا الصدد، من أجل تجنيب المنطقة الأخطار التى تحيق بها، وذلك من خلال احترام المبادئ المستقرة بين الدول، وإعلاء قيم حسن الجوار والعيش المشترك، فى إطار من سعة الأفق ونبذ العنف والكراهية، واعتماد الحل السلمى للنزاعات، كسبيل وحيد لاستعادة الأمن والاستقرار فى منطقتى الشرق الأوسط والمتوسط.
وشدد الرئيس السيسي، على أن القمة شهدت تقاربًا معهودًا فى الرؤى تجاه القضايا والأزمات التى تمر بها بعض دول المنطقة، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، والأوضاع فى كل من سوريا وليبيا.
وأكد السيسى، على أنه لا مجال لوقف نزيف الدم وإعادة البناء والإعمار إلا بتسوية الأزمات سياسيًا، وتلبية طموحات الشعوب فى مستقبل أفضل، وبما يفوّت الفرصة على التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، التى تستغل تلك الأزمات للنيل من دولنا وترويع شعوبنا، مستندين فى ذلك إلى ما يتلقونه من دعم مالى وسياسى ولوجستى من بعض الأطراف، التى لا تتردد فى الخروج عن القوانين والأعراف الدولية، كى توجد لنفسها موطئ قدم ونفوذ، وتُحقق مصالحها الضيقة على حساب أرواح ومقدرات الشعوب المُسالمة.
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء اليونانى اليكسيس تسيبراس، إن اختيار جزيرة كريت لعقد القمة له رمزية عالية ليس لانها منتصف الطرق بين مصر واليونان وقبرص فقط وإنما لاعتبار أن هذه الجزيرة ملتقى للثقافات المشتركة منذ آلاف السنين أنها تعتبر ملتقى طرق اقتصادى وسياحى.
وأضاف تسيبراس، أن جزيرة كريت تحتل أهمية جيواستراتيجية كبيرة من ناحية قطاع الطاقة، وذلك بعد انتهاء الربط بين كريت وبقية اليونان، كما تعتبر محطة لنقل الغاز الطبيعى والطاقة الكهربائية لبقية دول الاتحاد الأوروبي.
وأكد تسيبراس، على أن القمة الثلاثية تتميز بأهمية بالغة فى فترة تكثر فيها التحديات فى المنطقة التى تشهد عدم استقرار وصراعات، خاصة فى شرق المتوسط وشمال أفريقيا، كما أنها تعمل على تعميق التواصل بين الدول الثلاث.
وقال رئيس الوزراء اليونانى: "خلال القمة أتاحت الفرصة للتحدث عن التطورات الإقليمية ودور اليونان وقبرص كمحور استقرار فى أوروبا، فضلا عن دور مصر الهام"، ووصفه بأنه "لا بديل عنه"، وأنه لا يمكن وضع حلول للمشاكل فى المنطقة من دون دور مصر التى تعتبر شريك مهم للاتحاد الأوروبى، مشيرا إلى أن هذا ما أكدته كل من أثينا ونيقوسيا فى اجتماعات قادة الاتحاد الأوروبي.
وأشار تسيبراس، إلى أن مصر محور تحقيق التوازن فى المنطقة، مشددًا على أهمية دعم جهودها فى مكافحة الإرهاب والسيطرة على الهجرة غير الشرعية واستعادة اقتصادها ودعم استقرارها.
وفيما يتعلق بالقضية القبرصية، أكد رئيس وزراء اليونان على أهمية وجود حل عادل ودائم للمشكلة القبرصية على اساس قرارات مجلس الأمن، مشيرا إلى أن اليونان تدعم إعادة بدء المفاوضات بهدف حل المشكلة القبرصية من أجل السلام وأن تبدأ من النقطة التى توقفت عندها العام الماضى فى سويسرا وضرورة إلغاء الضمانات وانسحاب قوات الاحتلال من الجزيرة.
وأوضح "تسيبراس" أنه توافق فى الرؤى مع الرئيس السيسى حول أهمية ترسيم الحدود، مشيرًا إلى أنه تم الاتفاق على ايجاد الطريقة لتجاوز التعقيدات الفنية، مضيفا إلى أنه تم الحديث عن خارطة الطاقة فى المنطقة ونقل الغاز من خلال المحطات اليونانية وأنبوب نقل غاز من حوض المتوسط إلى كريت ومن ثم إلى أوروبا.
ولفت رئيس وزراء اليونان، إلى أنه تم خلال القمة مناقشة ضرورة ايجاد حل سياسى لسوريا ودعم جهود مبعوث الامم المتحدة فى ليبيا ودور مصر للوساطة فى خفض التوترات فى قطاع غزة وتحقيق المصالحة، وضرورة التوصل لحل عادل للمشكلة الفلسطينية وتحقيق الأمن للشعب الإسرائيلى وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد تسيبراس، على أن القمة تطرقت إلى التعاون الثلاثى والثنائى فى مجالات التعليم والثقافة والسياسة الرقمية والمغتربين وفرص الاستثمار فى العاصمة الإدارية الجديدة والمنطقة الاستثمارية لقناة السويس الجديدة والمشروعات الصغيرة والاستثمار والجمارك واتفاقية ثنائية للتأمينات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي.
واختتم رئيس وزراء اليونان كلمته، أن المباحثات تناولت أيضا كل ما يتعلق بالابتكارات وتفعيل برنامج العودة للجذور لتنشيط التعاون فيما بين المغتربين، وإنشاء أمانة دائمة للتعاون الثلاثى ويكون مقرها قبرص لمتابعة ما يتم الاتفاق عليه فى القمم التى تعقد بين الدول الثلاث.
وفى سياق متصل، أشاد الرئيس القبرصى نيكوس أناستاسيادس باختيار رئيس الوزراء اليونانى لجزيرة كريت لعقد القمة الثلاثية فى جولتها السادسة، مشيرًا إلى أن كريت تعتبر ملتقى للحضارات والثقافات منذ سنوات طويلة للأجيال اليونانية والقبرصية والمصرية.
وأضاف رئيس قبرص، إلى أن اللقاء مع الرئيس السيسى ورئيس وزراء اليونان يعد ثمرة للتعاون والبناء على نتائج اللقاءات الخمس السابقة وإضافة للآفاق المتاحة لتعزيز أواصر الصداقة بين الدول الثلاث.
وأكد أناستاسيادس، على أنه تم التأكيد أيضا على أهمية تجسيد رؤية لآلية التعاون الثلاثى على المستوى السياسى والاقتصادى من أجل مصلحة شعوبنا.
وأشار نيكوس أناستاسيادس، إلى أن قادة الدول الثلاث مصرة على تكثيف الحوار فيما بيننا وتعميق التعاون فى مجالات الطاقة والتكنولوجيا والسياحة والتجارة والكثير من الموضوعات الأخرى، متابعًا: "خلال المباحثات تطرقنا لأهمية تحقيق السلام والاستقرار فى منطقة المتوسط والشرق الأوسط وهذا التعاون الثلاثى لا يقصد به إقصاء أى طرف ولكننا نود تعميق وتوسيع التعاون بيننا".
وأوضح الرئيس القبرصى، أن هناك تعاونا بين اليونان وقبرص مع كل من الاردن ولبنان وإسرائيل ونريد أن نتعاون فى مجال الطاقة والأمن بشكل عام فى المنطقة، مؤكدًا على أنه أطلع الرئيس السيسى ورئيس وزراء اليونان بتطورات الوضع فى قبرص وإصرارنا على الاستمرار فى الحوار لإحلال السلام وأن يكون هذا مناسب لدولة تفرض عليها التزامات على الصعيد الأوروبى والاحترام المطلب لقواعد ولوائح القانون الدولى.
وقدم نيكوس أناستاسيادس، الشكر للرئيس السيسى ورئيس وزراء اليونان على الدعم والموقف الحاسم للقضية والحقوق القبرصية والتى تستند على المبادئ، مشيدًا بالدور الذى تقوم به مصر تحت رئاسة السيسى لمعالجة موضوع الهجرة غير الشرعية.
وأكد الرئيس القبرصى، على أن مصر بمثابة الحصن المنيع فى المنطقة أمام الهجرة غير الشرعية خاصة لدول أوروبا، معربًا عن سعادته بالترتيب لعقد اجتماع فى المستقبل بين الدول العربية برئاسة مصر والاتحاد الأوروبى لمناقشة قضايا كثيرة تهم الجانبين، مشيرا إلى أنه سيتم أيضا بحث سبل دعم مصر باعتبارها دولة مهمة وركيزة لتحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة.
وأشار نيكوس أناستاسيادس، إلى أنه تم الاتفاق على تشكيل أمانة دائمة لمتابعة ما يتم الاتفاق عليه بين قادة الدول الثلاثة لتكون آلية تنسيقية لزيادة التفاعل والتعاون وتكون نقطة ربط إضافية بيننا فى علاقاتنا وإعطاء دفعة أخرى للعلاقات وسيكون مقرها هو قبرص، مشيرًا إلى أهمية تنسيق المواقف بين الجانبين فى كافة المجالات والدفاع والمغتربين وتنسيق النشاطات الخاصة بالمواطنين بالخارج وتوحيد الإمكانيات المشتركة فى تلك المجالات خاصة الطاقة لتوفير الغاز لأوروبا.