مع تكرار حوادث انهيار العقارات حديثة العهد، أكد عددا من خبراء العمل الهندسى، أن العمر الافتراضى للعقارات، ليس مقياسا لسلامتها، خاصة أن هناك عقارات تم بنائها من 5 سنوات وفى حاجه إلى هدم، لعدم صحتها الإنشائية، فى حين هناك منشآت ترجع إلى آلاف السنوات ومازالت قائمة وبحالة جيدة، مؤكدين أن العمر الافتراضى لا يمكن تعميمه على كافة المبانى، خاصة أن لكل منشأة طبيعة من حيث الاستخدام، ومواد البناء، وطبيعة التربة التى تم البناء عليها.
الدكتور محمد عبد الغنى، عضو لجنة الإسكان، بمجلس النواب، قال إن العمر الافتراضى يتم على أساسه حساب مدة بقاء المبنى، ولا يعنى نهاية المنشأة، لكنه أمر يتعلق باستخدام قيمة المبنى من الناحية المادية، خاصة أن الناحية المعمارية والتصميمية تبقى كما هى، فلدينا منشآت شاهدة على العمارة الإسلامية باقية منذ مئات السنين، وبالتالى لا يمكن قياس المبنى بالعمر الافتراضى، وإلا فلما كان تبقى لنا أى عقارات من الحضارات السابقة".
وأوضح عبد الغنى، فى تصريحات خاصة لـ"برلمانى"، أن قصر عمر المبانى الحديثة، غالبا يرجع إلى عدم مطابقة البناء فنيا للمواصفات الهندسية، نتيجة لعدم دقة الإشراف الهندسى أو غيابه، وذلك يظهر خاصة فى المبانى التى تمت فى فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات، فقد كان هناك بعض الشبهات فى أعمال المقاولات والإشراف الهندسى والبناء بمواد غير مطابقة، على عكس بعض العقارات القديمة التى تعود إلى الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، لافتا إلى بعض العوامل الأخرى المؤثرة على عمر العقارات، مثل: ضعف الصيانة، وعدم متابعة المنشأة، والتى غالبا ما تنتهى بحدوث انهيارات.
وأضاف: يتم حساب العمر الافتراضى للعقارات الخرسانية، من 50 إلى 100 سنة، ولا يعنى أن العقارات بعد ذلك تتعرض للانهيار، أو تحتاج إلى الهدم، لكن يعنى ضرورة التأكد من استمرار سلامة العناصر الإنشائية لأداء وظائفها، موضحا أنه منذ 4 سنوات كان هناك إحصائية تشير إلى أن حجم العقارات القديمة فى مصر، والتى تخطت الـ50 عاما، تصل قيمتها إلى أكثر من 84 مليار دولار، مما يمثل ثروة قومية كبيرة جدا لا يمكن هدمها.
من ناحيته، قال المهندس إيهاب منصور، نقيب مهندسى الجيزة، أنه لا يوجد أى مقياس موحد لتحديد العمر الافتراضى للمبانى، إلا أن هناك قياسات وإجراءات هندسية يتم إجرائها لتحديد كفاءة كل مبنى، وقدرته على الاستمرار، فهناك عقارات تخطت الـ80 عاما وحالتها الإنشائية أفضل من المبانى التى تمت من 10 سنوات، لافتا إلى أن هدم المبانى التى تخطت 65 عاما أمرا ليس سهلا، خاصة أن تلك المبانى بها سكان وأعدادهم تحتاج إلى حصر لإيجاد بديل لهم، ومن سيتولى عملية الهدم والبناء والتكلفة.
وأوضح أن هناك بعض المشاكل التى تظهر على المبنى بشكل واضح، مثل الشروخ والميول أو أيا من هذا القبيل، وفى حال عدم وجودها بصرف النظر عن عمر المبنى فلا يوجد مشكلة، مؤكدا أن المبانى التى تتعرض للانهيار لا يحدث ذلك فجأة، بل لابد دائما من وجود مقدمات لكن المواطنين قد يشهدوا بعضها ولا يلتفتون لها.
فى سياق مُتصل، قال المهندس أحمد رمزى، رئيس شعبة الهندسة المدنية، بنقابة المهندسين، أن العمر الافتراضى للعقارات يتوقف على عدة عوامل رئيسية، مثل: هل يتم إجراء صيانة لها أم لا، هل تقع فى مناطق مزدحمة أم لا؟، ونوعية التربة والأراضى التى تم عليها إنشاء المبنى، وهل كان الحديد المستخدم ليس نوع جيد، أم لا، كل ذلك يتحكم فى العمر الافتراضى سلبا وإيجابا، مؤكدا أنه بشكل عام العمر الافتراضى للعقارات لا يقل عن 100 عام، وفقط يقل فى العقارات التى تواجه مشاكل فى أساستها.
وتابع: المبانى القديمة التى تم بنائها بالحجر، "الحيطان الحاملة"، عمرها الافتراضى أقل نسبيا، لكن العقارات التى تم بنائها فى فترة الخمسينيات والستينيات تتعدى أعمارها الـ100 عام، ولا يمكن هدمها إطلاقا، ما لم يكن هناك داعى لذلك، فمن الممكن أن يكون هناك مبانى تم بنائها من 30 سنة ويحتاج للهدم وأخر مبنى منذ 100 عام وليس فى حاجه لذلك، وبالتالى لا يمكن تعميم مبدأ على الجميع، كل حالة منفردة بذاتها.
واستطرد: "المخالفات حاليا أصبحت تؤدى إلى بناء عقارات من مقاولين دون مهندسين، والأزمة تعود إلى ارتباط الأمر والرقابة الأمر بالأحياء فى الأساس".
فيما قال المهندس سيف الله أبو النجا رئيس جمعية المهندسين المعماريين المصريين، أن الجمعية منذ أكثر من 20 عاما، اقترحت الحفاظ على المبانى ذات القيمة التراثية الأقل من 50 عاما، ولا تعد أثرا لكنها ذات قيمة، ولها عدة تقسيمات خاصة بطبيعة المبنى، وتم بناء عليها وضع قانون التنسيق الحضارى، أما المبانى العادية والسكنية التى يتعدى عمرها أكثر من 65 عاما، لا يوجد داعى للهدم ما لم يكن هناك مشاكل بسبب المجارى أو تصدعات، يحدث تنكيس لإجراء علاج مؤقت لها، لحين اكتشاف أن كان هناك مخاطرة فى اكمال الحياة بالمبنى أم لا.
وأكد أبو النجا، على أنه لا يوجد قانون أو كود يحدد العمر الافتراضى للمبنى، لافتا إلى أن المنشآت قديما كانت أعمارها أطول، فإذا قررت هدم مبنى قديم نجد أنه قوى وصعب الهدم، على عكس المبانى الجديدة، مما يعنى أنه لا علاقة بعمر المبنى بالزمن، مضيفا: الكار سقط من الستينيات، خاصة أن المبانى التى تم بنائها فى تلك الفترة ظهرت عيوبها حاليا، فمن كانوا يعملوا زمان فى البناء كان يحكمهم أنظمة فنية صارمة ومحددة، مثل المبانى المقابلة للبحر فى الإسكندرية على سبيل المثال، لكن تدخل الحكومات فى البناء جعل الأساس هو السعر ليس الجودة، حتى أصبحت المبانى على "الحركرك".
وأوضح أن القانون المدنى يحدد أن مسئولية المنشأة تظل لمدة 10 سنوات مسئولية المقاول، لذا فهو يهتم ببنائها بشكل يحافظ عليها، فيبنيها بناءا على ذلك، لكن قديما كان يتم بناء العقار كثروة ليظل 100 عام، وأكثر، والمشكلة حاليا تعود لعدة أمور، من بينها: المجارى منسوبها ارتفع، والذى يؤدى إلى تآكل فى الأساسات وهبوط، ومواد البناء كانت سيئة جدا فى الستينيات، حاليا يتم البناء بالخرسانة والطوب أصبح ليس ذات جودة مرتفعة.
من جانبه، قال المعمارى حمدى السطوحى استشارى تصميم المبانى العامة،: إذا كنا نقول أن 50 عاما هو عمر افتراضى للمنشأة، فكان من الأولى أن يتم هدم المبانى الأثرية والتراثية، لكن لابد أن يكون هناك إدراك أن المنشآت الخرسانية إذا تم عملها صحيح وكما يجب، فلا يمكن حساب عمر افتراضى لها، وهدمها يتعارض مع قانون المبانى ذات القيمة، والتى تقسمها إلى 3 مبانى، مضيفا: "لابد أن يصبح التوجه العام للدولة بكل مؤسساتها هو الحافظ على القيمة التى لدينا فى الثروة المعمارية، وإنشاء ما هو جديد، والتوسع فى مساحه مصر التى لا نستخدم منها سوى 9%".
واستطرد: المبانى التى تسقط دائما تكون نتيجة لمخالفتها للأعراف الهندسية وكود البناء، خاصة أن أغلب العقارات التى سقطت فى الإسكندرية مثلا، عمرها لم يتعد الـ30 عام، لذا فأننا نحتاج من البرلمان أن يحدد المشاكل الحقيقية، وجذورها للتعامل معها، للحفاظ على الثروة العقارية، مشيرا إلى ضرورة تفعيل قانون لمنح قوة لجهاز التنسيق الحضارى، الذى يضع الكثير من المعايير لضمان جودة العمران دون أن يكون له القانون المُلزم لها.
وأكد على ضرورة وجود نظام حاسم وقوى فى متابعة ومراقبة أعمال التراخيص، خاصة أن أى شخص يمنح الترخيص، وأى شخص يبنى دونه، وأى شخص يمكنه مخالفته، قائلا: المطلوب ليس بناء مبانى فقط، بل لابد من إنشاء معمار يليق بمصر وحضارتها، نرغب فى معمار له قيمة، فالمبانى تمثل ثروة فى حد ذاتها.