ضغوط متتالية، وحملات ممنهجة يشنها الحزب الديمقراطى فى الولايات المتحدة عبر شبكة الصحف والقنوات الإخبارية الموالية، والمعروف بعداء غالبيتها للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قبل أيام من انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، على أمل انتزاع المزيد من مقاعد المجلس وتقويض فرص الحزب الجمهورى الذى ينتمى اليه الرئيس.
الحملات التى بدأت منذ اليوم الأول لتنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، زادت وتيرتها على مدار الشهر الجارى، حيث تعمد رموز الحزب الديمقراطى وأذرعه الإعلامية على استعلال العديد من الأزمات التى شهدتها واشنطن وتسيسها لتحقيق مكاسب انتخابية، وفى مقدمة تلك الأزمات واقعة "الطرود المفخخة"، ومجزرة المعبد اليهودى التى حاولت وسائل إعلام عدة إلقاء مسئوليتها على الرئيس ترامب وسياساته ، وشحن الأوساط اليهودية داخل الولايات المتحدة ضد البيت الأبيض.
النوايا الديمقراطية لاستغلال تلك الأحداث، كشفتها دون مجال للشك تلميحات المرشحة الخاسرة، وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون، التى قالت قبل يومين إنها "ترغب فى أن تكون رئيسة"، لكنها ستحسم موقفها من الترشح لانتخابات الرئاسة 2020، بعد نتائج انتخابات التجديد النصفى.
نوايا هيلارى لخوض السباق الانتخابى المقبل تتزايد
النوايا الديمقراطية ظهرت جلياً فى تصريحات العديد من قادة ورموز الحزب، حيث قال الرئيس الأمريكى الأسبق، بيل كلينتون فى تعليقه على حادث المعبد اليهودى : "يجب علينا جميعا أن نبعث برسالة لا لبس فيها مفادها أن العنف والكراهية اللذين انتشرا فى جميع أنحاء أمريكا لا يمكن التسامح فيهما".. فحديث كلينتون، باعتباره رجل سياسة، يرتبط بالحدث السياسى الأبرز الذى تشهده الولايات المتحدة فى الوقت الراهن، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفى للكونجرس والمقررة فى أوائل الشهر المقبل، وهو ما يمثل امتدادا لمحاولات استهداف خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى يسعى جاهدا نحو احتفاظ الحزب الجمهورى بالهيمنة على الكونجرس، لتصبح له ولحزبه اليد الطولى فى كل مؤسسات السلطة فى الولايات المتحدة، خلال العامين المقبلين، قبل أن يخوض هو نفسه انتخابات الرئاسة المقبلة والمقررة فى عام 2020، والتى سيسعى خلالها للبقاء فترة جديدة فى البيت الأبيض.
ولعل كلمات الرئيس الأمريكى الأسبق ليست ببعيدة عما روج له الديمقراطيون فى الأيام الماضية، مع صعود ظاهرة الطرود المفخخة التى استهدفت الساسة المنتمين للحزب الديمقراطي، حيث اعتبروا أن تصريحات الرئيس الأمريكى وانتقاداته اللاذعة للديمقراطيين تمثل سببا رئيسيا فى انتشار الكراهية فى المجتمع الأمريكى، فى محاولة صريحة لاستغلال القضية من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، فى ظل القبول الذى يحظى به خطاب ترامب تجاه العديد من القضايا التى ينظر لها المواطن الأمريكى باعتبارها أولوية قصوى، وعلى رأسها الوضع الاقتصادى، والذى حققت فيه الإدارة الحالية نجاحات كبيرة، والهجرة والتى ينظر لها قطاع كبير من الأمريكيين باعتبارها تهديد صريح لهم سواء أمنيا أو اقتصاديا.
كلينتون حاول إثارة الأزمات بعد مجزرة المعبد اليهودى
استغلال الديمقراطيين للأحداث الراهنة التى تشهدها الولايات المتحدة والتى تتسم بالعنف تمثل انعكاسا صريحا لإدراكهم لفشل خطابهم الانتخابى قبل انتخابات التجديد النصفى، ربما على عكس الثقة الكبيرة التى كانت تنتابهم قبل انطلاق انتخابات الرئاسة الأخيرة، والتى تمكن فيها الرئيس ترامب من الصعود إلى البيت الأبيض على حساب غريمته الديمقراطية هيلارى كلينتون، فى مفاجأة لم يكن يتوقعها غالبية المتابعين للمشهد السياسى الأمريكى آنذاك، بل وفشلت استطلاعات الرأى فى التنبؤ بها.
إلا أن حادث بنسلفانيا يتسم بتفرده، إذا ما قورن بحوادث الطرود المفخخة، حيث أنه يمثل استهدافا صريحا على أساس طائفى، على اعتبار أن الهجوم كان موجها لمعبد يهودى، وهو الأمر الذى ربما يفتح الباب أمام الساسة الديمقراطيين لاستغلاله على نطاق أوسع، من خلال الترويج إلى أن خطاب الرئيس الأمريكى ساهم بصورة كبيرة فى اتساع دائرة الكراهية داخل المجتمع الأمريكى من النطاق السياسى على أساس حزبى، إلى نطاق طائفى على أساس دينى، مما يثير مخاوف كبيرة داخل الأمريكيين بشكل عام من تداعيات الانقسام، والتى ربما تنذر بتهديدات أكبر فى المستقبل إذا ما استمر النهج الحالى.
طوارئ أمنية بعد أزمة الطرود المفخخة
ولعل استخدام ذريعة الطائفية لتحقيق مكاسب سياسية ليس بالأمر الجديد تماما على السياسة الأمريكية، وإن كانت المسألة اقتصرت إلى حد كبير على الأجندة الدولية، فحاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لاستخدام المسألة الطائفية للتدخل فى شئون الدول الأخرى، فى محاولة لابتزازها وفرض إرادتها عليها، وهو الأمر الذى ربما تجلى فى أبهى صوره فى حقبة الرئيس السابق باراك أوباما، والذى ينتمى للحزب الديمقراطى، حيث سعى لتعميق الطائفية فى دول الشرق الأوسط من أجل تنفيذ ما يسمى بـ"الفوضى الخلاقة" لإعادة تقسيم دول المنطقة، وهى الخطة التى لم تتمكن من تحقيق أهدافها فى نهاية المطاف.
وتعد الطبيعة الدينية للحادث فى ذاتها فرصة لمناوئى الرئيس الأمريكى لتقويض شعبيته بين فئة من أكثر الفئات الداعمة له، وهم اليهود الأمريكيين، والذين ينظر إليهم باعتبارهم رأس حربة فى القطاع المؤيد لترامب وحزبه، حيث يعول عليهم الرئيس الأمريكى كثيرا فى الانتخابات القادمة، للاحتفاظ بالأغلبية داخل الكونجرس الأمريكى فى المرحلة المقبلة، وبالتالى تنفيذ أجندته التشريعية، كما أنه من شأنه زعزعة الصورة التى سعى الرئيس الأمريكى أن يرسمها لإدارته باعتباره أكبر الداعمين والمؤيدين لليهود وحقوقهم سواء فى الداخل أو على المستوى الدولى من خلال دعم إسرائيل.
ترامب يأمل فى انتزاع أغلبية الكونجرس فى انتخابات التجديد النصفى
وربما ساهمت السياسات الأمريكية منذ بداية حقبة الرئيس ترامب فى توطيد تلك الصورة، حيث سعى لاسترضائهم عبر الكثير من القرارات، لعل أهمها دعم دولة إسرائيل، عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لها فى ديسمبر الماضى، ثم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس فى مايو الماضى، وكذلك الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى فى الشهر نفسه، بالإضافة إلى الانسحاب من عدة منظمات دولية، أبرزها المجلس الدولى لحقوق الإنسان وكذلك اليونيسكو بسبب إدانتهم المتواترة للحكومة الإسرائيلية بسبب انتهاكاتهم فى حق الفلسطينيين.
إلا أن مسعى الديمقراطيين إلى استخدام الحادث يعكس محاولاتهم لتقويض كافة الجهود التى بذلتها إدارة ترامب للفوز بثقة يهود أمريكا باعتباره مسؤولا عن انتشار خطاب الكراهية، بالإضافة إلى فشله فى توفير الحماية اللازمة لهم، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانوا سينجحون فى تحقيق مهمتهم أم أن الجمهوريين لديهم خطة بديلة يمكنها الاحتفاظ بحظوظهم للإبقاء على أغلبيتهم فى الكونجرس الأمريكى.