وفى جانب آخر من تلك المخاطر، تنقل شركات الإنترنت العملاقة المحتوى الخبرى نقلا عن المراسلين والمصورين، دون أى مجهود أو مقابل، فلا مراسل هنا ولا كاميرا هناك، لا شخص يغطى الحرب فى الشرق، ولا فرد يراقب موت المهاجرين فى البحر.
فجشع شركات الإنترنت العملاقة مثل فيسبوك وجوجل نيوز وتويتر، جعل العديد من الصحفيين ووكالات الأنباء العالمية، للتصدى لهم من خلل النية فى فرض رسوم على تلك الشركات التى تنقل المحتوى دون مقابل.
وأكد أكثر من مئة من كبار المراسلين والمصورين دعمهم لمقال جديد كتبه الصحفى فى وكالة فرانس برس سامى كيتز يدعو إلى الدفاع عن الإصلاح الأوروبى لحقوق التأليف ضد مجموعات الإنترنت العملاقة التى تسعى إلى "إفراغ النص من محتواه"، على حد تعبيره.
وكتب سامى كيتز فى هذا المقال الذى نشر اليوم الثلاثاء، ودعمه 103 صحفيين ومصورين من كل الاتحاد الأوروبى "قبل شهرين، فى 12 سبتمبر، صوت البرلمان الأوروبى بكثافة على نص يمنح الصحافة والوكالات أملا فى الحصول على بدل مالى من مجموعات الإنترنت العملاقة"، عبر فرض "رسم مجاور" يشبه حقوق التأليف.
وأشار إلى أن البرلمان الأوروبى صوت على النص "على الرغم من تعبئة غير مسبوقة لمنصات" الإنترنت.
وتهدف هذه الرسوم إلى السماح للصحف ووكالات الأنباء، بالحصول على عائدات عند إعادة استخدام منتجاتها على الإنترنت من قبل مواقع مجمعة للأخبار مثل "جوغل نيوز" أو شبكات اجتماعية مثل "فيسبوك".
لكن بينما يفترض أن يحصل هذا التعديل على موافقة "الثلاثي" (أى البرلمان الأوروبى والمجلس الأوروبى والمفوضية الأوروبية)، قال سامى كيتز الذى عمل مراسلا صحفيا فى الشرق الأوسط والمدير الحالى لمكتب فرانس برس فى بغداد، إن مجموعات الإنترنت الكبرى أطلقت "حملة ترويج جديدة واسعة جدا".
وكتب أن هذه المنصات تسعى إلى أن تستثنى من الإصلاح، "القصاصات" (سنيبتس) أى الفقرات القصيرة للمقالات التى تظهر على محركات البحث والمواقع المجمعة للأخبار أو شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك وكالات الأنباء والصحافة المتخصصة، وتقليص مدة حماية الحق المجاور.
وقال سامى كيتز: "عندما ينشر محرك بحث أو ناقل للأنباء حرفيا منتج صحيفة أو وكالة، يبدو أمرا طبيعيا أن يدفع رسما مجاورا حتى إذا كان ما نشر مقطعا قصيرا".
وذكر مثالا على ذلك عنوانا مثل "32 قتيلا فى اعتداء انتحارى فى حى شيعى فى بغداد (الشرطة ومستشفيات)"، موضحا أنه بسيط فى ظاهره لكن فى الواقع يتطلب عمليات تحقق عديدة يقوم بها صحفيون شخصيا يجازفون بحياتهم أحيانا.
وتابع: "إذا أفلت نقل نصوص الناشرين والوكالات من رسم الجوار بحجة أنها مقاطع قصيرة فإن كل الاستثمارات التى يوظفها الناشرون ووكالات الأنباء لتقديم هذه المعلومات إلى الجمهور ستنتهى بخسارة وقد يؤدى ذلك إلى التخلى عن التغطية لمصلحة الذين ينشرون أخبارا كاذبة".
وبين موقعى النص الصحفية فلورانس اوبينا والمراسل الحربى غريجوار دينيو والمصور يان آرتوس بيرتران، ونشر المقال فى صحف ومواقع ووكالات الأنباء.
وفى وقت سابق اتفق نواب البرلمان الأوروبى على اتخاذ موقف حازم من شركات تكنولوجيا عملاقة مثل جوجل وأمازون وأبل بإصدار تشريع جديد يهدف للحد من الممارسات التجارية الظالمة.
وصوتت لجنة بالبرلمان الأوروبى لصالح تشديد مشروع قانون يستهدف منع الممارسات التجارية الظالمة للتطبيقات ومحركات البحث ومواقع البيع الإلكترونى ومواقع الحجز فى الفنادق فى محاولة لضمان تكافؤ الفرص بين شركات التكنولوجيا والشركات التقليدية.
ويعطى التشريع الدول الأعضاء سلطات أكبر لملاحقة مخالفى القانون ويتضمن قائمة سوداء للممارسات التجارية التى تعتبر ظالمة.
ويتعين على اللجنة البرلمانية الآن التوفيق بين موقفها المتشدد وبين مقترحات أكثر اعتدالا قدمتها المفوضية الأوروبية التى صاغت مشروع القانون فى أبريل نيسان وحصلت على موافقة حكومات الدول الأعضاء عليه.
ووفق وكالة رويترز، قال كريستل شالديموسه النائب الدنمركى ممثل تيار يمين الوسط وأبرز مفاوضى البرلمان: "تمكنا من طرح تحسينات على اقتراح المفوضية تمنع الممارسات الظالمة وتسد الثغرات وتحمى النزاهة فى العلاقات بين المستخدمين فى مجال التجارة وبين منصات الإنترنت".
وتنظر مفوضة شئون المنافسة بالاتحاد الأوروبى مارجريت فيستاجر كذلك فى ممارسات موقع أمازون واستخدامه بيانات البائعين لعرض منتجات مماثلة لمعروضاتهم.
ومن المقرر أن يبدأ البرلمان الأوروبى محادثات مع المفوضية ودول الاتحاد الأوروبى للتوصل إلى موقف موحد قبل سن قانون بهذا الشأن ما لم يعترض مشرعون آخرون على تصويت اللجنة فى اجتماع البرلمان بكامل أعضائه الأسبوع المقبل.
فى السياق ذاته قال وزير المالية الفرنسى برونو لومير فى تصريحات سابقة، إن فرنسا ستفرض ضرائب على الشركات الرقمية العملاقة فى العام المقبل حتى لو لم يفلح الاتحاد الأوروبى فى التوصل إلى اتفاق بشأن فرض ضريبة على إيرادات الشركات الرقمية للاتحاد بأكمله.
وفشل وزراء مالية الاتحاد الأوروبى فى الاتفاق بشأن ضريبة على الإيرادات الرقمية الأسبوع الماضى، رغم خطة فرنسية ألمانية فى اللحظات الأخيرة لإنقاذ الاقتراح عن طريق قصره على شركات مثل جوجل وفيسبوك.
وقال لومير للقناة الثانية بالتلفزيون الفرنسي: "أعطى نفسى حتى مارس للتوصل إلى اتقاق بشأن ضريبة أوروبية على الشركات الرقمية العملاقة".
وأضاف: "إذا لم يفلح الأمر، فسنطبق ذلك على المستوى الوطنى اعتبارا من 2019".
يأتى فشل الاتحاد فى التوصل إلى اتفاق فى وقت تواجه فيه الحكومة الفرنسية احتجاجات ضد تكاليف المعيشة المرتفعة وسياسات اقتصادية ينظر لها على أنها تخدم مصالح الشركات الكبيرة والأثرياء فحسب.