أسست الصناديق الخاصة بقرارات جمهورية وفقًا لاعتبارات معينة وبغرض تحقيق أهداف محددة، وتتبع الوزارات والهيئات العامة والمحافظات والمجالس المحلية وتحصل على مواردها من عامة الشعب، من حصيلة الدمغات والغرامات ومن رسوم التصالح فى المبانى، ورسوم اللوحات المعدنية للسيارات، ورسوم استغلال المحاجر، ورسوم دخول المستشفيات، وغيرها الكثير.
الصناديق الخاصة تعمل خارج الموازنة
وتعمل تلك الصناديق خارج الموازنة العامة للدولة لدرجة أن إنشاءها لم يعد مقصورًا على سلطة رئيس الجمهورية، بل اتسع نطاقها إلى قانون الإدارة المحلية الذى أعطى الحق لرؤساء القرى أو المراكز أو المحافظات فى إنشاء صناديق خاصة، وهذا التوسع الكبير صعب حصر هذه الصناديق أو مراقبتها بعد أن وصل عددها إلى ما يقارب 10 آلاف صندوق، والسؤال الذى يطرح نفسه هو هل حققت هذه الصناديق الخاصة الهدف من إنشائها؟
وعلى مدار السنوات الأخيرة، طالب عدد من الأحزاب والقوى السياسية بضم أموال تلك الصناديق للموازنة العامة للدولة وإحكام الرقابة عليها، وهو ما بدأه المهندس أشرف بدر الدين عضو مجلس الشعب عن الدورة البرلمانية 2005 – 2010 وصاحب استجواب الصناديق الخاصة، الذى فجر القضية تحت القبة ولم يلتفت إليه أحد، مستندًا إلى الصفحة رقم 197 من تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة فى عام 2008 – 2009، التى كشفت عن أن هناك نحو تريليون و272 مليار جنيه هى حصيلة الصناديق الخاصة، ولم يتم إدراجها فى تقرير لجنة الخطة والموازنة.
من جانبه شن الخبير الاقتصادى الدكتور عبد الخالق فاروق، هجومًا حادًا على ظاهرة الصناديق الخاصة، مؤكدًا أنها ظاهرة شاذة غير موجودة فى أى نظام مالى محترم فى العالم لأنها تحجز جزءًا من الإيرادات العامة التى من المفترض أن تدخل الخزانة العامة للدولة وتذهب بها فى مسارب بعيدًا عن الرقابة والمشروعية المالية وهى البرلمان الذى يقر الموازنة العامة.
فاروق: الصناديق الخاصة لا تمكن من المعرفة الدقيقة بحجم الكميات المالية
وأوضح فاروق، أن الصناديق الخاصة لا تمكن صانع وراسم السياسة الاقتصادية من المعرفة الدقيقة بحجم الكميات المالية الموجودة فى السوق وبالتالى لا يستطيع أن يقدر معدلات التضخم، لافتًا إلى أنها تنشئ مراكز مالية خارج نطاق الرقابة تؤدى إلى فساد وإفساد القيادات الإدارية وهو ما حدث على مدار الـ 40 عامًا الأخيرة.
وأضاف الخبير الاقتصادى، أن تلك الظاهرة لم تظهر فى مصر إلا بعد عام 1967 فى نطاق محدود ثم اتسع نطاقها بعد عام 1979 وانتقلت من سلطة الرئيس حصرًا فى المادة 20 من قانون الموازنة العامة رقم 53 لسنة 1973 إلى رؤساء الجامعات ورؤساء الأحياء والمحافظين والوزراء ورؤساء الأحياء حتى أصبحت ظاهرة خارج نطاق السيطرة.
وأشار فاروق، إلى أن حجم الحركة المالية «إيرادات ومصروفات الصناديق والحسابات الخاصة» تقدر بحوالى 300 مليار جنيه، أما الفوائض المالية تقدر بحوالى 97 مليار جنيه، وهو رصيد آخر المدة الذى يدخل الخزانة العامة للدولة، قائلًا: «وهذه الظاهرة الشاذة لا يعلم عنها أحد على الإطلاق فى الدولة المصرية لأنها خرجت من زمام الحساب الموحد للخزانة العامة وسمح لهم يوسف بطرس غالى عام 2006 بإنشاء حسابات وصناديق خاصة بالبنوك التجارية، وأصبحت ظاهرة غير محصورة لدى أى سلطة فى الدولة المصرية وتمثل أحد ركائز دولة الفساد فى عهد مبارك لإفسادها القيادات الإدارية وكان يصرف منها مئات الآلاف من المكافآت الشهرية لبعض القيادات».
قانون 59 لسنة 1979 نص على أن كل مبيعات الأراضى لا تدخل الخزانة العامة للدولة
وقال فاروق، إن قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة رقم 59 لسنة 1979 نص فى المادة 33 منه على أن كل مبيعات الأراضى لا تدخل الخزانة العامة للدولة وتدخل فى حساب صندوق خاص يديره الوزير المختص مما يمكنه من التصرف فى عشرات المليارات، ونفس الشىء فى هيئة التعمير والتنمية الزراعية، التى أنشأت بالقانون رقم 143 لسنة 1981 فى المادة 15، والتى نصت على نفس الشىء، وقس على ذلك عشرات ومئات الصناديق.
وشدد الخبير الاقتصادى، على أهمية دور مجلس النواب فى مواجهة تلك الظاهرة، لافتًا إلى أنه من المفترض على أعضاء البرلمان العمل على إصدار قانون بتشكيل لجنة عليا يشارك فيها ممثلو الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية ووزارة المالية ومحافظ البنك المركزى، ويتم حصر كل الصناديق والحسابات الخاصة على مستوى الدولة وفحص موجوداتها.
وأكد فاروق، على ضرورة النص على تصفية هذه الصناديق والحسابات الخاصة خلال 3 سنوات على الأكثر، وضمها للموازنة العامة للدولة، وحظر إنشاء أى صناديق أو حسابات خاصة وإرجاع هذه السلطة لرئيس الجمهورية فى أضيق الحدود الممكنة حتى لا تتحول إلى مجرى فساد، على أن يكون أى قرار بشأن إنشاء أى صندوق أو حسابات خاصة بموافقة مجلس النواب وتحت رقابة المشروعية المالية للبرلمان.
وقد أثارت أموال الصناديق الخاصة جدلًا واسعًا بين نواب البرلمان، الذين أبدوا رغبتهم فى الانضمام للجنتى الخطة والموازنة والشؤون الاقتصادية، حيث اختلفوا على مدى جدوى ضمها للموازنة العامة للدولة وما قد يترتب على ذلك من نتائج إيجابية وسلبية.
وفى هذا الصدد قال الدكتور أشرف العربى، عضو مجلس النواب المعين، إن رغبته فى الانضمام للجنة الخطة والموازنة جاءت لقناعته بأن تلك اللجنة هى التى تناسب خبراته، قائلًا: «ويكفينى العضوية وإن رأى الأعضاء أنى أتولى منصبًا بها سواء رئيس أو أحد الوكيلين فأنا أرحب بذلك».
العربى: معلوماتى عن الصناديق الخاصة محدودة
وأوضح العربى، أن معلوماته عن الصناديق الخاصة محدودة، وأن ضم أموالها للموازنة العامة للدولة فكرة ممتازة، لكن يجب دراستها جيدًا لمعرفة مدى سهولة تنفيذها لأنها مرتبطة بالتزامات ويجب العمل على ذلك بشكل علمى.
وأشار النائب البرلمانى، إلى أنه لم يكن هناك التزامات عليها فيجب ضمها فورًا للموازنة العامة للدولة، وإن كان عليها التزامات فتترك كما هى، قائلًا: «الكلام العاطفى ممكن يقال ولا أستطيع أن أتحدث عن شىء قبل دراسته بلجنة الخطة والموازنة وبالتأكيد سيكون من أولويات عمل اللجنة».
وبدوره قال النائب المستقل كمال أحمد بمحافظة الإسكندرية، إن ضم أموال الصناديق الخاصة للدولة سيكون له أثر إيجابى لأن أموال الصناديق موجودة ومعطلة بالبنوك، قائلًا: «وبدلًا من أن تقترض من البنوك بفوائد أذونات الخزانة بدلًا والإيداع بفائدة أقل لأموال الصناديق الخاصة».
كمال أحمد: ضم أموال الصناديق الخاصة للموازنة العامة يُحسن موقف الدولة
وأوضح كمال أحمد أن ضم أموال الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة يُحسن موقف الدولة وشكلها العالمى بخفض الدين الداخلى، والمساهمة فى خفض العجز فى الموازنة والفارق بين المصروفات والإيرادات، باعتبارها أموالًا معطلة، قائلًا: «إحنا مش داخلين متحفزين لكننا متعاونين ويجب أن يكون نفس الفهم لدى الحكومة لأننا فى مركب واحد».
واختلف معهم فى الرأى الدكتور محمد فؤاد، عضو مجلس النواب الوفدى عن دائرة العمرانية بالجيزة، لافتًا إلى أنه على مدار سنوات كان هناك أمور كثيرة أثيرت من خطب حماسية من غير المتخصصين، ومنها الحديث عن الصناديق الخاصة وضمها للموازنة العامة للدولة.
وأوضح فؤاد، أن أموال الصناديق الخاصة هى موارد ومخصصات لهيئات ومحافظات وأحياء يخرج منها أجور ومصروفات صيانة ومكافآت، وأن الحديث عن نهبها وسرقتها لا يشمل الواقع كله، مشيرًا إلى أن السواد الأعظم من العمالة المؤقتة فى الدولة وأعمال الصيانة والتطوير تخرج من تلك الصناديق الخاصة.
وأضاف النائب الوفدى، أن ضم أموال الصناديق الخاصة للموازنة العامة يدعم المركزية الشديدة للدولة التى وصفها بـ«المصيبة السودا سيتضرر منها الكثير»، موضحًا أن البديل لذلك للسيطرة على الفساد هو الرقابة المالية الشديدة، قائلًا: «وما أكثر الأجهزة الرقابية فى مصر مثل هيئة الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات ووزارة التنمية المحلية، فهل كل تلك الجهات لا تستطيع السيطرة على صناديق فى جهات معينة، يبقى نقفلها أحسن ونضمها للموازنة العامة».
النائب الوفدى يطالب الإبقاء على الصناديق الخاصة
وأصر فؤاد، على إلقاء المسؤولية عند أصحابها والإبقاء على الصناديق الخاصة، بدلًا من تشريد العمالة المؤقتة لتنفيذ شعارات رنانة، مضيفًا: «وعلى الأجهزة الرقابية القيام بدورها، وضمها للموازنة العامة للدولة مجرد مناورة محاسبية لشفاء مطلب شعبوى».
بسنت فهمى: ليس من المنطق أن يكون لدينا أموال طائلة فى الصناديق الخاصة ونذهب لنقترض
وفى السياق ذاته أكدت النائبة المعينة بالبرلمان بسنت فهمى، أنها فى انتظار الاطلاع على الموازنة الجديدة للدولة وكيفية تصرف الدولة لسد العجز بها، وبعد ذلك دراسة مدى الحاجة إلى ضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة.
وأوضحت بسنت فهمى، أنه ليس من المنطق أن يكون لدينا أموال طائلة فى الصناديق الخاصة ونذهب لنقترض من الخارج، قائلة: "لو البلد غنية اعمل إلى انت عايزه، وطالما الوضع العام كده لا يجب الاقتراض ولدينا أموال ونحن فى ظروف صعبة، وأى شىء يسد العجز خطوة إيجابية بالتأكيد".