انتهت دراسة أعدها المركز الاقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، حول دلالات تصويت مجلس النواب برفض قانون الخدمة المدنية، إلى عدة نتائج مهمة من بينها التأكيد على أن الأحزاب السياسية لم تستطع السیطرة على نوابها، وأن ظاهرة المستقلین المرشحين باسم هذه الأحزاب ستظل مهددة لمسألة الالتزام الحزبى داخل البرلمان، فضلا عن تعرض ائتلاف " دعم مصر" لهزة عنیفة كشفت عن حدود قوة تماسكه، وعدم التزام نوابه بالاتجاه العام الذى أعلنته قیادته قبل التصویت أیضا.
عدم سيطرة الأحزاب على نوابها رغم إعلانها قبل التصويت على تمرير القانون
وقالت الدراسة: إن تصويت 332 نائبًا برفض القرار بقانون رقم 18 لسنة 2015 بنسبة بلغت 76.89%، فى مقابل 150 نائبًا أيدوا القانون بنسبة بلغت 30.67% من إجمالى 489 نائبًا سجلوا حضورهم فى جلسة التصويت، يُشير إلى عدم سيطرة الأحزاب على نوابها، وهى التى أعلنت صراحة قبل إجراء التصويت على اتفاق كامل هيئاتها البرلمانية على تمرير القانون.
وأشارت الدراسة إلى أن ظاهرة المستقلين المرشحين على هذه الأحزاب ستظل مهددة لمسألة الالتزام الحزبى داخل البرلمان، إضافة إلى أن هذه النتائج التصويتية، وكذلك الأرقام التى أظهرها أيضا التصويت على التعديلات التى اقترحتها الحكومة على القانون قبل رفضه، والتى بلغت نسبة رفضها 57.42% بعدد 271 نائبًا، فى مقابل 194 نائبًا أيدوا تلك التعديلات بنسبة بلغت 41.10% - يشير أيضا إلى تعرض ائتلاف "دعم مصر" لهزة عنيفة كشفت عن حدود قوة تماسكه، وعدم التزام نوابه بالاتجاه العام الذى أعلنته قيادته قبل التصويت أيضًا.
تداعيات ودلالات رفض قانون الخدمة المدنية
واوضحت الدراسة إلى أن تداعيات ودلالات رفض قانون الخدمة المدنية بهذا العدد الكبير من الأصوات، تتجلى فى عدة أمور أهمها فيما يتعلق بتحسين صورة البرلمان فى الشارع، خاصة بعدما تعرض له من نقد منذ أولى جلساته الإجرائية، ومنها ما يتعلق بواقع ومستقبل حدود سيطرة الأحزاب والائتلافات على هيئاتها البرلمانية والنواب المنضمين لها، حيث أدى رفض البرلمان للقانون بعد محاولات إقناع مستميتة قام بها ممثلو الحكومة للنواب الرافضين للقانون، والتى فسرها مواطنون متابعون بأنها ضغوط حكومية لتمريره، إلى اعتبار ذلك اختبارًا حقيقيًّا لمجلس النواب فى مواجهة الحكومة، خاصة بعد عمليات الشحن الخاطئة التى قام بها وزيرا الشؤون النيابية والتخطيط، والتى أظهرت للعامة أن الحكومة فى مواجهة البرلمان.
رفض القانون رسم صورة لدى المواطن بانحياز البرلمان للشعب فى مواجهة الحكومة
كما تتمثل أهم ملامح الصورة الذهنية التى أرساها رفض البرلمان للقانون فى انحياز البرلمان للشعب فى مواجهة الحكومة، واتضح ذلك فى تعليقات بعض العمال فى صفحاتهم على الفيس بوك، حيث أشادوا بموقف المجلس فى رفضه للقانون، واعتبروا أن البرلمان عبر عن إرادة الشعب علاوة على كسب ثقة النقابات العمالية، انطلاقًا من موقف لجنة القوى العاملة التى فندت أسباب رفضها للقانون وطالبت المجلس برفضه، والتى تمثل فيها رئيس الاتحاد العام للنقابات النائب جبالى المراغى، والأمين العام لاتحاد عمال مصر النائب محمد وهب الله، وآخرون من القيادات العمالية أمثال النواب جمال عقبى، وسحر عثمان، وسولافى مرعى.
بالإضافة إلى أن رفض القانون كان بمثابة قياس مبكر لحدود صلابة ومدى استمرار التحالفات فى البرلمان، حيث كشف إعلان بعض الأحزاب عن اتفاق هيئاتها البرلمانية على تمرير القانون قبل التصويت عليه عن عدة دلالات كثيرة، منها ضعف الالتزام الحزبى لنواب بعض الأحزاب داخل المجلس، وعدم التزامهم بتعليمات رؤساء الكتل البرلمانية التى يتبعونها.
حزب "المصريين الأحرار" من أهم الأحزاب التى وقعت فى مأزق عدم سيطرته على نوابه
ويُعد حزب "المصريين الأحرار" من أهم الأحزاب التى وقعت فى هذا المأزق، بعد إعلان رئيس كتلته البرلمانية أن نواب الحزب اتفقوا على تمرير القانون، وهو ما كشفت عكسه النتائج النهائية للتصويت، فقد بلغ إجمالى عدد نواب أحزاب الوفد ومستقبل وطن والنور والشعب الجمهورى والمؤتمر، الذين أعلنوا رفضهم صراحة للقانون قبل بدء جلسة التصويت، بالإضافة إلى ما يقرب من 80 نائبًا مستقلا ما يقرب من 202 نائب، بنسبة بلغت 60% من إجمالى الرافضين للقانون، وهو ما يعنى أن عددًا كبيرًا من نواب المصريين الأحرار خالفوا التعليمات، وشاركوا التكتل الرافض للقانون.
رفض القانون يشير إلى هزة عنيفة لبنيان ائتلاف دعم مصر
كما أثبت رفض القانون عدم تماسك بنيان ائتلاف "دعم مصر" تحت القبة، وعدم اتباع ما يزيد عن 50% من نواب الائتلاف لاتجاه تصويته على الرغم من تأكيدات مسؤول الائتلاف اللواء سامح سيف اليزل قبل التصويت على القانون بأن "نواب الائتلاف اتفقوا على تمرير القانون" وأن "رأى ائتلاف دعم مصر جميعًا اتفقوا على تشكيل لجنة لبحث القانون ودراسته فى مدة محددة" وقد بلغ عدد الموافقين على القانون 150 نائبًا بنسبة 30.76% من إجمالى التصويت، يمثل حزب المصريين الأحرار عددًا منهم، وهو ما يعنى أن قانون الخدمة المدنية يمثل الاختبار الثالث الذى لم يتجاوزه الائتلاف بنجاح، فهو نجح فى اختبار واحد فقط منها باقتدار، وهو حسم رئاسة البرلمان لصالح مرشحه الدكتور على عبد العال بنسبة تصويت بلغت 64.54% من إجمالى أصوات عدد الأعضاء المشاركين.
الدراسة تشير إلى قوة تحالف الجغرافيا على الولاءات الفوقية لـتحالف "دعم مصر"
أما الاختبار الثانى فأثبت قوة تحالف الجغرافيا (الصعايدة) على الولاءات الفوقية لـتحالف "
دعم مصر"، حيث كانت نتيجته فوز أحد مرشحيه على منصب الوكيلين، ودخول الآخر فى جولة إعادة، وجاء الاختبار الثالث المتمثل فى الإعادة على منصب الوكيل الثانى بين مرشح التحالف النائب (علاء عبد المنعم) والمرشح الحزبى النائب (سليمان وهدان)، ويُرجح بعد هذا الاختبار أن تماسك "دعم الدولة" غير مضمون طوال الوقت، لعدم استقرار البناء الداخلى للتحالف، ولتفكيك تربيطات اللحظات الحرجة لتماسك نوابه.
واختتمت الدراسة بأنه يمكن القول أنه رغم الآثار الإيجابية لرفض القانون المتمثلة فى تحسين الصورة الذهنية عند بعض المواطنين تجاه مجلس النواب، وإظهار عدم وجود كتلة تصويتية ثابتة طوال الوقت على المجلس، فإن هناك بعض التداعيات السلبية لرفض القانون، وهى متعلقة بحدوث فراغ تشريعى يسير أمور العاملين بالقطاع الإدارى للدولة حتى إقرار قانون جديد، أو إجراء تعديلات على القانون 47 لسنة 1978.