كان لمصر دور رئيسى فى المساهمة بإنشاء النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية من خلال اتفاقية روما فى هذا الشأن، ووقعت عليه بتاريخ 28 ديسمبر عام 2000، ولم يتبقَّ ليدخل هذا النظام حيز النفاذ سوى تصديق مجلس النواب على هذه الاتفاقية وفقًا لأحكام المادة 151 من الدستور المصرى.
وطبقا لما يراه خبراء القانون الدولى فإن التصديق على تلك الاتفاقية يعيد مصر إلى ريادتها الدولية فى إنشاء هذه المحكمة، خاصة أن عددًا من رجال القانون المصريين كان لهم دور مهم فى المشاركة فى وضع النظام الأساسى، بل هناك من شارك كقضاة رئيسيين فى محاكم جنائية دولية، كما أن هناك دولًا عربية سبقتنا إلى التصديق على تلك المحكمة.
"العربى لاستقلال القضاء" يعقد لقاء بنواب البرلمان للرد على استفساراتهم
وفى هذا السياق، أكد المحامى الدولى ناصر أمين، رئيس المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، والذى يعد منسق التحالف العربى من أجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، أن قرار تصديق مصر على الاتفاقية مؤجل من سنة 2000 لأنها وقعت على الاتفاقية ولم تصدق عليها لأسباب سياسية آن ذاك على حد تعبيره.
وأشار أمين فى تصريح لـ"برلمانى" إلى أن المركز تقدم بطلب للبرلمان للتصديق على الاتفاقية، قائلا "وأتمنى أن يدعم هذا الطلب النواب داخل البرلمان وأن يتقدموا بطلب لرئيس المجلس بإدراج تصديق مصر على الاتفاقية على جدول أعمال المجلس خلال المرحلة المقبلة، معلنا عن أن المركز يعمل على التجهيز لحملة لطلب لقاء عدد من النواب لشرح المطلب وتوضيحه والإجابة على أى استفسار لدى بعضهم.
وقال أمين المركز، إنه طالب الأنظمة السياسية المتعاقبة بالتصديق على الاتفاقية بدءا من نظام مبارك مرورا بالمجلس العسكرى والرئيس الأسبق محمد مرسى فى عهد الإخوان المسلمين، قائلا "والآن نطلبه من البرلمان المصرى باعتبار أن ذلك يؤدى لوقف الجرائم الأشد خطورة فى مصر ويجعلها عضوا فى آلية دولية إذا ما ارتكبت تلك الجرائم على أراضيها أو ضد مواطنيها فى أى بقعة من بقاع الأرض".
وأوضح ناصر أمين أنه من المهم أن تكون مصر جزءا من آلية دولية تمكنها من ملاحقة ومساءلة المتورطين فى ارتكاب أشد الجرائم خطورة كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وجريمة العدوان.
السادات: سأعيد طرح الأمر من خلال لجنة حقوق الإنسان بعد إعداد لائحة البرلمان
ومن داخل البرلمان أعلن النائب محمد أنور السادات بأنه سيعيد طرح تصديق البرلمان على النظام الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية عبر لجنة حقوق الإنسان بعد الانتهاء من إعداد اللائحة الداخلية للبرلمان وتشكيل اللجان النوعية لتصبح مصر عضوا بالمحكمة مثل العديد من الدول ومنها الأردن.
وأوضح السادات لـ"برلمانى" أن المحكمة الجنائية الدولية تبحث فى جزئية محددة وهى الجرائم ضد الإنسانية ومنها جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية، قائلا "ولا أرى أن هناك أى خوف من انضمام مصر لها والتصديق عليها، ولدينا القضاء الذى يتعامل مع أى من تلك القضايا، والمحكمة تتدخل اذا كان القضاء الداخلى غير قادر على تولى المحاكمات أو إصدار أحكام، وفى حالتنا ليس هناك خوف من ذلك".
وشدد السادات على أن تصديق مصر على اتفاقية روما يؤكد أننا ليس "على راسنا بطحة"، وأنه يعد رسالة للعالم كله بأنه ليس لدينا ما نخفيه أو ما يثير قلقنا من الانضمام لها، قائلا "وهناك أكثر من 100 دولة انضمت لها، والقضاء المصرى تعامل مع كل القضايا سواء بعد ثورة 25 يناير أو 30 يونيو وأحداث رابعة العدوية وأصدر أحكام بالإدانة أو البراءة فيها".
شرعى صالح: سأصوت بالموافقة على الانضمام ولا نخشى من شىء
ومن ناحيته قال النائب شرعى محمد صالح أن المحكمة الجنائية الدولية هى إحدى سلاسل المنظمات الدولية التى تندرج ضمنها عدة دول، لافتا إلى أنه من أنصار تصديق مصر على انضمامها إلى نظام روما الأساسى التابع للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدا أن تلك الخطوة ستعزز من ثقل مصر على المستويين الدولى والإقليمى.
وأوضح صالح لـ"برلمانى" أن التصديق على الاتفاقية يمكن الدولة المصرية من مطاردة العديد ممن أساءوا للوطن وارتكبوا جرائم ضدها وهربوا بعيدا عن مصر، ويسهل لمصر متابعة صدارتها للمشهد الدولى، قائلا "وفى حالة عرض الأمر على البرلمان سأصوت بالموافقة على الانضمام، فنحن لا نخشى من شىء وتخوفات البعض من الانضمام فى غير محلها وغير مبررة".
أحمد سميح: طبيعة شعبنا ستجعلنا دائما فى جانب المدعى وليس المدعى عليه
وبدوره قال المحامى أحمد سميح، عضو مجلس النواب المستقل عن دائرة الطالبية، إن التواجد المصرى فى أى نظام عالمى سيكون شيئا إيجابيا ولن يخسرنا شيئا ويضع لنا اسما فى المجتمع الدولى، مشيرا إلى أنه يجب النظر إلى ما سيعود على منظومة العدالة فى مصر.
وأضاف سميح لـ"برلمانى": "ليس لدينا ما يخيفنا ولن يكون، وطبيعة شعبنا ستجعلنا دائما فى جانب المدعى وليس المدعى عليه، كما أن الانضمام سيمكننا من التعديل فى نظام المحكمة ولائحتها الداخلية".
مصطفى الجندى: الجنائية الدولية لا تستطيع إلا محاكمة الضعفاء والأقوياء لا يحاكمون أمامها
وفى الجانب الآخر، كان هناك عدد من النواب المعارضين لتلك الفكرة ومنهم النائب مصطفى الجندى الذى قال إن هناك دولا لا يطبق عليها أحكام الجنائية الدولية، لافتا إلى أن المحكمة لا تستطيع تنفيذ قراراتها على الدول التى لها حق الفيتو وبالتالى فهى محكمة مردودة.
وأوضح عضو ائتلاف "دعم مصر" أن المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع إلا محاكمة الضعفاء وأن الأقوياء لا يحاكمون أمامها، قائلا "و يجب أن تحاكم أمريكا وبريطانيا وكل الدول العظمى أمامها حتى تنضم مصر إلى عضويتها".
طارق الخولى: قد تتحرك المحكمة تجاه أى مسئول مصرى بإيعاذ ممن يحركها
ووافقه الرأى النائب الشاب طارق الخولى مؤكدا أن الجنائية الدولية مثل بعض المنظمات التى تمارس ازدواجية فى المعايير فى توجيه الاتهامات، قائلا "وهو ما حدث بشكل صارخ تجاه الانتهاكات الاسرائيلية وهو ما يثير علامات استفهام لدى الكثيرين".
وأضاف الخولى لـ"برلمانى" أنه يجب أن يكون هناك تدقيق ومراجعة قبل اتخاذ أى قرار من جانب البرلمان تجاه هذا الأمر ودراسة أبعاده لأنه سيعطى مساحات تدخل للمحكمة فى أمور متعلقة بمصر، قائلا "وقد تتحرك المحكمة تجاه أى مسئول مصرى بإيعاذ ممن يحركها، وعدم تصديق البرلمان خلال السنوات الماضية سببه ازدواجية المعايير".
ناصر أمين: التخوفات تنم عن عدم إدراك بطبيعة عمل المحكمة
وردا على تلك التخوفات شدد الخبير الحقوقى ناصر أمين رئيس المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة على أن تخوفات البعض من التصديق عل الاتفاقية ودخولها حيز النفاذ تنم عن عدم إدراك بطبيعة عمل المحكمة، مضيفا أن المحكمة ليس لها علاقة بالدول وهى تحاكم أفراد أو جماعات تعمل أو ترتكب جرائم وبالتالى لا تحاكم دول.
وحول ازدواجية المعايير لدى المحكمة تجاه الكيان الصهيونى وجرائمه المتكررة ضد الإنسانية على الأراضى الفلسطينية أكد رئيس المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة أن هناك تحقيقا بدأ بالفعل بالمحكمة ضد بعض القادة الإسرائيليين فى جرائم حرب ارتكبت فى حرب غزة، وأن المدعى العام بالجنائية الدولية اتخذ قرارا ببدء التحقيق فيها، قائلا "وسوف يتابع العالم إحالة المتورطين للمحكمة، حيث استقبل المدعى العام الشهر الماضى أدلة الاتهام من المنظمات الحقوقية الفلسطينية والعربية، والسلطات الفلسطينية قدمت طلبا رسميا للجنائية الدولية للتحقيق فيها، والمدعى العام طلب عقد جلسة حتى تأذن له الدائرة التنفيذية بالبدء فى التحقيقات".